حضّانات الأطفال حديثي الولادة المبتسرين.. بوابة ملكية لاستنزاف جيوب الغلابة!
المولود يعانى من مشاكل صحية ويحتاج لحضّانة ضروري.. جملة يخشى سماعها كل أب وأم، فحينما تكون الحياة رهنًا بما تملكه من أموال في جيبك، وتموت فيها فقيرًا لا يذكرك أحد بعد رحيله، وحسرة فقدان طفل بين يدى أب تمناه بعد سنوات من العقم تفوق في مأساويتها كل شيء، وتتخطى آلامها الحدود، نقص عدد الحضّانات في المستشفيات العامة خلق مأساة لكثير من الأسر، التي فقدت طفلها بعد ساعات من وصوله للحياة.
وتذهب الأرقام إلى أنه مع زيادة عدد الولادات القيصرية سيشهد الطلب على حضّانات الأطفال المبتسرين زيادات مطردة، بما ينبئ بزيادة حدة أزمة الحضّانات في بني سويف، خصوصًا لو عرفنا أن إجمالي الحضانات الموجودة في مستشفيات الحكومة سواء تخصصي أو جامعي أو مستشفيات مركزية لا يكفى نصف الطلب على الحضّانات، بما يؤكد الحاجة إلى وجود حضّانات القطاع الخاص، ومن ثم فلا مانع من وجود هذه الحضانات شريطة أن يتم تشديد الرقابة عليها ووضع قوائم أسعار استرشادية للخدمات المقدمة بها.
أب فقد طفله بسبب عدم قدرته على تكلفة الحضّانات الخاصة
رزق الشاب محمد سعيد، عامل يومية، بطفل مبكرًا عن الموعد الطبيعي لولادته، فكان ناقص النمو وبرئة ضعيفة يعاني من مشكلات في التنفس بسبب الولادة المبكرة، حيث ولدته أمه بعد فترة حمل دامت ثمانية أشهر، فتوجهت به إلى إحدى المستشفيات، بحثًا عن حضانة مزودة بجهاز تنفس صناعي ولكنها فشلت، نظرًا لعدم توافر مكان في المستشفيات العامة وحالة الطفل كانت لا تحتمل التأخير، فلجأت إلى إحدى الحضّانات الخاصة..
قال والد الطفل: طلبوا مني 600 جنيه في الليلة الواحدة وأنا لا أملك من حطام الدنيا شيئا كما أنني تداينت لولادة زوجتي، تشتت عقلي وشلت حركتي ولا أعرف ماذا أفعل كي أنقذ طفلي، الذي انتظرت قدومه كثيرًا.
وتابع الشاب في حسرة: نظرًا لعدم قدرتي علي توفير المبلغ المطلوب عدت إلى المستشفى، ورفضت الطبيبة النوباتجية استقبال الطفل، حتى تدخل المسئولون فور علمهم بالواقعة وتدخل مدير المستشفى وتم استقبال الطفل، لكنه فارق الحياة بعدها بساعات قليلة، وفتحت مديرية الصحة بمحافظة بني سويف تحقيقًا في واقعة رفض الطبيبة استلام الطفل، والتي بررت ذلك على أنه سوء تنسيق غير مقصود بين الحضانة الخاصة والمستشفى.
معلم لغة عربية: إحدى الحضانات الخاصة حاولت استنزافي
وفى واقعة مشابهة، وضعت زوجة هاني محمد، مُعلم اللغة العربية، مولودهما بنقص يستوجب الحجز في حضانة، ليتم تحويلهم إلى إحدى الحضّانات الخاصة، وقبل استقبالهم الطفلة، تم الاتفاق على مبلغ مالي مقابل حجزها، وبعد الحجز بـ5 ساعات فقط وجد ولى الأمر أن حسابه في حسابات المستشفى تضاعف.
اكتشف معلم اللغة العربية – للأسف- أنهم يريدون استنزافه، فقد كانت حالة ابنته تحتاج فقط متابعة سكر، لكنهم قاموا بزيادة بنود لا تحتاج الحالة لها، وكانوا سيجرون لها أشعة إيكو بتكلفة تفوق ثلاث أضعاف ثمنها، رغم أن الحالة لا تحتاجها، لولا معارضته إجراء هذه الآشعة.
