72 ساعة في العراق
مشاعر الحب والتقدير لمصر وقيادتها وشعبها هي العنوان الرئيسي في علاقات مصر والعراق، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، فهناك تاريخ طويل وجذور عميقة، وروابط وقواسم مشتركة كثيرة بين الدولتين والشعبين الشقيقين والعريقين أيضًا.
حديث العراقيين عن مصر ومواقف قيادتها السياسية يدعو إلى الفخر ويجسد قيمة ومكانة مصر لدى الأشقاء، فهي شراكات كثيرة بين القاهرة وبغداد وإسهامات كبيرة ومتنوعة، ومواقف مضيئة ومتبادلة، وإيمان قوي وراسخ أن البلدين أهم مرتكزات الأمة العربية.
الحقيقة، شرفت بالمشاركة في الوفد الإعلامي المصري الذي يزور بغداد حاليًا برئاسة الكاتب الصحفي كرم جبر رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والذي ضمّ الزملاء الأعزاء علاء ثابت رئيس تحرير الأهرام، وخالد ميري رئيس تحرير الأخبار، وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق وعضو مجلس الشيوخ، وأكرم القصاص رئيس تحرير اليوم السابع، وأحمد الخطيب رئيس تحرير الوطن، ومحمود المملوك رئيس تحرير موقع القاهرة 24، والإعلامي يوسف الحسيني عضو مجلس النواب، والإعلامي تامر حنفي بقناة القاهرة الإخبارية، لنجد حفاوة وترحابًا كبيرين يجسّد عمق العلاقات المصرية العراقية، في ظل الدعم الكامل والمساندة القوية التي تبديها القيادة السياسية المصرية للعراق الشقيق، واستعادته لدوره الإقليمي والعربي والاتجاه نحو التنمية لتحقيق آمال وتطلعات العراقيين.
الحقيقة، أن هناك مشاعر من الود والحب والتقدير والاهتمام التي تبديها الرئاسة العراقية على المستوى الرسمي، وأيضًا على المستوى الشعبي في ظل المواقف المصرية الداعمة لأمن واستقرار ورخاء العراق، وأيضًا ما يربط البلدين الشقيقين من روابط وأواصر وعلاقات تاريخية متجذرة، بالإضافة إلى القواسم المشتركة التي تجمع بين الشعبين.
في لقاء رئيس الوزراء العراقي، وأيضًا رئيس مجلس النواب مع الوفد الإعلامي المصري ومن خلال مضمون اللقاءين تجد اهتمامًا وتقديرًا عميقًا لمصر وقيادتها السياسية، فالرئيس السيسي يحظى بمكانة شديدة الخصوصية على المستويين الرسمي والشعبي في العراق، في ظل اهتمامه بالدولة الشقيقة وترسيخ الأمن والاستقرار فيها، وإعلانه مرارًا وتكرارًا الدعم الكامل للعراق الشقيق حتى يعود لدوره العربي والإقليمي.
نستطيع أن نخرج بالكثير من النقاط المهمة خلال لقاءَيْ رئيسي الوزراء والبرلمان العراقي بالوفد الإعلامي المصري سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر واحترام دورها ومكانتها ودعمها، أو فيما يتعلق بسياسات العراق داخليًّا وخارجيًّا والرؤية الجديدة التي سيتم فيها بناء العراق الجديد، في ظل الكثير من الدروس المستفادة من معاناة الدولة والشعب العراقي على مدار العقود الثلاثة الماضية، سواء لسبب غياب الأمن والاستقرار والإرهاب، أو الصراعات والحروب طويلة الأمد، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية في شئون العراق، وهو ما عانى منه العراقيون كثيرًا، لكنّ هناك خبرات وتجارب ودروسًا مستفادة تدفع إلى العراق الواحد والجديد، وهذه النقاط كالتالي:
أولًا: هناك احترام وتقدير كبيران لمصر ودورها في دعم مسيرة العراق وتقدير عميق للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحظى بمكانة خاصة لدى العراق وشعبه الشقيق بسبب الجهود المؤازرة والمساندة والداعمة لأمن واستقرار وازدهار العراق وعودته لدوره العربي والإقليمي.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قال إن الرئيس السيسي قائد عظيم ومخلص يتمتع بجدية وصدق غير عادي في العمل والإنجاز، ويقود مصر بحكمة إلى تحقيق نجاحات واضحة للجميع، بالإضافة إلى قوة مصر على الصعيدين العربي والإقليمي والدولي وهي قوة للعرب، والرئيس السيسي شديد الاهتمام والإخلاص لقضايا أمته العربية، وفي القلب منها العراق، وهذا ما يلمسه الجميع هنا في العراق على المستويين الرسمي والشعبي.
