سمير الفيل: لست معنيا بالجوائز وبُعدي عن القاهرة وفّر لي مناخا أهدأ للكتابة.. ومصر مظلومة ثقافيا | حوار
أعلنت دائرة الثقافة بالشارقة عن تكريم أربع شخصيات في مجال الإبداع المصري المعاصر، كان من بينهم الكاتب سمير الفيلالمقيم في محافظة دمياط، والتي لم يغادرها إلى القاهرة، وظل مرتبطا بالحراك الثقافي منها.
ولسمير الفيل إسهامات واسعة في الشعر والرواية والمسرح والنقد الأدبي والعمل الصحفي، لكن عطاءه الأوسع كان في دائرة القصة القصيرة التي أنجز فيها 21 مجموعة قصصية بين سنوات 2001، 2022.
التقينا سمير الفيل وطرحنا عليه بعض الأسئلة التي أجاب عنها في مكانه اليومي بمقهى شعبي بمدينة دمياط، حيث يكون هناك لقاء ثقافي مستمر لتجمع الكتاب والفنانين ومحبي الفن التشكيلي والموسيقى والمهتمين بجمع التراث اللامادي. هاكم تفاصيل المقابلة.
ماذا يمثل لكم تكريم الشارقة من قيمة؟
في اعتقادي أن هذا التكريم جاء نتيجة مسيرة دأب وعمل يتجاوز الخمسين عاما، فمنذ عام 1968 كتبت أول قصائدي، وفي العام التالي قدمت لرواد مقهى شعبي في مدينة دمياط لألقي قصائدي وعمري 17 عاما، من يومها بدأت تجربتي مع الكتابة التي ركزت في بداياتها على الشعر ثم المسرح بعدها خضت غمار الرواية بعمل معروف هو رجال وشظايا، وفي العام 2001 توجهت كليا للقصة القصيرة فأنجزت 21 مجموعة قصصية، أولها خوذة ونورس وحيد، وأحدثها دمى حزينة ولدي مجموعتان تحت الطبع حاليا.
من رشح الكاتب سمير الفيل للتكريم من الشارقة، واستنادًا على ماذا يكون الترشيح؟
ـ لست أعرف من بالضبط الذي رشحني للتكريم، وأتصور أن هناك لجنة متخصصة تتولى ذلك، إذ إن تكريمي جاء كمراجعة لإنتاجي الذي تجاوز أربعين كتابا في مختلف صنوف الأدب، وفي سنوات سابقة وجدت تكريما للمترجمين والشعراء ورجال المسرح.
في الدورة الحالية يوجد تنويعة محكمة: مترجم كبير، وناقد أكاديمي، وكاتبة مرموقة ثم جاء اختياري بعد فوزي بثلاث جوائز قومية مرموقة. أعتقد أن الفاعلية الثقافية والدور الذي يلعبه الكاتب في واقعه ومجتمعه هو مبرر للترشيح حيث كونت 2009 مجموعة أدباء ضد التلوث، وفي 2017 أسست مع زملاء لي مبادرة في حب نجيب محفوظ، وفي 2019 أسسنا مختبر السرديات وهو جهد أهلي يعتمد على المبادرة الفردية، والتفاهم مع مؤسسات المجتمع المدني.
كيف تعامل النقد مع كتابات الكاتب سمير الفيل سواء النقد في مجمله أو النقد الأكاديمي؟
كنت على تواصل دائم مع رجال النقد الأكاديمي فتم إلقاء الضوء على أعمالي في القاهرة، ومكتبة الإسكندرية وفي التجمعات الثقافية المرموقة مثل ورشة الزيتون، ونادي القصة، ولجان المجلس الأعلى للثقافة.
وممن قدم مساهمات نقدية من النقاد، أذكر: الدكتورة وجدان الصائغ، والدكتورة شهلا العجيلي، والدكتور مدحت الجيار، والدكتور أشرف حسن، والدكتور ياسر ثابت، والدكتور سيد محمد قطب، والدكتور حسين علي محمد، الدكتور إبراهيم منصور، ومن الأدباء كتب عن تجربتي كل من الدكتور محمد إبراهيم طه، والدكتور عيد صالح، وأنيس البياع، وعبدالتواب يوسف، وسيف بدوي، وإبراهيم حمزة، وحلمي ياسين، وفكري داود، وغيرهم. كما قدمني سيد الوكيل بشكل مستفيض في روايتي الثالثة: وميض تلك الجبهة.
