الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تطوير منهج رابعة ابتدائي..!

محمود علي
مقالات
محمود علي
الخميس 25/أغسطس/2022 - 10:04 ص

صدمة كبيرة ممزوجة بحسرة وخيبة أمل لا مثيل لها.. تلك هي الحالة الشعورية التي سيطرت على جهازي العصبي بضعة ساعات الأسبوع الماضي بعدما قابلني تلميذ انتهى من دراسة صفه الرابع الابتدائي، ممسكا بأحد الكتب الخارجية لمادة اللغة العربية الخاصة بالفصل الدراسي الأول للصف الخامس الابتدائي، بعد انتهائه من حصة خصوصية لدى مدرس عربي يدعى "زعزوعة".

أمسكت بالملخص ذائع الشهرة على مدى أكثر من 60 عاما وبدأت أسأل الطفل بعض الأسئلة البسيطة؛ لتشجيعه ولمعرفة مستواه الدراسي، أشرت إلى أول كلمة في الكتاب وطلبت منه قراءتها، فصدمني بسكوت مخجل وابتسامة تنم عن عدم معرفة، قلبت صفحتين أخريين فوجدت تدريبا في وسط الدرس محلولا بخط يده، فأشرت إلى ثلاث كلمات كتبها التلميذ بيمناه، فكانت الإجابة نفس السكوت وذات الابتسامة، ثم وصلت معه إلى مرحلة الحروف الأبجدية، وكانت المفاجأة أنه لا يعرف الواو من العين، ولا الباء من الهاء!، ولم يختلف الأمر في شيء عندما سألته في جدول الضرب وبعض المسائل الحسابية البسيطة جدا!.

هذا النموذج الكارثي للطفل "سعيد" موجود للأسف الشديد في العديد من المدارس بمراحلها المختلفة، وإن كان بدرجات متفاوتة، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال منطقي جدا:  لماذا لم يتعلم التلميذ أي شيء ولا حتى اسم حرف أبجدي أو رقم حسابي، رغم أنه قضى 4 سنوات بين المدرسة والدروس الخصوصية؟، والسؤال الأهم: كيف نجح على مدار كل هذه السنوات ووصل إلى خامسة ابتدائي وهو لا يعرف "السما من العمى"؟!

وزارة التربية والتعليم، بقيادة الوزير الجديد الدكتور رضا حجازي، أعلنت هذا الأسبوع عن إجراء بعض التعديلات على مناهج الصف الرابع الابتدائي للعام الدراسي الجديد 2022/2023، حتى تتناسب مع الخطة الزمنية، بما لا يخل بتحقيق نواتج التعلم، بالتركيز على المفاهيم الكبرى والأنشطة التعليمية.

وبالرغم من أنني لا أعلم ما هي هذه المفاهيم الكبرى ولا تلك الأنشطة التعليمية التي تريدها الوزارة على وجه التحديد، إلا أنني أتمنى أن يكون هذا التعديل ملائما للتلاميذ، وأن يعينهم على فهم الدروس واستيعابها بطريقة أفضل، ولكن هنا سأقف قليلا: هل منهج رابعة ابتدائي يستدعي كل هذا التطوير والتعديل سواء الجاري أو السابق؟، بمعنى آخر هل المشكلة في المنهج نفسه أم في طريقة تدريسه أم في تطوير العنصرين البشريين الأهم في السلسلة التعليمية "المعلم والطالب"؟

طالب رابعة أو خامسة ابتدائي غير مطلوب منه أن يكون فيثاغورث في الرياضيات، أو زويل في العلوم، ولا سيبويه في النحو، المرحلة الابتدائية بأكملها الغرض الرئيسي منها هو تخريج طالب يجيد قراءة وكتابة اللغة العربية بشكل جيد، والإنجليزية بشكل مقبول، قادر على إجراء عملية حسابية سليمة من جمع وطرح وضرب وقسمة عادية وقسمة مطولة، وبعض مسائل وقوانين الهندسة مثل محيط ومساحة المربع والمستطيل، وقشور من مواد العلوم والدراسات وغيرها من المواد والأنشطة التي تثقل مهاراته، والأهم وقبل كل ذلك تهذيب أخلاقه وتشجيعه على الاقتداء بالنماذج المشرقة في المجتمع؛ لأنه لا تعليم بدون تربية.


إن التطوير الحقيقي الذي يحتاجه طلاب المرحلة الابتدائية هو تطوير العقول لا المناهج، وسد عجز 150 ألف معلم المدارس في أمسّ الحاجة إليهم، وتبديد عصر السياط التي تلهب ظهور أولياء الأمور وتقسمها والمسماة بالدروس الخصوصية، وممارسة الطالب لأنشطة حقيقية ومتنوعة داخل المدرسة، من رياضة وموسيقى وغناء وشعر وتمثيل؛ لاكتساب مهارات واكتشاف طرق متنوعة في التعامل مع الناس.

أما مسائل 10 آلاف نملة يتجمعون حول كيس سكر وزنه 900 جرام داخل صندوق نصف قطره 21،005 سم وطوله ثلاثة أرباع عرضه حدد نوع السكر؟، أو تغيير قصة سعفان الكسلان إلى شعبان العيان، فهو أشبه بتطوير "كيس الساندويتشات" إلى "اللانش بوكس"!، فالتطوير يبدأ أولا من الطالب ثم المعلم وليس من المنهج، بالإضافة إلى أن تغيير المناهج هي عملية قديمة، كانت تحدث كل عدة سنوات -قبل الوزير السابق- بطريقة منظمة جدا ومدروسة عمليا ونظريا وتطبيقيا؛ لذلك لم نكن نسمع صراخ وشكاوى الطلاب وأهاليهم عند تغيير المناهج أو تطويرها.

تابع مواقعنا