رئيس الوزراء العراقي أشاد بتجربة مصر التنموية، وأن العراق شديد الاهتمام بهذه التجربة الملهمة، وحريصون ولدينا الإرادة السياسية الكاملة للتعاون مع مصر وإحداث التكامل سواء على المستوى الثنائي أو على صعيد آلية التعاون الثلاثية بين مصر والعراق والأردن.
الحقيقة، أن الجانب العراقي سواء رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان، يبديان اهتمامًا كبيرًا بموقف مصر الدائم، وأن مصر والعراق هما قوة كبيرة للأمة العربية، لديهما قواسم وروابط مشتركة وعلاقات تاريخية حافلة بالعطاء المتبادل وأيضًا لديهما إسهامات كبيرة ومتنوعة، وهناك إيمان بصدق الرئيس السيسي ورغبته في عودة العراق، ويكنّ لنا ونكنّ له كل التقدير والحب والاحترام، ولديه منهج فريد في العمل بالالتزام بتوقيتات ومواعيد انتهاء المشروعات، وجدية ومتابعة تدفع إلى النجاح الكبير، وهو ما يتجسد في الإنجازات المصرية خلال السنوات الماضية في كافة المجالات.
ثانيًا: هناك إرادة سياسية وشعبية لدى العراق لبناء العراق الجديد والواحد، خاصة وأن من أهم الدروس التي استفادتها العراق من الإرهاب هو توحيد الصف العراقي تحت الهوية الوطنية، فالبعض حاول استغلال خصوصية العراق في التنوع من ديانات وأعراق وطوائف ومذهبية لكنها تحولت إلى نقطة قوة بسبب إدراك العراقيين خطورة الانقسام، فقد حاولت قوى الظلام ضرب حالة الوحدة العراقية وتمزيق النسيج الوطني، وواجه الشعب أيضًا محاولات لبث الإحباط بالترويج إلى أن العراق انتهت، لكن هناك إجماع على أهمية ترسيخ الأمن والاستقرار، والوحدة وبناء العراق الجديد والواحد لأبنائه، وأيضًا الاهتمام بتعويض العراقيين عن سنوات المعاناة من خلال رؤية شاملة ومتكاملة للتنمية.
ثالثًا: هناك مجالات كثيرة للتعاون بين مصر والعراق خاصة في مجالات الطاقة خاصة البترول والربط الكهربائي والإسكان، فالعراق على حد قول رئيس الوزراء يحتاج 3 ملايين وحدة سكنية وبناء مدن جديدة سكنية وصناعية؛ لذلك فإن التجربة المصرية كما يرون تستطيع مساعدة العراق في تقديم الخبرات ومساهمة الشركات المصرية كذلك في مجال تجارة الترانزيت والزراعة والصناعة.
رابعًا: الأوضاع على صعيد الأمن والاستقرار تتحسن بشكل ملحوظ، فالشارع العراقي يعيش حياة طبيعية وتستطيع أن تتجول براحة لتجد المواطنين في المطاعم والكافتيريات والمولات والأندية، والجميل في الأمر أنك تستمع في المطاعم العراقية إلى أم كلثوم وهي تصدح بأعذب الكلمات، فالعراقيون متأثرون بالغناء والفنون المصرية إلى حد كبير وأم كلثوم صاحبة أغنية بغداد يا مدينة الأسود، وللعراق أيضًا رصيد حضاري وثقافي في مجال الأدب والشعر والموسيقى، وصاحب حضارة عظيمة أيضًا، فالدولتان الشقيقتان صاحبتا أعظم الحضارات التي علّمت العالم.
