محمد زكريا يكتب: فوضى التسويق العقاري وسمعة السوق
منذ زمن ليس ببعيد، كانت مهنة التسويق العقاري عبارة عن حارس عقار ملم بكل الوحدات السكنية المعروضة بمنطقته والمناطق المجاورة، سواء بقصد البيع أو الإيجار، وكانت أدواته بسيطة دون دعاية أو استئجار مكتب له، ويستخدم يافطة معلقة أعلى الشجرة الواقعة أمام العمارة مباشرة، أو عن طريق لوح خشبي مطبوع عليه بالخط العريض -سمسار عقارات- تشتمل على أرقام للتواصل بسهولة ويسر.
نتيجة لحصد الأموال بدون جهد أو تعب، تمكن من جمع حصيلة مالية وذاق طعم المكسب، ليترك العمل بالحراسة ويتجه لاستئجار وحدة بالدور الأرضي ليطلق عليها مكتب تسويق عقاري، ليرتقي حارس العقار إلى طبقة أكثر تحررًا وتوسعًا لمعرفة العدد الأكبر من الوحدات المتاحة بالمنطقة والمناطق المجاورة، ثم يلجأ فيما بعد إلى الاستعانة بأشخاص من أقربائه وبعض المواطنين الذين دخلوا المهنة عن طريق الصدفة ليس أكثر.
ومع ظهور شركات التطوير العقاري منذ أكثر من 100 عام، فتح المجال أمام السماسرة أو ما يطلق عليهم المسوقون العقاريون، حيث تمكن كم هائل من دخول القطاع العقاري، وارتفع عددهم بشكل كبير يتخطى عددهم مليون شخص، وفق آخر الإحصائيات التي أجرتها بعض الشركات المتخصصة، نتيجة انفتاح السوق العقاري مع تدشين العاصمة الإدارية الجديدة ومدن الجيل الرابع الأخرى، وخلق مزيد من المشروعات العمرانية تتبع القطاع الخاص، مما فتح الباب على مصراعيه أمام الجميع -دون استثناء- لا فرق بين من يجيد فن التعامل وحسن الأخلاق والعكس صحيح.
دخول هذا الكم الكبير في توقيت واحد، ظهر جليًا خلال الفترة الأخيرة من تراجع المصداقية وخوف العملاء من التعامل مع الشركات العقارية، ربما لم يفطن لها عدد كبير من المطورين لهذا الأمر، ولكن الحقيقة تعامل المسوقين الجدد أحدث تخوفا ليس فقط للمصريين ولكن أيضا للمشتري العربي والأجنبي، وأصاب مبيعات الشركات في مقتل، وتراجعت مبيعاتها بشكل ملحوظ مؤخرًا.
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها جميعًا والمُسوقون أنفسهم، أنهم غير أكفاء لتسويق العقار المصري، لأننا ندرك أن المسوق يسعى بشكل كبير إلى تحصيل العمولة من بيع الوحدات السكنية، وكلما باع جنى أرباحًا أكثر، دون النظر إلى سمعة السوق ومدى مصداقية الشركة المسوق لها، كل ما يهمه خلق أكاذيب وتضليل ورسم المستقبل للعملاء على ماء اللاجون والبحيرات الصناعية والخدمات الصحية والبحر الممتد حتى الغرف الداخلية، لتصبح أحلام العملاء بمجرد تسلم وحدته، ليدرك أنه كان ضحية سمسار عقارات وليس مسوق عقاري.
واستكمالا لما سبق، نؤكد أن السوق العقاري يعاني خلال الفترة الراهنة من تراجع مصداقيته لدى المواطنين بالخارج، سواء العرب أو الأجانب، ومن أهم الأسباب التي أدت لذلك، هو وجود مسوقين ليس لديهم أدنى فكرة على أن الترويج للعقار المصري هو بمثابة الترويج لمصر وليس لشركة بعينها، وأن الأمر لا يقتصر فقط على تحصيل النسبة البيعية؛ ولكن لا بد من النظر بأن ترويجه هو ترويج للسوق المصري، وأن مصر بحاجة إلى حصولها على نسبة كبيرة من تصدير العقار والذي يقدر حجمه على مستوى العالم 400 مليار دولار سنويًا؛ حسبما أكد المطورين العقاريين.
إعادة تنظيم عمل المسوقين العقاريين بعد الفوضى الكبيرة
فطنت الدولة لإعادة تنظيم عمل المسوقين العقاريين بعد الفوضى الكبيرة التي واجهها السوق العقاري خلال الفترة الأخيرة، وضعت مشروع قانون لتنظيم أعمال الوساطة العقارية لعمل وتفعيل الإجراءات الرقابية على مهنة المسوقين في مصر، ولعل من أبرز الاقتراحات الجديدة في القانون هي حظر مزاولة مهنة المسوقين العقاريين -البروكر- إلا من خلال المقيدين بالسجل المنشأ لهذا الغرض، وهو أمر جيد لمنع دخول كل من «هب ودب» في مجال التطوير العقاري، هذا إلي جانب حوكمة نشاطهم التجاري وإلزامهم بتوفير بيانات كاملة عن الوحدات المعروضة للبيع لمحاسبته إذا حاول التلاعب مع المشترين.
الخلاصة، السوق العقاري المصري واحد من أهم الأسواق الموجودة في المنطقة، فلا بد من سرعة إصدار القانون لتنظيم العمل الرسمي لجميع العاملين بمهنة التسويق، وفلترة جميع الدخلاء على المهنة ومن لا يمتلكون المهارة الكافية للحديث والتسويق عن أهم سوق للعقارات في المنطقة، مع ضرورة تطبيق غرامات مالية على كل من يعمل بمهنة التسويق العقاري بعيدًا عن قانون ينظم العمل ويراعي حقوق جميع الأطراف الثلاثة الدولة والمطور والعميل.