لبنى عبد العزيز: ما زلت أقدم برنامج ركن الأطفال.. وأوافق على التبرع بالأعضاء ولا أخشى الموت | حوار
عودي يا هاميس.. مَن منا لا يتذكر تلك الجملة الشهيرة من فيلم عروس النيل، وهي نفس الجملة التي بدأت بها حواري مع عروس النيل لبنى عبد العزيز، التي شاركت بأعمال خالدة في تاريخ السينما المصرية، بصوتها المميز العذب في الإذاعة المصرية، والوجه المشرف في المهرجانات الدولية، والعقل المثقف الواعي، ورغم قلة أعمالها إلا أنها تركت بصمة مؤثرة في وجدان الشعب العربي بأعمالها ورقيها، لتكون أبرز الأعلام المصرية.
وأجرى القاهرة 24 حوارًا مع عروس النيل لبنى عبد العزيز، عن العديد من الجوانب في حياتها الشخصية والفنية والسياسية.
وإلى نص الحوار…
في البداية.. لمَ ابتعدتي عن التمثيل بعد جدو حبيبي؟
لم يُعرض عليّ أعمال تناسبني، ويجب ألا أُضحي بأعمالي القيمة التي شاركت بها، أتمنى تقديم الكثير والكثير، وكان فيلم جدو حبيبي حالة خاصة جدًا، حيث إنني كنت سعيدة بحكاية الغرام بين الكبار، مدلول أن الحب ليس له سن ولا حدود، لذلك أعجبت بالنص وقدمته، ولكن حاليًا معظم المُقدم على الشاشة يحتوي على مشاهد عنف من اغتصاب ومخدرات وحشيش، ولا أريد أن أقدم مثل تلك الأعمال.
ألم تهاتفي أي كاتب وتخبريه بأفكار تجول بخاطرك لمساعدتك في تنفيذها؟
زمان، كان جميع المخرجين والمؤلفين أصدقائي، وكانت معظم أعمالي من اختياراتي وأفكاري، مثل فيلم عروس النيل فهو قصتي ومكتوب على التتر، وكنت أعمل مع العمالقة مثل إحسان عبد القدوس وصلاح أبو سيف ونجيب محفوظ، وليس لي دراية بكتّاب الفترة الحالية، ولدي الكثير من الأفكار ومن الممكن تقديمها.
كانت الذكرى الثانية لوفاة شويكار منذ بضعة أيام وأخبرتني ابنتها أنك على تواصل دائم معها رغم وفاة والدتها.. هل تتواصلين مع أبناء أصدقائك باستمرار؟
بالطبع، مدام شويكار كانت غالية لديّ كثيرًا، وعملنا سويًا، وأعلم مدى صدق مشاعرها، وأشعر بتمزق قلبي عند ذكر أصدقائي الراحلين، مثل مدام دلال عبد العزيز ونادية لطفي وماجدة، وأتذكرهم يوميًا؛ لأنهم كانوا مفعمين بالحيوية والحب والأدب والذوق والاهتمام.
أتذكر جيدًا أن مدام دلال أوصت بناتها بالسؤال الدائم عليّ، أثناء مرضها بالمستشفى وإصابتها بفيروس كورونا، وبالفعل ينفذون وصيتها ويطمئنون عليّ، وأهاتفهم أيضًا دائمًا للاطمئنان عليهم، آخر عامين كانوا سيئين في حياتي.
كيف تعاملتِ مع انتشار فيروس كورونا خلال العامين الماضيين؟
لم أسلم منها، حيث أنني أُصبت بها وأصابتني بالعديد من المضاعفات، ولكن أراد الله أن ينجيني منها وأخف، وأوصاني الطبيب بعدم تبادل الزيارات؛ لأن مناعتي ضعيفة، كما خسرت عدد من الأصدقاء بسببها آخر 10 أيام، وحزنت عليهم كثيرًا، أنا لا أخشى الموت ومستعدة له في أي وقت وإيماني بالله كبير وضميري مرتاح، ولكن أخشى من مضاعفاتها؛ لأن أسوأ ما في كورونا هو أنها تسبب مضاعفات مثل أمراض الكلى وما شابه، ولدي صديقة غالية على قلبي في الأربعينيات من عمرها صغيرة السن ومازالت شابة، أصبحت طريحة الفراش منذ ما يزيد عن شهرين إثر إصابتها بكورونا.