وأحب أن أذكر رسالتي ماجستير أنجزتا حول أعمالي، الرسالة الأولى من كلية الدراسات العربية بالإسكندرية للباحثة هبة زغلول بعنوان عالم القصة القصيرة عند سمير الفيل. قضاياه وأدواته الفنية 2018، والرسالة الثانية بعنون البنية السردية في روايات سمير الفيل 2020 للباحثة الثانية حنان سمير الأشقر من كلية آداب دمياط، وسبق أن قدم الباحث عبدالمنعم أبوزيد رسالته للدكتوراة تحت عنوان البناء الفني في روايات الحرب في مصر من 1967 إلى 1995، دراسة تحليلية وتناول فيها خمس روايات منها رويتي رجال وشظايا، الرسالة عن كلية الدراسات الأدبية فرع الفيوم.
نعود إلى النشأة وبواكير المسيرة الأدبية للكاتب سمير الفيل.. كيف كانت البدايات؟
نشأت في أسرة فقرة بمدينة دمياط، وهبطت إلى العمل مبكرا وفي نفس الوقت دخلت المدرسة الابتدائية وقيض الله لي ولدفعتي معلما عظيما اسمه الأستاذ رفعت قطارية، كان يدرس لنا حصة القراءة بالحديقة، ويجعلنا نزرع البصل والفول في الحقل، وفي 1958 أرسلنا خطابات لجمال عبدالناصر فردّ علينا بخطاب ما زال في أوراقي، وهذا جعلني أرنو لأكون كاتبا.
في السنة التالية لهزيمة يونيو 1967 كتبت الشعر وفي السنة التالية فازت قصيدتي المطبعة بشهادة تقدير في المؤتمر الأول للأدباء الشبان المنعقد بالزقازيق 1969 وما زالت عندي شهادة التقدير بتوقيع الدكتور مفيد شهاب.
هل تعتقد أن العمل من خارج الوسط الثقافي في القاهرة كمركز للثقافة يتسبب في تأخر تكريم الأديب أو يؤثر في ظهوره على الساحة ومن ثم قلة فرص الفوز بالجوائز؟
لست معنيا بالجوائز أو التكريمات، ولم أشكُ في يوم ما بُعدي عن القاهرة، بل أتصور أن هذا البعد بالذات وفر لي مناخا مناسبا للكتابة بعيدا عن الصخب والزحام، بغض النظر عن ابتعادي عن المعارض التشكيلية والمؤتمرات الدولية، لكن دعني أخبرك أن وجودي في بيئتي الطبيعية وفر لي مظلة ثقافية آمنة، حيث يمكنني القراءة بتركيز وهدوء وهو ما جعلني أراجع أدواتي الفنية وأحدثها باستمرار.
ملامح التجريب عند سمير الفيل
حدثنا عن التجريب في أعمال الكاتب سمير الفيل؟
هذا عمل يقوم به النقاد، لكن دعني أخبرك أنني حاولت في بعض مجموعاتي القصصية أن أجرب طرائق مختلفة في السرد، ففي مجموعتي الأبواب 2013، اهتممت بالحفر بدأب عن ممكنات السرد عند عنصر محدد مثل: الحفرة، الباب، الخوذة، النوافذ، الأسقف، وهكذا.
أما في مجموعتي المعنونة اللمسات، فقد تقدمت خطوة في طريق الكتابة المتقشفة، الموجزة، بالاستغناء عن البلاغة القديمة وبكون القصة تبدو كطلقة مسدس كاتم للصوت. ترى أثرها ولا تحس بمروقها.
أما مجموعتي فك الضفيرة ففيها قسم مخصص للنصوص القصيرة التي حاولت فيها التجريب قدر الإمكان ولم أجد في نفسي القناعة لتكرار التجربة لأن ذائقتي مدربة على نصوص مشبعة، ولا ترتضي بأي أعمال مبتورة بدعوى الحداثة.
وأنا شخص قادر على الانفلات من المكائد النصية فحين أجد في كتاباتي السردية تكرارا أتوقف على الفور وأحرر مادة ما في التراث الشعبي وهو ما حققته في مدونة البيت القديم 2015، وأعود للقسم الثاني في كتاب تحت الطبع بعنوان شفشق، وفانوس وشيل العروس، أستهدف من ذلك عدم الوقوع في فخ النمط.
الكاتب سمير الفيل له مؤلفاته في أدب المقاومة.. هل تعتقد أن هذا النوع من القصص قليل في السرد العربي؟
ـ يخبرنا الدكتور جورج جحا في تقريره بوكالة أنباء رويتر، متحدثا عن تجربتي، أن ما يقدمه الكاتب هو: قصص تروى بظرف جميل، وتحسس، ولطف ودفء، نواحٍ وزويا من حياة الإنسان الجندي. ويعود ليؤكد في نفس التقرير عن مجموعة شمال.. يمين 2007 تكاد تكون هذه المجموعة من الأعمال الأدبية العربية القليلة وربما النادرة التي تتناول الحياة العسكرية لكن ربما كانت هناك مصطلحات قليلة عسكرية محلية أو أنها أصلا محلية جدا قبل أن تتعسكر؟!
