السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تجليات المكان في الرواية العربية.. قراءة في ربيع البنفسج

الإثنين 09/يناير/2023 - 06:18 م

ربيع البنفسج.. قراءة في روايات عربية كتاب للكاتب أحمد رجب شلتوت، صدر عن وكالة الصحافة العربية ناشرون طبعة 2020، يقدم قراءات متعددة للرواية العربية، بلغة أدبية رفيعة يتضح فيه شغف الكاتب واهتمامه بدراسة المكان الروائي، والرواية العربية بين الأقوال المختلفة حول ازدهارها ورواجها باعتبارها حقيقة مؤكدة، وبين تشكك البعض في موتها واندراسها إذا هي خافت التجديد؛ ينتصر شلتوت لحال الرواية وواقعها بأنها قد شهدت ربيعًا غير مسبوق، لينطلق من تأكيد مصاحبة الإنسان للرواية؛ حيث إنها قد صاحبته في كل تجلياته، فهي تشبهه في قدرته على التطور والتجدد والاستمرار؛ وتمنح نفسها دائمًا حيوات جديدة، وقد شهدت تحولات كبيرة في اللغة والخيال والموضوعات والأشكال والرؤى والمواقف، حتى أصبحت أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظي الذات والمجتمع العربيين، فالرواية العربية قد ارتبطت كثيرًا بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية، فبلا شك أن المنتج الأدبي يسير في فلك الحراك السياسي يتأثر به ويؤثر فيه، لا سيما تأثير ثورات الربيع العربي في الأدب؛ فقد أضافت إليها خصوصيات لغوية أثرت في مبنى الخطاب؛ مما أحدث تنوعًا في العديد من القضايا، وهذا المضمون يتعانق مع دلالة اللون البنفسجي الذي يشير إلى رجوع الرواية إلى الحياة.

للرواية العربية خصوصيتها التي تميزها؛ فهي عنده تعبر عن أزمات إنسان عربي متكرر الهزائم والخيبات؛ لذا يغلب على شخصياتها التيه والانكسار، وهي بذلك لا تكرر نفسها، فلكل حالة ولكل رواية ما يميزها عن غيرها، فهي من الأجناس الأدبية التي تمتاز بالمرونة وبقدرتها على استيعاب الذاتي والموضوعي، والخاص والعام، حتى أصبحت أكثر قربًا من الحياة، وأكثر قدرة على التعبير عنها، من أجل هذا سيطول ربيعها وبقاؤها، ومنوهًا أيضًا لأهمية دور النقد في مواكبته لها، وللقيام بدوره بفرزه لها كاشفًا سمينها من غثها، ومسايرًا لمغامراتها الجمالية والموضوعية، وكاشفًا عن تحولاتها الفنية الراصدة للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها الوطن العربي خصوصًا فيما انقضى من سنوات القرن الحادي والعشرين، فالرواية نصٌّ أدبيٌّ له خصوصيته الثقافية والفنية، والأديب عامة لا ينفصل عن مجتمعه أو عن واقعه المعيش لذا يجيء النص الأدبي دائمًا مؤثرًا ومتأثرًا بمتغيراته الاجتماعية المتنوعة التي تتواءم ودراسة المكان الروائي.

وجاء ربيع البنفسج مرتكزًا على محورين أساسيين؛ أولهما: دراسة عن رواية المكان إدراكًا من وعيه بأهمية المكان الروائي وقيمته، فالمكان لديه ليس مجرد وعاءٍ حاوٍ للأحداث والشخصيات بل هو شخصية موضوعية، وأشار إلى علاقة الأدباء بالمكان كعلاقة حنا مينا باللاذقية، وإبراهيم الكوني بصحراء الحمادة بليبيا، وعبد الرحمن منيف بـحران، ومدن الملح، ومحمد جبريل ومدينة الإسكندرية، وغيرهم.

أما المحور الثاني وهو مدعم قوي لفكرة الكتاب ويضم قراءات متفرقة لعدد من الأعمال الروائية العربية محددة، ويبدأ بتحية الروائي فتحي إمبابي الذي تنبش رواياته في لحظات غائمة في تاريخ الوطن، فقد دفعته هزيمة 67 إلى التاريخ ليس بحثًا عن إجابات جاهزة لأسئلة محيرة، بل بحثًا عن هوية اهتز اليقين بها كرد فعل طبيعي للهزيمة، هكذا تشكلت روايته الأولى الفاتنة نهر السماء التي استلهمت العقود الأخيرة من عمر المماليك، ويرصد تغريبة المصري في بلاد النفط في روايتيه العرس، ومراعي القتل، وفي عتبات الجنة تطرح الرواية بفترتها التاريخية، وبشخصياتها، سؤالًا عن هزيمة الثورة العربية.

