خيري بشارة: لم أكن من محبي عمرو دياب والأبنودي رفض شيريهان في الطوق والأسورة.. والعوامة 70 مأزق بمشواري الفني | حوار
"التفكير خارج الصندوق".. أسلوب اتخذه المخرج خيري بشارة في حياته وحرص على تنفيذه بمشواره الفني، واستحدث الكاميرات الديجيتال بالدراما والسينما المصرية، كما اكتشف العديد من النجوم وأسند لهم أدوار البطولة ببداية مشوارهم، منهم الفنان عمرو دياب ومحمد فؤاد، واستخدم خبراته وثقلها بالمشاركة في لجان العديد من المهرجانات السينمائية، وآخرهم مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط.
وأجرى القاهرة 24 حوارًا مع المخرج خيري بشارة عن كواليس عدد من أعماله ذات العلامات الفارقة في السينما المصرية، وتفاصيل في حياته الشخصية، خلال السطور الآتية:
هل حقا واجهت العديد من المشاكل مع الرقابة والمصنفات الفنية؟
لا، لم تكن مشاكلي عديدة مع الرقابة طوال تاريخي، ما عدا فيلم أمريكا شيكا بيكا، ونادرًا ما قاموا بحذف مشاهد لي، وأعتبر أنها ليست معايير ولكنها أذواق شخصية؛ لأن المعايير نسبية، ولعلي تعرضت لتلك المعايير في عدد من مسلسلاتي وليس بجميع أعمالي، أما عن فيلم أمريكا شيكا بيكا، فكان عليه ملحوظات رقابية عديدة، وأغلبها كان انتقاما مني، فالرقيب حينها حاول الانتقام مني، حيث سبق وقدمت فيلمًا آخر للرقابة، وقاموا بوضع ملحوظات رقابية فلم يرى النور، وحينما سألته عن السبب، أجاب بردود غير مُقنعة، فاتخذت رد فعل لم يعجبه، وعندما كان هناك ملحوظات على فيلم شيكا بيكا، قالي: كفاية عليك 5 أغاني، وذلك الأمر ليس من حقه، طلاما الأغاني تتماشى مع سياق الفيلم، وكانت ضمن الأغاني المرفوضة هي أغنية شيكا بيكا، واعتبرها إساءة لدولة صديقة، وعندما عُرض الفيلم بأمريكا رقص عليها الأمريكان ولم يستاء أحدهم وكان هناك ترجمة للأغنية أسفل الفيلم كي يفهموا معناها.
وأتذكر عندما انتهيت من فيلم شيكا بيكا، طلب الأمريكان عرض الفيلم هناك، فاشترط عليهم ألا أذهب للسفارة للحصول على فيزا، وأن تأتي الفيزا إلى منزلي، وكان ذلك الأمر صعبًا حينها، وبالفعل نفذوا طلبي، وأعتبر الفيلم صورة مخففة لمعاناة المصريين المحاولين السفر إلى أمريكا عن طريق دول أخرة في أوروبا، فهناك مواطنون تيبست أيديهم وتجمدت من شدة البرودة، وهناك حقائق لم أرد ذكرها بالفيلم.
لمَ اخترت محمد فؤاد لبطولة أمريكا شيكا بيكا؟
ذات يوم كنت في جامعة الدولة العربية، أتناول الطعام وأُفكر في بطل فيلم أمريكا شيكا بيكا، وتفاجأت بشخص يقول لي مازحًا: ما أنا بردو زي عمرو دياب، فاتصلت بعدها على الفور بالمنتج محمد العدل وطلبت منه الحضور بسرعة، وحينها أعتقد ذلك الطلب لوقوعي في مشكلة ما، ولكن فهم الأمر عندما رأى محمد فؤاد معي، وأخبرته بأن فؤاد هو بطل الفيلم الجديد وسيقوم بدور المنسي، فالصدفة هي التي قادتني للاختيار، وكان المُرشح الأول للفيلم هو الفنان أحمد زكي ولكنه لم ير نفسه بذلك الفيلم، وعرضت عليه ذلك الفيلم بدافع الوفاء وإيماني بموهبته والأولوية في اختياراتي بعد نجاحنا في أكثر من فيلم.
