الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

نادي الحناكة السري

الخميس 05/يناير/2023 - 06:50 م

الحناكة في اللغة مأخوذة من الفعل حَنَكَ بمعنى فَطِن، يقال رَجُلٌ حُنُكٌ وسياسي مُحنّك، بمعني لبيبٌ عاقلٌ بصير بالأمور حَنَّكته التجارب، وامرأَة حُنُكٌ أوحُنُكَةٌ، والمفعول مُحنَك ومَحْنوك.. والحَنَك هو باطن أعلى الفم من الداخل، يقال: حنَّكتِ الأمُّ طفلَها أي دلكت حنَكَه، والحِنك هو الغيظ، ويستخدم بمعنى الاستيلاء والإغواء، قال تعالى: «لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا» (الإسراء 62) أي لأستولين على ذريته فأغويهم.. ويقول الشاعر العباسي دعبل الخزاعي: “مُحَنَّكونَ عَلى الفَحشاءِ في صِغَرٍ.. مُحَنَّكونَ عَلى الفَحشاءِ في كِبَرٍ”. 

 

ولأن جوجل سيد المحنكين فهو يرى أن الحنيكة هي إحدى قرى عزلة الضليعة بمديرية الضليعة التابعة لمحافظة حضر موت اليمنية، بلغ تعداد سكانها 23 نسمة حسب تعداد اليمن لعام 2004، ولمحرك البحث الشهير تحنيكة جغرافية أخرى، حيث يرى أن الحنيكة هي إحدى قرى عزلة عيال غفير بمديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء اليمنية، بلغ تعداد سكانها 147 نسمة حسب تعداد اليمن لعام 2004. 

 

وعندنا في مصر كانت الحناكة أو الحنيكة تطلق على الشخص الذي لديه القدرة على التحدث بطلاقة واحترافية، والذي يمتلك الخبرة والعلم ببواطن الأمور، ومؤخرا تحول المعنى إلى العكس، فأصبحت الكلمة وسيلة للتندُّر والسخرية من الشخص الذي يقول معلومات غبية أو غريبة أو كلاما معروفا ومفهوما ولا يحتاج إلى تفسير، أو الشخص الذي يظن نفسه عبقريًا وخبيرًا ولا يوجد له مثيل في الكون، ودائما ما يتحفنا بآرائه الشاذة والغريبة، ويطلقون عليه «حنيوك» وأفكاره عبارة عن «تحنيكات» وهي الكلام الفارغ والمغلوط، ومفردها «تحنيكة»، ومعناها بالعامية: «بيحط التاتش بتاعه»، وفي الغالب تكون الردود على كلامه: «بطل حنيكة يسطا». 

 

ولأن الحناكة تجري من بعض التنويريين مجرى الدم في العروق، فإنهم لا يلبثون بين الحين والآخر أن يهاجموا إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ويلصقون به تهما عجيبة وغريبة، إذ يتهمونه بالتشدد والتزمت والتطرف والتسلف والرجعية!، وكان آخر هذه «التحنيكات» في اليومين الماضيين؛ بسبب عرض مسرحي كان من المفترض أن يتناول سيرة الشيخ الراحل على خشبة المسرح القومي في رمضان المقبل؛ ومن ساعتها قامت الدنيا ولم تقعد، وشن عدد كبير من هؤلاء «المحنكين» هجوما ونقدا هداما ينال من قيمة وشخص إمام الدعاة. 

