أنا والحوار الوطني
لا شك أن الحوار شيء إيجابي، نتفق ونختلف لكن في النهاية نستطيع أن نخرج بنقاط اتفاق تساهم فى دفع عجلة الوطن للأمام، لكن وجه نظري الشخصية ينبغي أن يكون الحوار من القاعدة إلى قمة الهرم.
علينا أن نستعرض خريطة الوطن بشكل شامل ونظرة أوسع فكل فئات الشعب شركاء في وطنهم لا استثناء لأحد، طبقًا للدستور، الكل سواء أمام القانون وكلا له حقوق وعليه واجبات.
وما يهم الفلاح في الحوار عكس ما يهم المهندسين والمحامين والسياسيين، كذلك اختلاف درجات الوعي بكل قضايا الوطن بين أبناء الشعب، فلو وضعت نفسى مكان أحد أهالينا من الفلاحيين وبحثت عن أهم ما يفكر به، ستكون أمور خاصة به وليست أمور عامة، مثل مشكلة التقاوي والتسويق للمحاصيل وأسعارها وتوافر المبيدات ونقص الخدمات والتي تعمل الحكومة حاليًا على تحقيقها من خلال حياة كريمة وتوفير مدارس كافية ووحدات صحية واجتماعية ومراكز حكومية خدمية، ومراكز شباب وصرف صحي ومياه وكهرباء.
ولأنني أمثل الفلاحيين وكنت أقطن في قرية مصرية كنت دائمًا أعاتب الحكومة بسبب غض طرفها عن مشاكلنا، بل كنت أتساءل هل تعلم أن هنا مصريين يعيشون دون أي خدمات بغير اعتراض وراضون قانعون برغم سوء الأوضاع؟
وكلنا نعرف مثلا أن الصعيد ظل لسنوات تحت الإهمال الشديد وقصور كامل في الخدمات كافة وكانت نتائجه هجرة داخلية إلى المدن وما تسببه من آثار، حتى أدركت الدولة في ظل الجمهورية الجديدة ضرورة النظر إلى الطرف الغائب لعقود، وأولته العناية ودبت الحياة فيه وأقيمت مدن جديدة وصناعات جاذبة وحياة أدركها أهالينا في الصعيد تتغير للأفضل.
كما أن هناك نقابات كثيرة المفروض أن تعبر عن أصحابها مثل نقابة المحاميين والمهندسين والمعلمين والأطباء وغيرهم من النقابات والاتحادات، فعلى تلك النقابات أن لا تخرج عن نطاق ما يخصهم وما يطور أدائهم ويحسن أدائهم ورعايتهم.
ولا ننسى أن هناك فئات أخرى لا تنتمى إلى أي نقابة أو اتحاد، عليهم أن يبحثوا عن كيفية إنشاء كيان حقيقي يعبر عنهم وعن تطلعاتهم.
سيعتب عليّ البعض فيما أقول، وأن من حق الجميع أن يشارك في الحكم وأن يكون له رأى في مصير وطنه.
لا أنكر ذلك لكن لا تسير الأمور مشاعا، فأنا لست رجل اقتصاد لأرسم السياسة الاقتصادية للدولة، ولا طبيب لأعالج المرضى ولا مهندس لأخطط لبناء المدن ولا رجل سياسة يضع السياسة العامة لها، علينا أن نضع كل أمر في قدره حتى نستطيع أن نخرج من هذا الحوار بأوجه القصور وطرق العلاج حتى تتعافى مصرنا الحبيبة وننهض بها إلى رقي وتقدم.
ستقول لي أن من بين كل الفئات السابقة منضم للأحزاب السياسية ويمارس عمل سياسي إلى جانب عمله الحقيقي، وأنا أقول لك أن هذا هو عين الصواب أن لا يخلط الأمرين بعضهما البعض فلو هو طبيب عليه مناقشة ما يخص المهنة داخل النقابة وبين أروقة جدرانها ومع أرباب تلك المهنة، ولا تدخل السياسية إلا إذا احتاج إلى تشريع يضبط له ما يسعى إليه، وبذلك يكون قد نجح في عرض مشكلته وسعى إلى حلها عند من يملك الحل، فكلنا ندور في دائرة واحدة نتكامل ببعضنا البعض.