حركة البناء في العراق ملحوظة سواء المدن السكنية أو المولات أو الشوارع، وتطوير الخدمات والارتقاء بالاقتصاد، هناك إقبال على الحياة والعمل والبناء لدى العراقيين بالإضافة إلى تطوير وإنشاء المستشفيات الجديدة والمدارس.
خامسًا: الرؤية الاقتصادية للعراق أو خطة التنمية ترتكز في الأساس على تطوير الاقتصاد والخدمات، وتشجيع القطاع الخاص، فلا يمكن للعراق الاعتماد على النفط فقط خاصة في ظل عضويتها في منظومة أوبك، وهناك رؤية لتعظيم الموارد والثروات العراقية والاستغلال الأمثل لها، مثل العودة من جديد لتكون العراق مصدرًا للبتروكيماويات والأسمدة؛ لأنه من المهم تشجيع الصناعة وتطوير الموانئ العراقية، وتشجيع الاستثمار الخارجي لإيجاد فرص عمل للشباب، وأيضًا الاهتمام بالزراعة وتقليل الاعتماد على الخارج من خلال خفض الاستيراد وتحقيق الاكتفاء والتصدير، ورفع مستوى معيشة العراقيين.
سادسًا: حديث رئيسي الوزراء والبرلمان العراقيين لا يخلو من استعراض سياسات العراق مع محيطها العربي والإقليمي ودول الجوار، وكما يقولون إنهم استفادوا من دروس الإرهاب، فقد استفادوا أيضًا من تجارب الماضي، فهم حريصون على إرساء قواعد علاقات الشراكة والمصالح المشتركة وحسن الجوار، وتبني سياسات متوازنة ومعتدلة مع الجميع، ومد جسور العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء.
فالعراق حريصة على الانشغال بقضايا أمتها العربية، وتسعى إلى تحقيق التكامل وفق أطر اقتصادية ومصالح مشتركة.
العراق استفاد من تجارب الماضي يسعى لبناء علاقات طيبة وقوية مع دول الجوار ودول الإقليم والمنطقة، والانفتاح على الأشقاء والأصدقاء، لا يتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة، ويريد ألا يتدخل الآخرون في شئون واحترام سيادته من أجل التفرغ للبناء وإعادة الاعمار ومواجهة التحديات التي تراكمت على مدار الـ 20 عامًا الأخيرة، فهي دولة تمتلك الموارد والإمكانيات، وفي ظل حالة الاصطفاف العراقي والدروس المستفادة من الماضي التي أدت إلى بناء قناعات هو الابتعاد عن الطائفية والمذهبية والاختلاف الديني، وتوصلوا إلى حقيقة مهمة أن التنوع يشكل طاقة إيجابية لكن من المهم حسن إدارة هذا التنوع وتحويله إلى قيمة مضافة، لإعلاء شأن العراق وترسيخ مبادئ المواطنة والتسامح والتعايش وقبول الآخر بدلًا من النزاعات والصراعات الطائفية والمذهبية، وهذا ما قاله رئيس الوزراء العراقي ورئيس مجلس النواب ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم: إن الأزمات والمعاناة والإرهاب وحّدت العراقيين ورسّخت مفاهيم جديدة لم تكن موجودة عقب الفراغ السياسي بعد 2003 عندما سقط النظام، وكثرت التدخلات وزادت الهواجس والمخاوف وتزايدت أعداد الأحزاب، وزادت حدة الاختلاف، لكن المشهد السياسي أصبح الآن أكثر استقرارًا في إطار نظام برلماني له سلبياته المتمثلة في صعوبة القرار أحيانًا وإيجابياته في إحداث الطمأنة وإزالة المخاوف من تجارب الماضي، لكن الجميع من أبناء الشعب في حالة فهم وتفهم للحالة العراقية.