وكيف قادتك الصدفة لاختيار عمرو دياب لبطولة آيس كريم في جليم؟
حينها كنت أبحث عن الوجه الأمثل بالنسبة لي والملائم للفيلم، فهو الوجه الأمثل بالنسبة لي وليس في العموم، وكان هدفي هو البحث عن مغني يحبه الجمهور، وحينها لم أكن من مستمعي أو معجبي عمرو دياب، وتساءلت عن أكثر مغني تحبونه؟ وأجاب لي الشباب وأجمعوا على عمرو دياب، فقمت باختياره، وكان هو أنسب اختيار، جميع اختياراتي خارج الصندوق وذلك الأمر ليس في السينما فقط، بل في حياتي بشكل عام.
هل فكرت في الهجرة من مصر من قبل؟
في سنة 73، ذهبت في رحلة من مصر لأوروبا، وقررت عدم عودتي لمصر مرة أخرى، وأن أعمل وأعيش بالخارج، وحينها كنت متزوج من بولندية، وأخبرتها بذلك الأمر، ورفضت أن تذهب معي، وقالت لي: لا أريد أن أسافر وسأعيش مع والدتك في شبرا وإذا رأيت ذاتك مُتحققة سآتي إليك، وكانت تجربة قاسية، وقمت بشراء تذكرة لبيروت دون عودة ومن بيروت إلى سوريا وتركيا وبلغاريا حتى وصولي إلى بولندا، ولم يكن معي تكاليف تذاكر العودة على الإطلاق، وعندما كُنت أصور في أحد الحدائق بفيلم أمريكا شيكا بيكا، أدمعت عيني وتذكرت جلوسي في أحد الحدائق برومانيا لأكثر من 10 ساعات ولم يكن معي أموال حتى للحصول على أكل، وتأمُلي في شبابيك المباني ولم يكن لديّ حتى طاقة لأسير في الشوارع؛ لأنني لم آكل، وكانت تجربة خاصة وصعبة للغاية.
ماذا عن علاقة الأب خيري بشارة مع أبنائه؟
نحن أصدقاء، وقمت بتربيتهم تربية منفتحة قائمة على الحرية، فالتربية الحرة تخلق أولادًا لديهم أخلاق واستحياء وأكثر أدبًا، بالإضافة إلى خلف جيل أكثر سلامًا من جانب الصحة النفسية، وأتذكر في يوم ما، كانت ابنتي طفلة، وكنت أُشاهد أحد الأفلام لأتابع السوق بحكم مهنتي، وكان بها بعض المشاهد التي يعتبرها الجمهور العربي خارجة، وجاءت ابنتي تشاهد معي التلفاز، لم أقم بإغلاقه ولم أقم بزجرها على الإطلاق، فقط قامت بالنظر إليّ وإلى التلفاز في لحظات متتابعة، وقررت المغادرة من تلقاء نفسها واستحت، ودائمًا أقول ربوا أولادكم بدون رقابة صارمة ولا يوجد بها زجر أو منع أو تخويف؛ لأن تلك العناصر تخلق جيلًا بلا هوية وبلا شخصية، وكل ما هو ممنوع يصبح مرغوبا.
ما هي أصعب فترة بحياتك؟
هناك أشياء لا أستطيع التحدث عنها لأنها شخصية، كما أنني شخص مقاوم ولدي قدرة على العبور من أزماتي وإنقاذ نفسي، ولكني أتذكر فيلم العوامة 70، تلقيت حينها ردود أفعال أحبطتني بشكل كبير، وذهبت إلى الإسكندرية لحذف بعض المشاهد حتى يتقبل الجمهور، فتمارضت عندما رأيت صرصورًا بالغرفة، وأخبرت المنتج أنني أموت وطلبت الذهاب لطبيب، واقتحمت العيادة وطلبت من الطبيب أن يعطيني دواء للذبحة الصدرية، وبالطبع أعطاني دواءً ولكن لم يكن للذبحة، وكان ذلك هروبًا من الموقف حتى لا أحذف أي مشهد من الفيلم، وكانت تلك الفترة صعبة جدًا في حياتي، حيث إنها كانت في بداية عملي وبدايات التحقق لدي، ودائمًا بدايات التحقق لدى الشباب تكون صعبة، ومر بها نجلي، حيث إنه قبل أن يصبح أستاذًا ورئيس قسمًا في أمريكا، واجه بعض الصعوبات أثناء تحضير الدكتوراه في علم النفس، حيث أنه أثناء التحضير فوجئ بقرار أحد أعضاء لجنة التحكيم وهي فتاة تركية الأصل اتخذت قرارًا بإيقافها، ومر بفترة اكتئاب، ونصحته حينها بالتحلي بالهدوء، ولكن قرر عضو آخر باللجنة عودة الدكتوراة واستئناف نجلي بالتحضيرات، وفي نهاية المطاف حصل على الدكتوراه بامتياز وقام بتحويل رسالة الدكتوراه لكتاب.