ما رأيك في ألوان الموسيقى المستحدثة بمصر حاليًا مثل الراب والمهرجانات؟
الراب فن مأخوذ من أمريكا، وليس ابتكارًا للمصريين، فهو تقليد، "احنا شاطرين في التقليد"، أما المهرجانات الشعبية فلا أعرفها، أين موسيقى رياض السنباطي وعبد الوهاب التي اقتحمت العالم؟، حاليًا لا توجد الموسيقى العميقة والتي درسناها.
يقال إن الجمهور في الفترة الحالية يريد ذلك النوع.. فما تعليقك؟
لا، الجمهور لا يريد ذلك الفن، الجمهور أمامه ذلك النوع فقط، كنا نقدم زمان الفن بقيمة ويتقبله ويحبه الجمهور ويشيد به أيضًا، ونرى حاليًا أي رجل وسيدة إذا عادوا من عملهم وفتحوا التلفزيون ورأوا فيلم أبيض وأسود سيشاهدونه، فأفلام الأبيض والأسود كان بها قيمة وعمق يفيد الجمهور، لكن حاليًا الجمهور يرى الدخان والغش والقتل بالأعمال، وعندما أسمع جملة إن الجمهور يريد ذلك، أشعر بقشعريرة تسير في جسدي، ولا أعتقد أن مصر أصبحت بهذا الحال.
ما الذي تفعلينه في يومك؟
ما زلت أقدم برنامج ركن الأطفال في الإذاعة المصرية حتى الآن، فهو عمره يزيد عن الستين عام، ولا زال يُعرض بصوت مدام آمال فهمي في المقدمة، الإذاعة ما زالت محتفظة برونقها وقيمتها حتى الآن، فهي عريقة جدًا، وبها أفضل ما يُمكن سماعه، لمَ نستهون بالإذاعة في عصرنا الحالي؟، فعلى سبيل المثال أمريكا ما زالت حريصة على زيادة محطات بث الراديو وصلوا لما يقرب من 200 لـ 300 محطة إذاعية حتى الآن بمختلف اللغات سواء كوري أو هندي وخلافه، وأتذكر جيدًا أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول شيء فعله هو دخوله الإذاعة لأنها أسرع وسيلة للجمهور، فالإذاعة هي سيدة الإعلام.
هل لديكِ ذكرى معينة لا تنسيها في الإذاعة المصرية؟
منذ ما يقرب من 20 عاما، جاءتني مدام أميمة كامل رئيس الشبكة الثقافية، وطلبت مني إنشاء برنامج للمنافسة بمهرجان الإذاعة، وذلك قبل انطلاق المهرجان بما يقرب من 4 أيام فقط، واستجبت لطلبها، كما وفرت لي كل السُبل لذلك البرنامج، فقررت أن نتناول في البرنامج التاريخ المصري القديم، والتحدث عن جميع الآثار المصرية والمتواجدة بالخارج، وفوجئت بها ذات يوم تبلغني بأننا حصلنا على جائزة الإبداع الذهبية وكان قيمتها 5 آلاف جنيه.
هل أنتِ متأثرة بالتاريخ المصري القديم وبما تركه قدمائنا المصريين؟
نعم، وأفخر بكوني مصرية، ويجب أن يدرس المصريون تاريخهم بطريقة كافية، ففي العالم يدرسون تاريخنا جيدًا، مثل الصين وأمريكا، وقصتي بفيلم عروس النيل من تأثري بقدمائنا المصريين، ومن الضروري أن نعيد مجد مصر القديم.
من وجهة نظرك.. كيف نعيد مجد مصر؟
أولًا: سيساعد متحف الحضارة الجديد على ذلك الأمر جيدًا، وإذا دعونا رؤساء البلدان والمهتمين بالشأن الثقافي في العالم، سيكون في صالحنا كثيرًا.
