الشبكات الاجتماعية والرأي العام الإلكتروني.. الإيجابيات والمعوقات
ساهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في ظهور تطبيقات الجيل الثاني للويب، والتي من أهمها مواقع التواصل الاجتماعي أو الشبكات الاجتماعية. وتبدو أهمية الشبكات الاجتماعية للرأي العام الإلكتروني في أنها أتاحت لمستخدميها مجالًا عامًا افتراضيًّا يمكن من خلاله التعبير عن آرائهم المختلفة، ومخاطبة بعضهم بعضًا، والتعليق على الشأن العام، وممارسة الديموقراطية الافتراضية والمواطنة النشطة أو الفاعلة من خلال هذا المجال الاجتماعي الذي ينخرط فيه المشاركون لمناقشة القضايا المطروحة على الساحة، ويرحب هذا المجال بكل الأفكار والآراء والأيدولوجيات المختلفة من خلال الشمول أو التضمين العام، فكل المستخدمين لديهم فرص متساوية في المشاركة والتحاور وإنتاج المحتوى.
وقد أثبتت عدة دراسات، أن للشبكات الاجتماعية تفوقًا واضحًا في دفع الجمهور للاعتماد عليها في تكوين آرائهم واتجاهاتهم نحو القضايا المختلفة، أو تكوين ما يُعرف بالرأي العام الإلكتروني تجاه قضايا بعينها، وذلك نتيجة لتوافر عدة عوامل بتلك الوسائل من أهمها، سماح هذه الوسائل بحرية أكبر بكثير من الوسائل التقليدية، قدرة هذه الوسائل على تحقيق مشاركة الجمهور بفاعلية، توطيد هذه الشبكات لمفهوم المواطن العالمي حيث تسهم في تنمية عقول متفتحة على العالم بأكمله، فيستطيع الفرد أن يطّلع على الرأي العام الدولي ويستوعب كافة القضايا المطروحة ويكوّن رأيًا عنها. إضافة إلى ذلك، تعمل الشبكات الاجتماعية على تقليص احتمالات العزلة، حيث يصبح للفرد من خلال البيئة الافتراضية مزيد من الحرية في التعبير عن آرائه الإلكترونية حتى ولو كانت تصطدم مع آراء المجموعة، ورغم ما يواجهه من اضطهاد افتراضي إلا أنه يستمر في الدخول في الجدل والحوار كي يصل كل طرف إلى إثبات صحة وجهة نظره.
وفي إشارة إلى المقارنة بين الإعلام المرئي والمكتوب الكلاسيكي، وبين قدرته على صناعة الرأي العام وقدرة هذا النوع الإعلامي المستحدث عبر الإنترنت، يمكن القول إن هذا الإعلام الذي كان يسمى السلطة الرابعة، فقَدَ نسبيًا بريقه القديم المكتسب عبر التاريخ لمصلحة الشبكات الاجتماعية، ليس من باب التحيز أو لسبب آخر، لكن يكفي أن يكون الإعلام الكلاسيكي، من صحف وفضائيات مموّلًا وتحت رعاية أطراف معينة أو أحزاب وشخصيات بارزة أو دينية مهيمنة، أو حتى دول وتنظيمات يعمل لمصلحتها، يكفيه هذا حتى تتعداه وتغلبه إعلاميًا الشبكات الاجتماعية في عدم تبعيتها وتحررها من جملة هذه المعوقات والارتباطات.
ورغم تفوق الشبكات الاجتماعية على مثيلاتها في تكوين الرأي العام الإلكتروني وفقًا للعوامل المذكورة آنفًا، إلا أن هناك العديد من المعوقات التي تمنع وتعيق صناعة رأي عام إلكتروني حقيقي وفعال باستخدام الشبكات الاجتماعية يأتي في مقدمتها؛ أن استخدام الإنترنت بكافة تطبيقاتها وتقنياتها ما زال بعيد المنال في بعض المناطق من العالم، وخاصة بالنسبة لبعض الفئات التي نجدها تواجه صعوبات كعدم القدرة على امتلاك وسائلها، وعدم القدرة على التحكم فيها كتقنية نتيجة الأمية والجهل، وهذا يقصي جزءًا كبيرًا من أفراد المجتمع من المشاركة في الرأي العام.
على الجانب الآخر، فإن التخمة في المعلومات التي تسببها الشبكات الاجتماعية، يجعل من المستحيل التفرقة بين المعلومات الصحيحة والمعلومات المغلوطة، والمغرضة، كما أن كثرة العمليات الاتصالية والأصوات وتعدد الآراء يجعل من الصعب التفاعل معها، وبالتالي يعيق النقاش الجاد والهادف، خاصة في فترات الأزمات والأحداث والكوارث، ولهذا لا يمكن الاعتماد عليها في صناعة رأي عام إلكتروني فعال.
في ذات السياق، لا تستطيع الشبكات الاجتماعية وضع حلول عقلانية واقتراحات لتجاوز المشكلات التي تواجهها المجتمعات، لأنها عاطفية بطبيعتها وطبيعة تركيبة رسائلها التي تحاول تحقيق الانتشار فيها، باعتماد أساليب يغيب العقل فيها، كالمبالغة والإيحاء وجلب التعاطف.
فضلًا عن ذلك، تساعد الشبكات الاجتماعية على تضليل الرأي العام عن طريق توجيهه بشكل معين يخدم مصالح دول أو جماعات بعينها، بعيدًا عن الحقيقة، عن طريق استخدام مواد إعلامية مضللة وكاذبة، كاستخدام صور وفيدوهات مفبركة وغير واقعية للدلالة على أحداث معينة وهي لأحداث أخرى بهدف التضليل، بل أحيانًا يصل الأمر إلى خلق أحداث وأزمات وتطويرها بشكل معين خدمةً لأهداف بعينها.
إضافة إلى ما سبق، ورغم إعطاء الشبكات الاجتماعية الفرصة لقادة الرأي للبروز، إلا أنها مكّنت غير المؤهلين لكي يكونوا قادة رأي، وسمحت للمغمورين أن يتحكموا في المجال العام، بعيدًا عن وجود معايير لتحديد أحقيتهم في ذلك وقدرتهم عليه، وهذا ما جعلها فضاءات للثرثرة.
وأخيرًا.... لتجنب الآثار السلبية للشبكات الاجتماعية في تكوين الرأي العام الإلكتروني ولزيادة تأثيرها الإيجابي الفعال، علينا أن نركز كمجتمع على التربية الإعلامية كإستراتيجية وقائية لحماية الشباب والمجتمع من الأفكار الهدامة والمتطرفة والشائعات المغرضة، وتعليم النشء طرق الاستخدام الآمن لهذه الوسائط من خلال تدريبهم على طرق التأكد من الأخبار الكاذبة، وأساليب حماية خصوصياتهم، وفهم حقوقهم، وتوعيتهم بحجم مسؤولياتهم في حال قيامهم بعمليات النشر والمشاركة.