وقال موظف حسابات الحضانة لـ هاني محمد: الوضع هنا استثمار فقط، بحيث يجتهد القائمون على الحضانة في تحقيق أقصى معدلات الربح دون النظر إلى أي شيء آخر، فكان قرار نقل الطفلة إلى حضانة أخرى، لكن ليست في مستشفى خاص، وجدت حضانات أخرى، وبنفس الاهتمام بل أفضل، ووجدنا روح الطب وليس مادية الاستثمار.
طبيبة نساء وتوليد: ارتفاع نسب احتياج الأطفال لحضّانات بمعدلات غير مسبوقة
الغريب في الأمر أنه مع زيادة تكلفة حجز طفل في حضانة ترتفع نسب الاحتياج بمعدلات غير مسبوقة، وهذا ما تفسره د. هالة سليمان، أخصائية النساء والتوليد، بأنه نتيجة طبيعية لزيادة حالات الولادة القيصرية، حيث ترتبط الحاجة إلى حضانة بالولادة القيصرية، التي لا يعلم إلى الآن الأسباب الرئيسية لزيادتها، غير استسهال السيدات وأطباء التوليد للعمليات القيصرية، خاصة وأن الصحة العامة لمعظم السيدات ضعيفة، وأصبحن لا يتحملن الولادة الطبيعية.
زيادة الولادة القيصرية، في رأى د. هالة سليمان، أدى إلى تراجع معدلات وفيات الأطفال عند الولادة، لكن تحقيق هذا الأمر يرتبط بوجود الحضانات، التي كثيرا ما تكون سببا في إصابة الأطفال المحجوزين بها بالعدوى، خصوصا مع طول فترة الحجز في هذه الحضانات، الذى قد يؤدى إلى إصابة الطفل بالالتهاب الرئوي الحاد، نتيجة نقص الأكسحين.
طبيب أطفال: علميًا يجب توفير أخصائي أطفال خلال عملية الولادة
يشترط د. عمر خالد، أخصائي الأطفال حديثي الولادة، حتى تسير الأمور في نصابها الصحيح، أن يتم توفير طبيب متخصص في الأطفال حديثي الولادة أثناء عملية الولادة خصوصا القيصرية، لكونه الأجدر على تشخيص حالة المولود، حتى يكون قرار مدى احتياجه إلى الحضانة من عدمه، ونوع الرعاية التي يحتاجها سواء في الحضانة أو دونها.
وتتضح الحالة الصحية للمولود، وفقا لـ د. عمر خالد، خلال الساعتين الأوليين له في الدنيا، وفيهما يقرر الطبيب المتخصص مدى حاجته إلى حضانة وأي نوع من الحضانات يحتاج إليها، علما أن 10% من مواليد العمليات القيصرية يحتاجون إلى حضانة، لكن الحضانة المطلوبة تختلف من حالة إلى أخرى، وما يزيد الطلب على الحضانات زيادة معدلات الولادة القيصرية، التي يفضلها بعض أطباء التوليد كونها أيسر للطبيب وتكلفتها أكبر، بما يعزز عوائد أطباء التوليد مقارنة بالولادة الطبيعية، التي تأخذ مجهودًا من الطبيب عكس القيصرية.
يحتاج الطفل في أغلب الولادات، والكلام لـ د. عمر خالد، إلى إسعافات أولية، حتى يشب معافى دون أمراض قد تصل تبعاتها في حال تجاهل هذه الإسعافات إلى الإعاقة، وأنه فوجئ ذات مرة بنزول مولود يعانى من ضيق تنفس، ويحتاج إلى إنعاش قلبي رئوي (cpr) فى أول 5 دقائق له، لأن عدم إسعافه يعنى – ببساطة- يؤدى إلى موت خلايا المخ وإصابة المولود بإعاقة عضلية حركية، قد تتطور إلى إعاقة عقلية ذهنية.
عميد طب بني سويف: مشكلة عدم كفاية الحضانات تكمن في التكلفة الباهظة لإنشائها
مشكلة عدم كفاية حضانات الأطفال، وفقا لـ د. عاطف مرسى، عميد كلية الطب بجامعة بنى سويف، تكمن في التكلفة الباهظة لإنشاء وإدارة حضانة الأطفال، حيث يتطلب الأمر تجهيز مكان وإعداده إعدادًا مناسبًا، ليس ذلك فقط ولكن أيضًا تزويده بأجهزة التنفس الصناعي.
