السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

داء المجتمع ودواء الإعلام

الإثنين 29/أغسطس/2022 - 06:48 م

قادتني الصدفة لمشاهدة منشورات لشباب على وسائل التواصل الاجتماعي يمجدون في قاتل طالبة المنصورة نيرة أشرف، وكذلك فتاة الشرقية سلمى بهجت، ويشيدون بهما لأنهما انتصرا لحبهما، حتى وإن كان الثمن البنت التي أحبها وعشقها كل منهما؛ فشعرت أن المجتمع أصابته حمى حامية منها القيم واهية. 

مشاهد الذبح والقتل للفتاتين ارتعدت منها مشاعر المجتمع، ووهنت القلوب من نذائر تقطيع أواصرها النبيلة، وخجلت القيم الإنسانية جراء انتهاكها وفظاعة اغتصابها، وتبارت الأبواق الإعلامية ورواد التواصل الاجتماعي في مناقشة الأسباب والدوافع، وتوزيعها بين النَّزعات والغرائز البشرية تارة وبين طموحات وأحلام الشباب تارة أخرى، وكذلك الخطاب الديني تارات غير مُحصاة؛ إلا أن أحدًا لم يعرج إلى التناول الإعلامي لمشاكل وقضايا والمجتمع؛ بل غاروا في مشاهد غير مثمرة ورؤى غير مشرقة.

الحقيقة الغائبة هي أن الانحلال الأخلاقي والاضمحلال القيمي الذي يشهده المجتمع الإعلام سببًا رئيسًا لتفشيه، بل والأدهى أن مجتمعاتنا أنجبت هذا الانحلال سفاحًا من الإعلام؛ لأنه قدَّمه بديلًا لـ"الدعشنة"، وكأن بلادنا لا تعرف الوسطية والتسامح والتعايش، ودفَّ إلينا حفنة من السفهاء يتصدرون سدد الشهرة والنجومية، فيجلس بعض البلهاء أمام الكاميرات لاستضافة معيبي الفنون وساقطي الرياضة وحمقى الثقافة ولئام السياسة والاقتصاد ومجوفي الفكر والإبداع، ليحدثونا عن نجاحاتهم الجماهيرية، وخرائط الطريق للرقي والتحضر.

هذه المشاهد لا تنضح إلا سقوطًا أخلاقيًا، فنرى السفيه أسطورة كروية، والبذيء قدوة إدارية رياضية، والمبتذل مطربًا غنائيًا معروف جماهيريًا، والشهواني مبدعًا فنيًا، وفي نفس الوقت الجاهل مذيعًا، والجهول خبيرًا استراتيجيًا، والوضيع مثقفًا، والشائن شيخًا، أضف إلى ذلك أن المادة الإعلامية المتداولة لا ترتقي لأن تكون رافدًا مؤثرًا في المجتمع لإعادة إنتاجه وتشكيله، فلا لقاءات النجوم وحفلاتهم كافية، ولا برامج "المقالب" شافية، ولا أنشطة "الطبخ" وافية.

الذات البشرية في حاجة إلى التحول دائمًا من النزعة الفريدة إلى الاندماج المجتمعي والاختلاط الجماعي، والمجتمع هو ذلك الهيكل الذي يجمع هذه الذوات تحت روابط القيم والأخلاق، ويستمد أفراد المجتمع القواعد التي يتعاملون بها مع محيطهم الداخلي (الأسري) والخارجي (المجتمع) من عدة مصادر مختلفة الرؤى كان أهمها التعليم والعادات والتقاليد، والآن أصبح الإعلام، وهي التي تشكل توجهاتهم وترسم صورة ذهنية في عقول النشء عن الحياة والمعيشة والقيم والأخلاقيات والسلوكيات. 

ما يستقيه شباب اليوم من المحتوى الإعلامي الرائج هذه الآونة في المحطات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي يهدد لُحمة القيم المصرية، ويطعن أخلاقيات المجتمع بمفاسدها في محاسنها، لأن المضمون ينقل لهم صورة للشاب والفتاة غير متوافقة مع الواقع، ويتغاضى عن همة أبناء مصر وسعيهم لتجاوز التحديات التي تواجه العالم أجمع، وكذلك كيفية اصطفافهم في البرامج الوطنية لتلبية نداء التنمية.  

الخريطة الإعلامية قديمًا كانت أسرية في المقام الأول، يستوفي محتواها كافة رغبات وشرائح المجتمع، فكان المحتوى الديني يبث يوميًا من خلال افتتاح البث اليومي بالقرآن الكريم، وإذاعة برنامج "الدين المعاملة" قبل نشرة "التاسعة" مساءً، وكذلك خواطر الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي التي كانت تذاع أسبوعيًا عقب صلاة الجمعة، وبرنامج "الجائزة الكبرى" كل خميس إلى جانب البرامج التثقيفية مثل "العلم والإيمان" للدكتور مصطفى محمود، و"عالم البحار" للدكتور حامد جوهر، و"عالم الحيوان" بصوت المذيع المميز محمود سلطان.

الترفيه أيضًا كان حاضرًا في التجمعات الأسرية أمام الشاشة من خلال برنامج "هذا المساء" الذي كان يقدمه الفنان الراحل سمير صبري، وتاكسي السهرة الذي يعرض أهم الأفلام العربية والهندية والعالمية، والأفلام الأمريكية ضمن برنامج "نادى السينما" الذي كانت تقدمه الإعلامية درية شرف الدين، وكذلك الفنون المختلفة ببرنامج "اخترنا لك"، وبرنامج "بانوراما فرنسية" الذى كانت تقدمه المذيعة مرفت فراج كل يوم ثلاثاء، إضافة إلى المنوعات الغنائية الشبابية التي كان يحتويها برنامج "أماني وأغاني"، وبرنامج "العالم يغني" من تقديم المذيعة حمدية حمدي، إلى جانب "غرائب وطرائف" و"أكروبات عالمية"، بل وكان الإرسال يختتم يومه بمشهد كوميدي يليه فقرة "شعر وموسيقى".

الشباب ارتبط في الإذاعة بالبرنامج الأسبوعي "اعترافات ليلية" لبثينة كامل، واليومي "دندنة" الذي يقدم فقرات غنائية من اختيارات الضيوف، وحتى في الصحافة اهتموا بمتابعة "بريد الجمعة" للكاتب الصحفي الراحل عبدالوهاب مطاوع، والحكم المنتقاة التي يقدمها أنيس منصور في مقالاته، ومقتطفات أحمد رجب، وكاريكاتير مصطفى حسين.

إنَّ هذا الداء الذي أصاب المجتمع دواؤه إصلاح الإعلام، فمع مقارنة الماضي بالآني يتبين لنا أن القيم المجتمعة تواجه هوة سحيقة، والإعلام المصري شريك فيها وفي حالة الانحلال الأخلاقي التي أصابت المجتمع؛ ولأجل مستقبل مشرق للأجيال القادمة يجب عليه أن يستنسخ مواثيق الشرف التي وأدها عمدًا أو بغير قصد، وأن يتفهم أصحاب المنابر الإعلامية مكنون المبادرات الرئاسية لحياة كريمة، ورسائل السلام الاجتماعي التي تؤكد الرئاسة عليها دومًا، وكذلك الاهتمام المتواصل بالشباب والعمل الجم الدؤوب لدعمهم عبر المؤتمرات والأنشطة والفعاليات.

تابع مواقعنا