توصيات مؤتمر رؤساء المحاكم الدستورية: تفعيل الضمانات القانونية لتوفير حماية القضاة
انتهى، منذ قليل، مؤتمر إعلان اجتماع القاهرة السادس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية، والمحاكم العليا، والمجالس الدستورية الإفريقية والذي انعقد في القاهرة بمجموعة من التوصيات أبرزها تفعيل الضمانات القانونية لتوفير الحماية اللازمة للقضاة في سائر الأنظمة الدستورية، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها كأحد الدعائم الرئيسية لضمان استقلال القضاء، والعمل على كفالة الحقوق الدستورية للمواطنين.
اجتماع القاهرة السادس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية الأفريقية
وجاء في توصيات اجتماع القاهرة السادس رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية، والمحاكم العليا، والمجالس الدستورية الإفريقية: نحن رؤساء المحاكم الدستورية، والمحاكم العليا، والمجالس الدستورية الإفريقية، وكبار قضاتها، اجتمعنا من أربعين دولة إفريقية، اجتماعنا الدوري في القاهرة خلال الفترة من 10 – 12 من سبتمبر سنة 2022، لحضور اجتماع القاهرة السادس رفيع المستوى الذي نظمته المحكمة الدستورية العليا في مصر بالقاهرة، برعاية رئيس جمهورية مصر العربية.
وإذ كان هذا الاجتماع ينعقد في ظرف تاريخي شديد الحساسية، وقد اندلعت الحرب بين دولتين في قارة أوروبا، وإدراكا لخطورة آثار هذه الحرب على الاقتصاديات الإفريقية وما ترتبه من تبعات سلبية، تمثلت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط الخام، فإن ذلك مما ينعكس سلبا على اقتصاديات العالم أجمع وينذر بالدخول إلى مرحلة الكساد العالمي الكبير.
وإزاء هذه التداعيات المختلفة، كانت الحاجة الماسة إلى التنمية في شتى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، في الدول الإفريقية للخروج من هذه الأزمة العالمية، التي فرضت تداعياتها علينا جميعا أسوا الآثار السلبية. وبعد استعراضنا للتحديات العالمية المستجدة التي تواجهها الأنظمة القضائية عبر إفريقيا، وتأكيدا على أهمية الحماية القضائية لحقوق الإنسان والحريات، وإصرارا على ضرورة التمسك بمبادئ المهنية ونزاهة الأحكام القضائية في أي نظام قضائي، أخذا في الاعتبار الجوانب المختلفة للتسبيب القضائي، والأساس المنطقي وراء المستويات المختلفة لشفافية الأداء القضائي.
وإقرارا منا على أن أنظمة العدالة الفاعلة، محل الثقة في بلادنا، والتي تفسر القانون وتطبقه بحيادية واحترافية، وبلا تأخير مفرط، هي ضرورة لحماية حقوق مواطنيها وحسن إدارة مجتمعاتنا. وانطلاقا من مسئوليتنا القانونية والأخلاقية، نحن قضاة المحاكم الدستورية والمحاكم العليا، والمجالس الدستورية الإفريقية كان اجتماعنا هذا للتباحث بشأن دور الرقابة الدستورية في تنمية الشعوب الإفريقية.
وإيمانا منا بأن السلام الاجتماعي هو الأساس الذي تنهض عليه تنمية شعوبنا، وأنه يقوم على ركيزة أساسية، تضمن تحقيق المساواة بين سائر المواطنين، لتكون المواطنة بما تحمله من الإقرار بتساوي للحقوق والواجبات بين أطياف المجتمع ومكوناته هي الدعامة الدستورية التي ترسخ له، وتوطد أركانه، فكان الحق في المواطنة هو موضوع جلستنا الأولى. واستنادا إلى حقيقة مؤداها أن الهجرة باتت ظاهرة طبيعية في شتى دول العالم لاعتبارات مختلفة، وأن الأزمات السياسية والاقتصادية في العالم أجمع قد زادت من نطاق هذه الهجرات وعمقت ظاهرة اللجوء لأسباب سياسية واقتصادية. وإيمانا منا أن السلام الاجتماعي لن يتحقق إلا إذا تحددت المراكز القانونية والدستورية للمهاجرين واللاجئين.
وإدراكا منا لأهمية التنمية المتطلع اليها، التي لا تقوم الا على استقرار السلم والأمن الدوليين بين جميع دول العالم، وهو الأمر الذي طرح موضوع الضمانات الدستورية المقررة لتنمية الموارد الطبيعية المشتركة، والتنظيم الدولي لاستغلالها، بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين.