وساعد على زيادة وطأة هذه الأزمة الزيادة السكانية بمعدلات تفوق قدرة الحكومة على زيادة أعداد الحضانات بمعدلات مماثلة، وأنه منذ 3 سنوات كان لدى مستشفى الجامعة عدد 12 حضّانة، والآن وصل العدد إلى 48 حضّانة، ومع ذلك لا تكفى للأطفال، لأن تعداد المواليد زاد خلال آخر 3 سنوات بمعدلات تفوق معدلات زيادة الحضانات.
عميد طب بني سويف: ظاهرة تزايد نسبة الأطفال المبتسرين تحتاج إلى دراسة جادة
وهناك ظاهرة، في رأي عميد طب بني سويف، تستحق الدراسة على جميع المستويات علميًا وطبيًا، وهى تزايد نسبة الأطفال المبتسرين، الذين يصلون الدنيا في احتياج شديد لرعاية خاصة في حضانة حتى يستمروا على قيد الحياة، وأنه من الضروري أن تقوم الدولة ممثلة في كليات الطب ومراكز أبحاث الوراثة بالبدء فوراء في إجراء دراسة للوقوف على سبب هذه الظاهرة، واتخاذ ما يلزم لمواجهتها.
والحل الآني في رأى د. عاطف مرسى، زيادة مخصصات المستشفيات العامة سواء الجامعية أو غيرها لتعزيز قدرتها على توفير المزيد من حضانات الأطفال بما يمكن هذه المؤسسات العلاجية من مواجهة الزيادة الكبيرة في الطلب على هذه الخدمة الطبية، وأنه لا مانع من إقرار المزيد من الحوافز لمؤسسات المجتمع المدني لزيادة دورها في هذا الأمر، بتشجيع قيام هذه المؤسسات بالتبرع للمستشفيات لإنشاء المزيد من الحضانات، أو قيام هذه المؤسسات والجمعيات بإنشاء حضانات خاصة بها على أن يتم إدارتها وفقا للمعايير الطبية.
صاحب حضانة أطفال: هذه المنشأة تحتاج لشخص فقد ضميره
أكد أحد أصحاب حضانات الأطفال المبتسرين في مدينة بني سويف رفض ذكر اسمه أن إدارة مثل هذه المنشآت الطبية يعد نوعًا من التجارة التي تحتاج لشخص فقد ضميره، وأن تحقيق الأرباح فيها أسهل وأسرع من أرباح تجارة المخدرات، وذلك بغض النظر عن كون هذا المال حلال أو حرام.
وقال صاحب حضانة الأطفال إنه بمجرد أن تنتهي من تجهيز المكان المخصص كحضانات أطفال مبتسرين يتسابق على عقد الاتفاقيات معك إعداد كبيرة من العاملين بأقسام الولادة فى المستشفيات سواء العامة منها أو الخاصة إلا من رحم ربي، سيعرض عليك خدماتهم مقابل عمولة يتم الاتفاق عليها، وتتجسد الخدمة في تسليم أكثر نسبة ممكنة من الأطفال حديثي الولادة للحجز في الحضانات الخاصة بك.
وأضاف أنه كلما زادت عمولة مركز الحضّانات للسماسرة كلما زاد الإقبال على الحضّانة بل تتعاظم الخدمة لتكون سوبر عندما تتعمق العلاقات، والخدمة السوبر تتمثل في ترشيح الحالات المعروف عن والديها القدرة علي الدفع، موضحًا أن أسعار الخدمة بالحضانات غير معلنة وأن مدير أو مالك الحضانة يمكن أن يرفع الأسعار بشكل مغالى فيه علي أن يتم إقرار نسب خصم لمن يريد.
وخلص إلى أنه بعد تشغيل الحضانة فترة وجيزة اضطر إلى إغلاقها بعد أن رفض هذه التجارة، التي تسرق المال من جيوب الغلابة دون رحمة، مؤكدًا أن غلق المكان كان الحل الأخير الذي لجأ له بعد أن فقد كل سبل تحرى الحلال والعمل بما يرضى الله تعالي، حيث تفنن هؤلاء السماسرة في تشوية سمعة مركز الحضانات خاصة أن مقابل الخدمة كانت الأقل في بني سويف، لكن الزن على الودان أمر من السحر.