فيلم حرب الفراولة لم يحقق إيرادات مرتفعة.. كيف تتعامل مع الإيرادات؟ وهل تعتبرها عنصرا أساسيا في نجاح الفيلم؟
يهمني وصول الفيلم للجمهور في المقام الأول، ولدي فيلمان لم ينجحا نجاحًا جماهيريًا، وهما: حرب الفراولة وإشارة مرور، وتألمت لذلك الشيء، لا أستطيع أن أسعد لعرض فيلم أمام نخبة فقط من الجمهور مكونين من 100 أفراد، ولمست النجاح في فيلم كابوريا فمع أولى أيام عرضه سمعت الجمهور أثناء خروجه من السينمات يغنون “أنا في اللابوريا”.
وما أصعب المواقف التي واجهتك أثناء التصوير؟
أتذكر في فيلم قشر البندق صعبت عليّ نفسي وصعب عليّ الممثلين؛ لأن أحدهم أخبرني أن الصالة المغطاة التي نقوم بالتصوير داخلها، يجب علينا تركها في يوم معين لحجزها لحدث هام، فأصبح أمامنا أيام معدودة للانتهاء من تصوير تلك المشاهد بالصالة، فما كان علينا سوى عدم النوم، لدرجة أن الممثلين كانوا يبدلون الوردية، ينام هنيدي ويستيقظ علاء ولي الدين وعبلة كاملة يصورون والعكس صحيح، وبعد الانتهاء من التصوير بعد يومين أو ثلاثة أيام، عُدت إلى منزلي ومصاب بحمى شديدة وأهلوس، حتى أن الفنان ماجد المصري اصطحبني إلى المنزل وساعدني في الصعود إليه، وأعتبر فيلم قشر البندق من الأفلام المحببة إلى قلبي.
كان هناك تحد كبير أثناء عملك مع شيريهان في فيلم الطوق والأسورة خاصةً بعد عملها في المسرح والفوازير.. حدثنا عن تفاصيل ذلك التحدي؟
وقع خلاف بيني وبين عبد الرحمن الأبنودي والمنتج، حيث إنهم رفضوا وجود شيريهان، ورأوا استحالة تقمصها الدور، بعد إتقانها الأدوار في المسرح والفوازير، ولكن أصريت على وجودها، وكانت من أجمل تجارب حياتي، وفيما بعد تصالحت مع عبد الرحمن الأبنودي.
عملت أيضًا مع الفنانة فاتن حمامة بفيلم يوم حلو ويوم مر.. هل كانت تتدخل في شئون العمل كما كان يقال؟
بالعكس، كانت فاتن حمامة بالنسبة لي أسهل مما أتوقع، فهي تتلقى التعليمات بكل يسر، ولا تتدخل في عملي، وكنت حينها أيضًا يتردد على مسامعي تلك الكلمات، وفي يوم توجهت لها وسألتها عن سبب تردد في الوسط تدخلها في الأعمال، وإذ بها تقول لي: لو حد مش فاهم شغله لازم أنقذ نفسي وأتدخل، وأتفق معها بوجهة نظرها، ونشأ بيننا كيمياء واحترام متبادل في ذلك الفيلم، وكنت أناديها باسم الشخصية “عيشة” أو “تونة” اسم دلعها.