ثانيًا: يجب تعليمه في المدارس بشكل كافٍ ووافٍ، وبطريقة يحبها الطلاب وليس لمجرد أداء الامتحان، حفيدتي الصغيرة التي تدرس بالحضانة في أمريكا، أجدها تتحدث عن تاريخنا.
ثالثًا: فأنا حزينة على الوضع الذي آل إليه المصريون حاليًا، وأتمنى مقابلة وزيرة الثقافة الجديدة وأخبرها بأفكاري للتطوير، فالثقافة أساسها الفن، حيث نستطيع أن نحكم على أي بلد من فنها، فالفن مرآة للثقافة، وأتذكر أن وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة كان مهتمًا بجميع النواحي الفنية، ومنها: الفن التشكيلي، الإذاعة، التلفزيون، السينما.
هناك من يقول بأن العنف والقتل موجودين بالواقع وإننا نرى الكثير من الجرائم يوميًا.. بم تردين؟
سأقول لكي شيئًا، بعد الحرب العالمية الثانية قررت السينما الإيطالية اتخاذ المدرسة الواقعية، وتجسيد حياة الفقراء بموضوعات حساسة جدًا بطريقة مُفيدة، ولكن حاليًا تلك الموضوعات تُقدم بطريقة بها انخفاض في التفكير والمستوى الثقافي والنفسي، وعندما أشاهد تلك النوعية من الأفلام، أغلقها بعد 3 دقائق وأحزن، مصر عطشانة للأعمال الجيدة.
هل تعتقدين أن المنتج سببًا في ذلك المستوى؟
أكيد، حاليًا نرى أن المنتج يكون هدفه أرباحًا مضاعفة لما صرفه على العمل بعد 3 أشهر من طرحه، فذلك ليس منتج بل تاجر، المنتج الحقيقي هو مَن يتعاون مع أفضل المخرجين والكتاب وصناع الموسيقى والممثلين لتقديم عمل لمصر ويعيش بها، فمصر تفتقد للمنتج رمسيس نجيب.
ألم يتوارث أي من أبنائك أو أحفادك موهبة التمثيل؟
كانت ابنتي الكبيرة تُمثل بمسرح الجامعة وكانت ممتازة، ولكن لم يكن لديها الرغبة في استكمال مسيرة التعليم، بل كان هدفها الزواج والإنجاب، والفن يحتاج للموهبة والرغبة والثقافة، ونحن كنا مُستعدين لسفرها بنيويورك لدراسة التمثيل، ولكنه لم يكن هدفها، وكانت ممثلة ممتازة وتُقلد الفنانين جيدًا، وأعتقد أنها إذا استمرت في التمثيل لكانت ممثلة عالمية، كما أؤكد على أهمية توافر الثلاث عناصر التي تمثل أضلاع المثلث بالنسبة لأي فنان وهي: الموهبة – الرغبة – الثقافة، فنحن لدينا نجوم وكبار وموهوبين ولهم تاريخًا كبيرًا، ولكن لم يستطيعوا الحفاظ على تاريخهم وعانوا في سنواتهم الأخيرة بسبب عدم توافر الثقافة، فالثقافة والعلم يجعلوا الإنسان قادرًا على الاستمرارية والسعي، بالإضافة إلى الرقي والأخلاق تجعله محتفظًا بمكانته كنجم، لأن العمر قصير سواء الحقيقي أو الفني.
ما الذي تُوصين به أبناءك دائمًا؟
أوصيهم بالحفاظ والاعتزاز بمصريتهم وصلة الدم والتربية الجيدة، كانت تربيتي بالنسبة لأبنائي غريبة، حيث أنني تربيت على أيدي جدتي لأن والدتي كانت صغيرة في السن ومشغولة اجتماعية جدًا، وكنت حريصة على تربية أبنائي بنفس تربيتي، وكنت أجدهم يقولون لي: إنتي قديمة يا ماما ومولودة من ألف سنة، حاليًا أجد أبنائي يربون أحفادي بنفس الطريقة، وذلك يثلج ويُسعد قلبي كثيرًا.