وربما لهذا السبب وضع الناقد جمال سعد محمد معجما موسعا بالمصطلحات العسكرية في كتابه طاقة اللغة.. قراءة في أعمال سمير الفيل، 2000.
زمن الرواية وزمن القصة
إلى أي مدى يتفق أو يختلف الكاتب سمير الفيل مع مقولة أننا في زمن الرواية؟
لا توجد أزمنة محددة للرواية، ولا الشعر بل إنني أعتقد أن المسرح له اليد الطولى في بلدنا سواء عروضا أو نصوصا مكتوبة، بالإضافة إلى أن كُتّابا مرموقين يكتبون القصة القصيرة بإجادة وتمكن، منهم: محمد المخزنجي، محمود الورداني، سيد الوكيل، محمد إبراهيم طه، جار النبي الحلو والمرحوم سعيد الكفراوي، فكري داود، أحمد زغلول الشيطي، الدكتور أحمد الخميسي وعادل عصمت، هل يمكننا أن نسقط من الذاكرة المجموعة الأولى للغيطاني أوراق شاب عاش منذ ألف عام، أو الخطوبة لبهاء طاهر، أو بحيرة المساء لإبراهيم أصلان، أو مشروع قتل جارة لصبري موسى؟!
أودعت المكتبة العربية 21 مجموعة قصصية، أتصور أن منها مجموعات محكمة مثل جبل النرجس، حمام يطير، مكابدات الطفولة والصبا. وهناك كُتّاب غيري فعلوا نفس الشيء سأذكر منهم: محمد الراوي، سعيد سالم، فؤاد حجازي، منير عتيبة.
ما الكتب التي يحرص أن يقرأها الكاتب سمير الفيل ويعيد قراءتها بشكل دائم؟
هناك كتب عمدة، لا أكف عن قراءتها من بينها: ضرورة الفن لأرنست فيشر، الغصن الذهبي لجيمس فريزر، مصر القديمة سليم حسن، وعلى فكرة أنا مفتون جدا بالحضارة المصرية القديمة، وبسبب هذا الولع كانت أول قصة لي بعنوان في البدء كانت طيبة 1974 ونشرت وقتها بمجلة صباح الخير.
هل تعتقد أن كاتب الأقاليم مظلوم ثقافيا لبعده عن القاهرة؟
مصر كلهامظلومة ثقافيا لأسباب متعددة منها تردي التعليم وانكماش حركة التثقيف المستنير الذي استشرى في الستينيات، والمسألة نسبية فهناك عواصم مضيئة منها القاهرة والإسكندرية وإلى حد ما دمنهور ـ بسبب وجود دار الأوبرا ـ وربما الأقصر بسبب وجود بيت الشعر وجهوده، لكنني لا أحب الشكوى، والمسألة تكمن في أن تمتلك الوعي وتحوِّش مبالغ مناسبة لتزور العاصمة وتحضر كتبها كلما أمكن ذلك، هذا أفضل من اللطم على الخدود وشق الجيوب.
هل السوشيال ميديا من وجهة نظركم أضرت بالإبداع؟
سؤال صعب جدا، ولكن دعنا نفككه بشيء من الرغبة في إظهار الحقيقة. جاءت القفزات التكنولوجيا بأمراض مميتة منها اختلاط الحابل بالنابل، والادعاء، وزحمة الندوات، والإيهام بوجود نهضة ثقافية فيما أرى أننا محاصرون بالتفاهات والأكاذيب وامتلاء الساحة بأنصاف الموهوبين.
حسنا، هذه هي الجوانب السلبية في الموضوع، في مقابل ذلك هناك إتاحة الفرصة للجميع كي يكتب وهنا لابد من وجود حركة نقدية موازية تكشف الأصيل من الزائف وهي مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة.
سأضيف هنا نقطة أراها مهمة وهي ضرورة قيام الكليات المختصة بالأدب بتكليف شباب الباحثين في عمل دراسات ورسائل عنهم، وهو تقليد بدأت به جامعات محددة في المنوفية ودمياط والإسكندرية والمنيا وربما في مواقع أخرى والفضل في ذلك يرجع إلى يقظة أكاديميين كبار سأذكر من بينهم الدكاترة: السيد فضل، حسين حمودة، خيري دومة، هيثم الحاج علي، محمود الضبع، عبدالرحيم الكردي، إبراهيم منصور، مصطفى الضبع، منير فوزي، جمال التلاوي، وغيرهم.