هل تجاربك في التمثيل.. صدفةً أم مجاملة؟
في بداية مشواري، أردت أن أكون ممثلًا، وأردت الالتحاق بمعهد فنون مسرحية وتحديدًا بقسم تمثيل، وسألني أحدهم: عايز تبقى في المقدمة ولا كومبارس؟، وجرى بيننا نقاش وتوجهت لغرفتي وبكيت، وعندما خرجت من المنزل، توجهت إلى سور الأزبكية واقتنيت كتاب فن الفيلم مترجم من صلاح التهامي، وكان أسلوبه سلسا جدًا، وفهمت مهام المخرج وأحببت ذلك العمل، وقررت أن أكون مخرجًا حتى أصبح ممثلًا، وفيما بعد أدركت أنني لست ممثلًا بالقدر الكافي وخُضت التجربة من باب إرضاء طموحاتي القديمة.
ما رأيك بإطلاق الألقاب على الفنانين أو المخرجين؟
لا يوجد شيء يدعى الأفضل أو الأحسن، ولا أقتنع بتلك الألقاب، فكل فنان أو مخرج له مذاقه الخاص.
وما أغرب التعليقات التي تلقيتها مؤخرًا؟
بعد عرض فيلم الحداد الوطني للمكسيك قالت لي فتاة: هذا الفيلم ليس مثل الأفلام القديمة، استفزتني المقارنة، فالمقارنة غريبة جدًا، سأتقبل تعليقها إذا قالت: لم أحب الفيلم، ولكن لا تقارن.
كيف ترى تجاربك الدرامية حاليًا؟
هناك محاولة لتقليص دوري في الدراما، ولا أستطيع أن أفهم المغزى وراء ذلك الأمر، ولكني عملت مسلسل مسألة مبدأ وكان مختلفًا عما كان متصدرًا بالساحة حينها، وهناك أعمال تمردت بها على الطرق التقليدية للتصوير، ففي مسلسل ريش نعام، قمت باستخدام كاميرا 5d لأول مرة في مصر.
هل راودتك فكرة الاعتزال من قبل؟
لا، فأنا محظوظ بأعمالي كثيرًا، وأحمد الله، أنني حتى تلك اللحظة يُعرض عليّ أعمال وأقوم برفضها، وأتمنى أن أموت واقفًا، ولآخر لحظة في حياتي سأُعافر وأُصر على مواصلة الحياة بمبادئي، حتى وصول لحظة العجز التي ستفرض نفسها عليّ.
انتشر مؤخرًا مصطلح السينما النظيفة.. ما رأيك بذلك المصطلح؟
السينما ليست وظيفتها الإدانة الأخلاقية، فذلك دور المسجد والكنيسة والمدرسة، السينما ليست منبرا، فهي تقدم الواقع والمُشاهد يأخذ موقفًا، وكل الأفلام التي قدمت ما يُسمى برسالة أخلاقية، هي أفلام فاشلة، لا يُعتد بها في تاريخ السينما المصرية والعالمية، فمصطلح السينما النظيفة أكذوبة.
كيف ترى اختلاف السينما التسجيلية الوثائقية عن الروائية؟
لفترة زمنية طويلة لم أستطع التفرقة بين ثلاثة أشياء، وهم الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي والواقع، وأرى أنهم متداخلين بشكل قوي لديّ وعندما أُخرج أي عمل منهم، أعمل بنفس الروح، فأنا أعيش الواقع كما لو كان فيلم، وأعيش الفيلم كما لو كان واقع، وحاليًا أرى ذلك الحوار فيلمًا.
وماذا عن رأيك في مصطلح فيلم مهرجانات وفيلم تجاري؟
غير مقتنع بتلك المصطلحات على الإطلاق، لا يوجد عاقل يقول سأصنع فيلم مهرجانات، مستحيلة، معظم الناس الذين يضعون ذلك الهدف أمامهم لم يشاركوا في مهرجانات؛ لأن المهرجانات الفنية لديها جانب تسويقي أيضًا، وهؤلاء الناس لديهم مفاهيم خاطئة.
ماذا عن جديدك في الفترة المقبلة؟
تعاقدت مع دار الشروق على رواية جديدة، وسوف أحولها لفيلم سينمائي، عن بطل صيني، يأتي إلى مصر عام 1937، ويموت عام 1994، وهي رواية ملحمية بين الصين ومصر، وغنية بتفاصيل جديدة وأصداء الأحداث التي وقعت في تلك الفترة.