لمَ لم تعيشي مع أبنائك في أمريكا؟
ضاحكةً: طوال الوقت يطلبون مني أن أعيش معهم، وتكون هناك مشاهد حزينة وبكاء في المطار عندما أعود إلى مصر، ولكنني أريد أن أعيش وأموت في بلدي، فأنا غبت عنها كثيرًا من أجل زوجي، وأريد أن أموت بها.
كيف ترين الوضع الاقتصادي لمصر حاليًا مع غلاء الأسعار؟
نحن محظوظين برئيسنا؛ لأننا ننام بمنازلنا، هناك شعوب أخرى تعاني من عدم الاستقرار ويعيشون بمخيمات مثل اليمنيين والليبيين والسوريين والعراقيين، أما بالنسبة لغلاء الأسعار، فتلك أزمة اقتصادية عالمية، وليست على مصر فقط، حاليًا إذا كنت أدفع جنيه مقابل دوائي في الصيدلية أصبحت أدفع الأضعاف، وبالنسبة لي راحتي أن أعيش بمنزلي حتى وإن آكل لقمة جبنة وعيش، كما أن ابنتي تشكو لي أيضًا من غلاء الأسعار في أمريكا، فأنا أفخر برئيسنا الذي يحمينا وحمانا من شرور كثيرة وجعلنا مستقرين على يديه بعد الربيع العربي، حيث أن الربيع كان عبارة عن مؤامرة كبيرة ضد البلاد العربية، ولكن بكرم الله استطعنا أن ننفذ من ذلك المأزق.
ماذا عن رأيك وموقفك من ثورتي 25 يناير و30 يونيو؟
لا أعترف بثورة 25 يناير؛ وذلك لأنني أشعر بأنها سُرقت من المصريين واستكملها الإخوان، وكان هناك تدخل أمريكي وشهدت الشوارع المصرية إهانة وجرائم لم تحدث من قبل، ولا أحب تذكر تلك الفترة أبدًا، فلا يوجد بها ما يدعو للفخر، أما عن ثورة 30 يونيو فهي ثورة الشعب المصري كله، حيث نزلنا جميعًا الميادين والشوارع المصرية، واستطعنا تنفيذ مطالبنا، وحرصت على النزول للشارع المصري والمشاركة بها.
تبنت الفنانة إلهام شاهين منذ فترة مبادرة التبرع بالأعضاء.. هل فكرتي في هذا الأمر؟
لم أفكر في ذلك الأمر من قبل، ولكن ليس لدي مانع من التبرع بالأعضاء، ولكن هناك حرية فكرية وحرية تنفيذية، بالنسبة لحريتي الفكرية ليس لدي مانع بالتبرع، ولكن من الناحية التنفيذية، يجب عليّ أخذ مشورة أبنائي لأنني لست حرة نفسي ويجب عليّ احترام رغبة أبنائي، كما أن مساعدة الناس هي هدفي في الحياة، سواء أكانت المساعدة أدبية أو معنوية أو اقتصادية، وأتذكر مساعدتي لصديق لي يعيش بأمريكا، حيث مر بأزمة ما خلال الفترة الماضية، كنت أهاتفه يوميًا، وبعد انتهاء الأزمة شكرني كثيرًا على دعمي المعنوي له، فالمساعدة لا تتوقف فقط على الماديات.
مَن يسأل عليكِ ويتابعكِ بالفترة الحالية؟
هناك الكثير يتصلون بي ويطمئنون عليّ، كما أن هناك العديد من الأشخاص يتصلون بي ويطمئنون علي صحتي وأنا لا أعرفهم، المحبة من عند الله شيء جميل.
أخيرًا.. هل هناك شيئًا تريدين أن تقوليه لجمهورك؟
أتمنى أن يتمتع الجميع بصحة جيدة وأن يكونوا فخورين بكونهم مصريين، وأن يتمتعوا بالرضا والقناعة.