تطبيع مع إسرائيل وترميم علاقة متهالكة.. بايدن يستعد لزيارة السعودية بإرث سيئ ومطالب مُلحة
يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن، لزيارة المملكة العربية السعودية، اليوم الجمعة، ويسبقه إرثًا سيئًا من المواقف والتصريحات تجاه المملكة، وبرود غير مسبوقة في علاقة البلدين، وسيكون أمام بايدن تحدٍ صعب عندما يصل جدة حاملًا قائمة من المطالب المرفوضة مُسبقًا، لكنها مُلحة في جزء كبير منها، للدرجة التي جعلته يُلقي خلفه؛ مواقفه السابقة تجاه السعودية.
تأتي زيارة بايدن للمنطقة العربية، في وقت يشهد فيه العالم؛ تحديات جسيمة في مجالات مختلفة؛ تتعلق بالاستقرار المجتمعي والاقتصادي وأمن الطاقة والأمن الغذائي، وتهديدات إيران بالنسبة للشرق الأوسط، ومن منظور أمريكي وأوروبي يُضاف إلى ذلك؛ مُواجهة النفوذ المتصاعد لكل من روسيا والصين، ما يُضفي أهمية أكبر على زيارة بايدن، التي ستتجاوز في مناقشاتها الملفات التقليدية كالقضية الفلسطينية، واستقرار إمدادات النفط التي تتميز به دول الخليج.
ومع وصول الرئيس الأمريكي إلى جدة، فإنه عمليًا يكون قد ألقى جانبًا أحد وعوده الانتخابية، بأن يجعل المملكة العربية السعودية دولة منبوذة، عندما صرح بذلك في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية المملكة بتركيا، لكنه دافع عن الزيارة في مقال صحفي قبل أيام، بأنها مُهمة لأمن الولايات المتحدة، كما ينحي بايدن، حديثه السابق، بأنه يريد التعامل مع الملك سلمان وليس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فهذا التمييز لا معنى له إلى حد كبير من الناحية العملية، وها هو بايدن سيجتمع بالملك وولي عهده، وإن حاول البيت الأبيض تلطيف الأمر أمام الإعلام الأمريكي، بأن الاجتماع مع الملك، بينما الأمير الشاب يحضر كأحد أفراد فريقه الحكومي.. كل ذلك يُشكّل في النهاية انتصارًا سياسيًا كبيرًا للمملكة، في نظر العديد من المراقبين.
ويُواجه بايدن في السعودية، انعدام الثقة بعد تخليه عن المملكة في وقت سابق، بنشر إدارته تقريرًا استخباراتيًا يزعم موافقة بن سلمان، على قتل خاشقجي، بالإضافة إلى تجميد مبيعات الأسلحة الهجومية إلى السعودية في أعقاب هذه القضية.
- تطبيع بعيد المنال وتوحيد جبهات ضد إيران
بالعودة إلى الملفات التي يحملها بايدن في زيارته، فإن الحديث يتزايد حول علاقة ناشئة تلوح في الأفق بين السعودية وإسرائيل، بذريعة توحيد الجبهات ضد العدو المشترك -إيران، التي تثير المخاوف بسبب برنامجيها النووي والصاروخي، ودعمها لميليشيات تحمي أجندتها التوسعية في المنطقة، لكن هذه العلاقة تبدو على أرض الواقع أبعد ما يكون، لا سيما مع ربط الرياض أي تقدم في العلاقة مع تل أبيب، بتقدم ملموس في عملية السلام مع الفلسطينيين، وتقديم الإسرائيليين تنازلات ذات مغزى، بدلًا من تقديم أشياء مجانية لتل أبيب.
يُعيدنا ذلك إلى الحديث عن القضية الفلسطينية، حيث يكون بايدن مطالبًا فيها بالضغط على إسرائيل، لوقف الاستفزازات والانتهاكات بحق الفلسطينيين، من خلال تجميد بناء المستوطنات غير الشرعية، ووقف الغارات الليلة في المناطق الفلسطينية، واحترام المُقدسات في القدس المحتلة، فضلًا عن طرح استئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، لا سيما أن يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت، أكثر انفتاحًا على المفاوضات مع الفلسطينيين أكثر من القادة الإسرائيليين الآخرين، وستكون أمامه فُرصة للفوز في انتخابات أكتوبر المقبلة، والاستمرار في قيادة بلاده.
واستبقت السعودية استقبالها بايدن، بإعلان فتح أجوائها أمام جميع الناقلات الجوية المدنية، ويتضمن ذلك الطائرات الإسرائيلية، وستكون طائرة بايدن أول طائرة تصل المملكة قادمة من إسرائيل في رحلة مُعلنة، ووصفت واشنطن هذه الخطوة بالتاريخية، التي تُمهد الطريق نحو شرق أوسط أكثر تكاملًا واستقرارًا وأمانا.
وفي حديث نادر، أجاب بن سلمان، على سؤال حول علاقة مستقبلية مع إسرائيل، قائلا: لا تنظر الى إسرائيل كعدو، بل كحليف مُحتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معا.. لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك.
ولا يمكن التكهن بعلاقة مستقبلية بين الرياض وتل أبيب، ففي النهاية هي حليف مُحتمل، وذلك مرهون بحل القضايا المُتعلقة بفلسطين، وهو موقف ليس جديدًا عن المملكة، بالنظر إلى أنها صاحبة مبادرة السلام العربية التي قدمتها في عام 2002.
كما ستبقى أولوية لبايدن؛ تعزيز الصفوف في مواجهة إيران، وطرح إنشاء مظلة دفاع جوي مشترك لدول المنطقة للتصدي لتهديد المسيرات الإيرانية، فضلًا عن مطالبة السعودية بتعهدات لزيادة إنتاج النفط وخفض الأسعار، مقابل تجديده الالتزام بأمن المملكة، وتقديم ورقة استئناف بيع العتاد العسكري للرياض.
- أسعار النفط.. عين على انتخابات الكونجرس
أهمية ملف الطاقة وإنتاج النفط لا تقل عن التصدي لإيران، حيث أن الاقتصاد الأمريكي، يُعاني من تضخم تاريخي، بسبب زيادة أسعار النفط على وقع الحرب الروسية الأوكرانية، كما هو الحال في معظم دول العالم، لكن بايدن سيكون مهمومًا بالمواطن الأمريكي الذي يستعد للتصويت في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ويتوقع الديمقراطيون خسارة مُؤلمة فيها، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
وتريد واشنطن من السعودية؛ زيادة إنتاجها النفطي، والتخلي عن اتفاق مع روسيا منذ 2017 ضمن أوبك بلس، وهو طلب رفضته الرياض في السابق.
- العلاقات مع الصين
وسيكون على رأس المطالب الأمريكية كذلك، عمل السعودية على الحد من علاقتها الناشئة مع الصين، التي ترى الولايات المتحدة فيها تهديدًا لنفوذها في المنطقة، وخرقًا لسياسة الهيمنة الأمريكية المُنفردة في الخليج، ويربط الرياض وبكين حاليًا، تعاونًا عسكريًا يتمثل في التصنيع المشترك للطائرات بدون طيار والصواريخ، وترى واشنطن في ذلك تهديدًا لأمنها، لكن سيكون عليها تأكيد الشراكة المتنامية مع السعودية، وأنه يمكن توقع المزيد من الإيجابيات والثمار في هذه العلاقة.