الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

دعوا القافلة تسير بلا ضجيج

الأحد 01/يناير/2023 - 10:13 م

سنين وأنا أحاول أن أفهم تصريحات كثير من المسؤولين، بمنطق أن المسئول مسؤول، وهي تصريحات تنتزع جذور الاستغراب من مكامنها، خاصة مع توالي الأزمات، فلم أصل إلى شيء، الرئيس مثلًا عندما يقول كلمة يكون لها وقع نفسي وواقع عملي ملموس.. بدأ بأول بيان أيام التنازع بين مرسي وغالبية طوائف الشعب، وكان كل حرف فيه يُدرَّس، ولكن عندما تكلم عن مشروع العاصمة الإدارية، وقتها كنت أول المدهوشين، فسيل الصراعات المتلاحقة الجارف أرهق الدولة، ونهش اقتصادها، ولكن مع تسارُع عجلة الزمن رأينا المؤشر يتجه صوب إزاحة الستار المغبرة عن أدمغتنا وعن تحوُّل العاصمة الجديدة من المؤتمرات والماكيتات إلى حقيقة راسخة رسوخ الجبال، وشاهدنا الإقبال غير المسبوق عليها، كما شهدنا تفجُّر مشاريع ضخمة شملت خريطة مصر بأكملها بشكل يفوق تخيلاتنا، وأفكارًا رأتها دول عظمى مستحيلة، فتحولت إلى عجائب الدنيا، وكان الواقع الذي أبصرته أعيننا أقوى من المستحيل؛ ليكشف واقعنا المرير، وهو أننا كنا مغيبين عن عقلية الرئيس، وأن استظراف البعض إنما كان تعرية لعقولهم الضامرة.


أدركت وقتها أن تصريحات الرئيس عميقة على بساطتها ووضوحها، وتحتاج إلى تفكُّر لفهمها، أو تَأنٍّ ليكشف الزمان واقعيتها؛ فهي تصريحات مستقبلية، وبمعنى أدقَّ تصريحات لبناء المستقبل؛ لذا لا يدركها العامة، ولا يرونها؛ لأنهم حبيسو جدران زمنهم وثقافتهم التراثية وبيئتهم.


أما تصريحات المسؤولين فهي مستفزة، وانتقلَت من مرحلة الشحن العصبي إلى الطرافة والتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لا تزال الإجابة شاردة عن السؤال: لماذا هذه التصريحات المثيرة لكل علامات التعجب؟ والأهم لماذا يشغلون أنفسهم أصلًا بالتصريحات؟


أذكر أن الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق ظل طوال عمله أبعد الناس عن الثقافة الصوتية إلا في حالات نادرة، حتى إن مصطفى حسين جعل من صومه عن الكلام مادة ثرية لكاريكاتيره.
نحن في أزمات يمر بها العالم أجمع.. القضية منتهية، لا تحتاج إلى تصريحات تصبح مادة للتندُّر والاستظراف من رواد السوشيال.
الرد هو دور الإعلام، ولكنه للأسف الشديد سطحي ومباشر، لا يجيد الخطاب الإعلامي المقنع منطقيًّا والمقبول نفسيًّا، وكثيرًا ما يناقض نفسه، ويتعامل على أن المشاهدين أطفال رُضَّع.
وهنا الأزمة الحقيقية.. في الأزمات لا بد من رجال لإدارتها ذوي مواصفات خاصة، يجيدون مخاطبة العامة، ولا يتعاملون بمنطق هو كده، ولا بالاستخفاف بعقول البشر.
كما تتطلب الأزمات رجالًا يديرونها بحنكة، ويديرون ظهورهم للميديا، ويزهدون في ظهورهم الإعلامي.
من طبيعة الإنسان أنه يَعمَى حال الوقاية، ويولول في المرض.. ومصر تجاوزت أزمات كثيرة، ومدَّت يدها لدول كنا نحسبها عظمى، فلم نشعر بهذه النعمة.. فقط شعرنا عندما وقعت أزمة، وهي ستمرُّ كغيرها، ولكن حتى تمرَّ سيكون هناك متسع من التصريحات والاستخفافات.


لماذا نعطي فرصة لكل من لا شأن له في أن يتندَّر علينا في مواقع جعلت كل من هبَّ ودبَّ يفتي ويُنظِّر ويتفزلك؟! اعملوا في صمت، ودعوا الكلام للقواعد، فهم في الأول والآخر قواعد، وهم في الحالين يملؤون فراغهم النفسي والذهني بالكلام. حضرات السادة المسئولين، لا تعكروا صفو المياه بكلامكم، وتعودوا تلومون مَن يصطاد في المياه العكرة.. أرجوكم أرجوكم أرجوكم.. دعوا القافلة تسير بلا ضجيج.

تابع مواقعنا