وتسليما منا بأن تنمية الشعوب الإفريقية قوامه، احترام الخصوصية الثقافية للمجتمعات الإفريقية، والعمل على الاستقرار الاجتماعي في سائر دولها، ومن ثم كان اجتماعنا لبحث دور الرقابة الدستورية في رسم الحدود الفاصلة بين المحافظة على الخصوصية الثقافية لكل مجتمع من مجتمعاتنا، والانفتاح على القيم الثقافية العالمية، بما لا يتعارض مع الخصوصية الثقافية لكل دولة على حدة. وإقرارا منا أيضا، بأن التنمية في شتى المجالات لا تكتمل حلقاتها إلا بتوطيد دعائم العدالة الاجتماعية بحسبانها وقود التنمية الاقتصادية. وتأكيدا منا أيضا، على أن التدريب في مجال العلوم الدستورية، أحد أهم تحديات العمل في المجال الدستوري بما يطرح علينا البحث في انجع الوسائل، التي تضمن دوام التواصل بيننا للاستفادة من خبرات الدول الأعضاء.
قررنا: تفعيل الضمانات القانونية لتوفير الحماية اللازمة للقضاة في سائر الأنظمة الدستورية، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها كأحد الدعائم الرئيسية لضمان استقلال القضاء، والعمل على كفالة الحقوق الدستورية للمواطنين جميعا دون اعتبار لاختلاف الدين أو العرق أو الراي السياسي أو أي اعتبار آخر، والتأكيد على حق المواطنين جميعهم في شغل الوظائف العامة على قدم المساواة، والدعوة لالتزام الدول الأعضاء بالعمل على انفاذ الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الأجانب، وتشجيع الجهود الرامية لدمج اللاجئين في سوق العمل، وتوفير الفرص المناسبة واللاجئين، لتأهيلهم لحياة كريمة، وتثمين مبادرات الدول الأطراف بإبرام الاتفاقات الثنائية لإقرار المزيد من الحقوق 8. دعم الجهود الرامية لحلول تفاوضية عادلة بشأن تنظيم استغلال الثروات الطبيعي للاجئين والمهاجرين والدعوة لاعتبار حماية البيئة حق دستوري أصيل، والعمل على حمايتها من التلوث والتدهور، وتبنى مفهوم "العدالة البيئية" في البلدان الأفريقية، ودعم القضاة الأفارقة في تنفيذه، حماية للموارد الطبيعية في تلك البلدان والتعاون فيما بينها في هذا الشأن.
وكذلك اتخاذ المزيد من الإجراءات لضمان احترام الهوية الثقافية الإفريقية، وإقرار حق كل مجتمع في التمسك بالقيم الأخلاقية التي تقرها الجماعة الوطنية والتسليم باحترام المجتمعات الإفريقية لحق كل مكون في الاعتراف بلغته وكفالة تمثيلهم الاجتماعي المناسب في كافة المجالات السياسية والاجتماعية، والدعوة لضمان نظام قانوني، يتبنى إرساء قواعد العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، والتأكيد على كفالة الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية لكل أفراد المجتمع كمطلب أولي لتحقيق السلام الاجتماعي، والإشادة بالجهود الرامية إلى تمكين المرأة، في شغل الوظائف العامة وولاية القضاء، ودعم إنشاء مركز إفريقي للبحوث والدراسات الدستورية والقانونية بين المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا، ومنحه الصفة المؤسسية، وتثمين اللقاءات الدورية المباشرة والافتراضية، بين قضاة المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا بغرض البحث العلمي والتدريب في العلوم الدستورية والقانونية.
بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية متخصصة في العلوم الدستورية والقانونية بين قضاة المحاكم والمجالس الدستورية والمحاكم العليا، وتعزيز الجهود الرامية إلى توطيد التعاون بين سائر المحاكم والمجالس الدستورية الإفريقية وبين نظرائها في العالم، وعلى الأخص المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية واتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية، ولجنة فينيسيا، واتحاد المحاكم والمجالس الدستورية الفرنكوفونية، ومؤتمر الهيئات القضائية الدستورية الإفريقية، وتعضيد كافة هذه المؤسسات، والعمل على التعاون البناء بينها.
وختاما، نؤكد على تصميمنا على تفعيل كافة المقررات التي تبنتها سائر اجتماعاتنا السابقة، وذلك بتكليف أمانة اجتماع القاهرة للعام 2022، ببدء المشاورات مع جميع الجهات المعنية، لتحديد المواعيد المحتملة لعقد اجتماع القاهرة السابع، في صورته الحالية، أو تطويره على أي نحو يسهم في تنفيذ توصيات هذا الاجتماع.