 

أنا لا أدعو إلى تقديس الشعراوي أو حتى عدم نقده، فكل يؤخذ من قوله ويرد عدا النبي صلى الله عليه وسلم، لكن النقد يجب أن يكون بناءً ومبنيًا على أسس علمية سليمة، وليس مجرد «حنيكة فارغة»، فالشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق عندما سألوه: لماذا لم يحصل الشيخ الشعراوي على الدكتوراه؟، قال: «ومن يمتلك علمه حتى يمتحنه؟!"، وأنا الآن أكرر نفس السؤال: من يمتلك علم الشيخ الشعراوي من هؤلاء «المتحنيكين» و«المتفزلكين» حتى يناقشه أو يهاجمه؟ 

 

في أواخر شهر ديسمبر الماضي تفاجئنا جميعا بتحنيكة أخرى غريبة لشخص يدعى ياسر القرشي أطلق على نفسه لقب المأذون الشرعي، وكانت تحنيكته عبارة عن دعوة الشباب والفتيات إلى الإسراع بالزواج قبل صدور قانون الأحوال الشخصية الجديد، مدعيا أن العريس سيكون مطلوب منه دفع 30 ألف جنيه ضمن رسوم الزواج، وكتب على صفحته بموقع فيسبوك: "قانون الأحوال الشخصية الجديد.. العريس لازم يدفع في الصندوق من 20 إلى 30 ألف.. والقانون بصدد الصدور الآن.. الإخوة اللي حاجزين لدى المكتب عقد خلال شهر يناير 2023 نصيحة عجلوا بالعقد إن استطعتم.. واجعلوا الفرح في أي وقت تحبون لأن القانون الجديد سيصدر خلال أيام". 

 

تحنيكة القرشي لم تمر مرور الكرام إذ تلقفتها صفحات المحنكين وبدأوا يتشاركونها على نطاق واسع من الحنيكة، ويتفاعلون معها بالصور والتعبيرات الساخرة، والغريب أن الكثيرين تعاملوا معها على أنها قرار رسمي، وأن مبلغ الـ30 ألف هو رسوم نهائية لن يتم الزواج بدونها!، وللأسف الشديد انساق وراء هذه الشائعة مثقفون وصحفيون وأساتذة جامعات، لكن سرعان ما انكشفت تحنيكة القرشي التي أوقعته في شر أعماله، حيث تبين أنه لا يمت للمأذونية بصلة وأنه نشر أخبارا كاذبة، وهو الآن محبوس على ذمة التحقيقات في أخطر تحنيكة هزت الرأي العام خلال 2022. 

 

الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر وشيخ الأزهر لم يسلم من هذه «التحنيكات الفارغة»، فبمجرد أن كتب فضيلته منشورا باللغتين العربية والإنجليزية عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انهالت عليه التعليقات السلبية والمسيئة، لدرجة أن شابا تافها يبدو من صورة حسابه أنه لا يعرف "السما من العمى" سأله بغباء منقطع النظير: "أنت دارس ايه عشان تقول يجوز تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد ولا لأ"!.. فضلا عن تعليقات أخرى بذيئة وسخيفة تتهم الرجل وتشكك في إيمانه، بالإضافة إلى أن أكثر من 19 ألف متابع تفاعلوا مع المنشور بطريقة غاضبة وساخرة! 

 

والغريب في الأمر أن أصحاب الفكر المتشدد يحترمون شيخ الأزهر أشد الاحترام طوال العام، لكن هذا الاحترام سرعان ما يتلاشى في بداية كل عام ويتحول إلى هجوم حاد وسباب بأشنع الألفاظ بسبب تهنئته للمسيحيين بعيد الميلاد!.. والأغرب من ذلك أنك لا تجد أي هجوم على صفحات هؤلاء المتشددين ولا مشايخهم الذين يحرمون تهنئة غير المسلمين بأعيادهم! 

 

في النهاية عزيزي القارئ، لا تعجب عندما ترى آلاف المشاركات على فيسبوك لخبر كاذب، ولا تندهش عندما ترى من يهاجم شيخ الأزهر وينصب له العداء بسبب فتوى ليست على مزاجه، ولا تحزن عندما ينقلب التايم لاين إلى هجوم على الشيخ الشعراوي واتهامه بالتطرف والرجعية، فإنك في نادي الحناكة السري.

 

تابع مواقعنا