أما عمار علي حسن، ففي روايته السلفي يرسم لوحة كبيرة للوطن مختصرًا في تلك القرية التي يطوف الأب بعتباتها مستحضرًا لتاريخها ومنقبًا خلف حكايات العتبات عن أصل الداء الذي حوّل الشاب الطيب إلى إرهابي.

وفي حفر دافئة في متاهة الرمل يتلمس صورة باريس الرمادية كما رسمها التونسي الحبيب السالمي في رواياته، أما الروائي فواز حداد، فهو منذ عمله الأول موازييك: 39 يحفر في التاريخ السياسي والاجتماعي لسوريا، ويزيح التاريخ ببراعة إلى خلفية المشهد الاجتماعي، مقدمًا شخصياته كشهود على الواقع وضحايا له في آن، وفي روايتيه جنود الله ثم السوريون الأعداء، يطرح أسئلة عن الدين والثورة يتوقف الكاتب عند روايته الأخيرة  الشلاعر وكاتب الهوامش التي ترسم صورة لهيمنة النظام على مقدرات الشعب السوري، من خلال تزييف الوعي وتدجين المثقفين واستخدام الشبيحة لترويع المواطنين.

وفي رواية حصن الزيدي، للروائي اليمني محمد الغربي عمران، يشكل الحصن فضاء يحتوي أغلب أحداثها، فهو بؤرة الأحداث، باعتباره رمزًا للسلطة، وتوضح الروايات تماثُل السلطات، فلا تختلف سلطة عن أخرى، سواء انتمت إلى قبيلة تقسم الناس إلى سادة وعبيد، أو أئمة يطوعون الدين لمصلحتهم الشخصية أو ثوار لا يملكون سوى الشعارات وإطلاق الوعود التي لا يستطيعون الوفاء بها، فلم يتغير في الحقيقة إلا ايم الحصن في تبعيته للسلطات المتعاقبة على حكمه، بينما أحوال الناس ظلت مقيمة على بؤسها.

وفي رواية كيميا يعمل وليد علاء الدين على تذويب الحدود بين الواقعي والتاريخي من جهة، وبين التخييلي والتسجيلي من جهة أخرى، ولم يقم وليد علاء الدين بإهالة التراب على وجه جلال الدين الرومي ولم يقم بتكسير صنمه، بل قام بتفكيك الصورة النمطية لمولانا، فالصورة هي صورته النمطية في أذهان مريديه، حولوه إلى صنم لم يعبده الروائي بل بحث خلف تفاصيل الصورة المرسومة عن ملامح الإنسان الحقيقي. صورة يقبلها عقل الكاتب المنحاز للإنسان.

وقد بدت التحولات التي شهدتها الرواية العربية أكثر من أن تكون مجرد صدى لجملة التحولات الاجتماعية المربكة التي شهدها الوطن العربي في العقد الأخير من القرن العشرين وفيما انقضى من القرن الذي تلاه، فتوقف العراقي وارد بدر السلام عند الراهن العراقي في رواية شظية في مكان حساس التي تسرد رحلة أسرة عراقية مع الألم الذي صهرها، وأعاد تشكيلها وصياغة حياتها عقب تعرضها لمحنة استثنائية في زمن الحرب. 

وللكتابات النسائية نصيب من هذه القراءات إذ يعرض شلتوت منها وطن الجيب الخلفي للأديبة منى الشيمي، وتعالج فيها فكرة الاغتراب وتشظي الهوية وتأثيرها على تعريف الوطن عند المواطن المستلب. وفي رواية 104 القاهرة للكاتبة ضحى عاصي ترصد تفتت عوالم المدينة التي تشهد أفولها، وتستشرف تحول العلاقات بين الفضاءات المتجاوزة بما ينذر بنشوب صراع قد يزيد من اتساع الشروخ التي تنسرب منها أرواح أولئك المتمتعين بقوة الرأفة.

والكاتب أحمد رجب شلتوت كاتب مصري، صدر له أربع مجموعات قصصية؛ هي: العائد إلى فرحانة، والسعار والشذى، ودم العصفور، وساعة قبل النوم، ومجموعة قصص للأطفال بعوان: العش للعصافير، ومن أعماله الروائية: حالة شجن. وحصل على العديد من الجوائز الأدبية؛ منها: جائزة جريدة الشعب المركز الأول في القصة عام 1989، ونادي القصة المركز الأول عام 1997، وجائزة إحسان عبد القدوس عام 2008، وجمعية الأدباء عام 2007، وجائزة ساقية الصاوي للقصة القصيرة جدا عام 2010، وقد فاز عدة مرات في مسابقات الثقافة الجماهيرية ووزارة الشباب في القصة القصيرة والرواية والمسرح.

تابع مواقعنا