لقاءات الوفد الإعلامي المصري مع كبار المسئولين العراقيين وبعض النخب العراقية سواء من نقابة الصحفيين أو الهيئات الإعلامية، أكدت أن العراق وشعبه راغب ولديه الإرادة على مواصلة طريق الوحدة والبناء والتنمية وتطوير الاقتصاد والخدمات وتعزيز العمل العربي المشترك وإحداث التكامل الاقتصادي العربي الذي طال انتظاره وعلى حد قول رئيس الوزراء العراقي: إن العراق لديه إرادة على خلق تكامل اقتصادي مع الأشقاء العرب، وهناك إرادة ورغبة حقيقية لتطوير وزيادة التبادل التجاري مع مصر لأنه لا يتسق مع علاقات البلدين بالإضافة إلى تعزيز التعاون في العديد من المجالات مع القاهرة، وهناك مشروعات كبيرة قيد الدراسة سوف تحدث دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين.
العراق أيضًا يبدي اهتمامًا كبيرًا بالقضايا والأزمات العربية سواء قضية العرب التاريخية القضية الفلسطينية، أو إيجاد حلول سياسية للأزمات في سوريا وليبيا واليمن، محور الإعلام لم يكن غائبًا عن لقاءات الوفد المصري بكبار المسئولين العراقيين، فهناك اهتمام كبير بتعزيز التعاون الإعلامي بين البلدين لبناء جسور أكثر من التقارب والتعاون وعرض الفرص الهائلة في البلدين والتعريف أكثر بمجالات التعاون التي يمكن فيها تبادل الخبرات والمصالح والمنافع بين البلدين ويستطيع الإعلام أيضًا طبقًا لمعطيات الحاضر ووجود إرادة التعاون أن يدعم القواسم والروابط المشتركة واستغلال القوى الناعمة بين البلدين سواء الفن والثقافة المصرية، فما زال العراقيون مفتونين بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ويتابعون نجوم الغناء المصري الموجودين على الساحة الآن ويتابعون أعمالهم، ويعشقون نجوم السينما والتمثيل من المصريين كما أن العراق له رصيد كبير في الثقافة العربية وقدم رموزًا عظيمة على مدار التاريخ سواء فى الشعر والأدب والموسيقى، ولذلك فإن هذه المشتركات يمكن البناء عليها في الكثير من المجالات بالتعاون لكن يظل الإعلام طبقًا لنقاشات الجميع هو حجر الزاوية في التقريب والتعريف بما لدى البلدين الشقيقين من فرص، بالإضافة إلى مجالات للتعاون، الحقيقة أن الواقع العراقي تغيّر تمامًا أصبح أكثر استيعابًا واستفادة من معاناة وظروف وأزمات السنوات الماضية، وبات على يقين وأكثر قناعة بأنه لا سبيل لبناء العراق الجديد إلا بوحدة أبنائه، وتحقيق التسامح والتعايش وقبول الآخر، والابتعاد عن الطائفية والمذهبية والتأكيد على المواطنة، وأيضًا أصبحوا أكثر إصرارًا على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، بالإضافة إلى الانفتاح ببناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع أشقائهم العرب وجيران العراق ودول المنطقة.
الحقيقة أن الوفد المصري تجول تقريبًا في جميع أنحاء بغداد ولمس حالة الاستقرار التي تراها في وجه المواطن العراقي وطريقة حياته؛ فالحياة في بغداد تسير بشكل طبيعي، وهناك ارتياح في الشارع العراقي انعكس على المطاعم والكافتيريات والكافيهات والمولات التي تعمل حتى أوقات متأخرة من الليل وبشكل طبيعي، ونفس الحالة في البصرة التي قضينا فيها بضع ساعات، حيث حضرنا افتتاح ستاد الميناء الجديد ومباراة كرة القدم بين فريقي الميناء والقادسية الكويتي بمناسبة الافتتاح واستعدادًا لاستضافة مدينة البصرة لبطولة خليجي 25 بمشاركة دول الخليج وهذا في حد ذاته يعكس نجاحًا كبيرًا في تحقيق التحسن الملحوظ في الأمن والاستقرار.