فلو كنت مريضا ستذهب إلى الطبيب، ولو أردت أن أعرف معاناه الفلاحين وأنا رجل سياسي سأحاور الفلاحين وأنزل إليهم أو تعرض نقابتهم مشاكلهم لسعى الدولة الى حلها، وتتبنى الأحزاب السياسية تلك المشاكل لأنها تعبر عن جموع المواطنين وداخل أروقتها لجان نوعية مختلفة تهتم بعرض كل تلك القضايا وتسعى إلى بلورتها خلال إجراءات وتشريع يرفع العبء عن كاهل المتضرر.
لذا علينا أن نرفع واقع حقيقي لأحوالنا، ومن حسن حظنا أن الحوار سيكون في كل المحافظات، وبالتالي ينبغي أن يتم إدراجه على خريطة التقسيم الإداري للدولة.
هناك قرى وعزب وكفور ونجوع ووحدة محلية تجمعهم، ومراكز تجمع تلك الوحدات المحلية، وأحياء ومدن ومحافظة يندرجوا تحتها.
فقاعدة الهرم ستبدأ من القرى والكفور والنجوع ومشاكلهم بالضرورة ليست مثل المدن والأحياء، كما تختلف الأنشطة الاقتصادية باختلاف الواقع الراهن داخل كل منطقة وحتى الزراعية كذلك فهناك قرى كاملة تشتهر بزراعات مختلفة عن غيرها من القرى.
وأنا أطالب أن يجتمع أبناء كل قرية لكتابة تقرير كامل عن تصورهم لنهضة قريتهم اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا ويرفعوا واقعا حقيقيا سواء لمشاكلهم واقتراح حلول نهضوية لها، والحصر يبدأ من أول عدد من يقطنون داخل حزام القرية ومساحتها وعدد المدارس والخدمات بها وحالة الكهرباء والصرف الصحي والمياه النظيفة والطرق وخلافة، وما يطمحون إليه من تغيير ويرفع إلى الوحدة المحلية بعد تجميع ملفات كل القرى التابعة لها، ثم يتم مناقشته بعد الاطلاع عليه ودراسته داخل المركز الخاص بتلك الوحدات المحلية، ونعرضه داخل أروقة المحافظة بعد وضع الألويات، كما أتمنى أن تكون كل محافظة مستقلة تسعى لزيادة مخصصاتها وأنشطتها الاقتصادية المختلفة وتحسين ظروف قاطنيها وتدخل في تحالفات واتفاقيات مع محافظات أخرى لتدعيم اقتصادها وتحسين ظروف مواطنيها.
وما يتم في القرى يكون في الأحياء والمدن حتى يصل إلى المحافظة علينا برفع واقع حقيقي لخريطة مصر.
ونقترح من خلال مناقشاتنا وحواراتنا المختلفة لتغير هذا الواقع الى الأفضل، وأن نتفق على أولويات هذا التغيير حسب التمويل وكيفية المساعدة فيه ووضع خطط زمنية لإنجازه، ونخرج من هذا الحوار بحصر نقاط القوة والضعف وكيفية العلاج.
هناك قرى تشتهر بزراعة النباتات العطرية وتصدرها مواد خام.. ماذا لو اقترحنا على الحكومة والقطاع الخاص إقامة مصنعا داخل مصر.
دمياط تشتهر بصناعة الأثاث لو بحثنا عن معوقات تلك الصناعة ورفعنا درجة الجودة واقمنا المعارض الدائمة لها والحد من الاستيراد فقد شجعنا تلك الصناعة، والتي تكون عاملا مهما من عوامل جذب العملة الصعبة، فلقد زرت في تركيا مدينة البورصة وهى مدينة متكاملة لصناعة الأثاث وأقاموا مول كبير لعرض منتجات تلك المصانع ومعارض دائمة. كذلك مدينة الشيخ غازي في صناعة الأدوات الكهربائية حي كامل عبارة عن معارض دائمة ومصانع لكل ما يخص الإضاءة.
إن أردنا توطين الصناعة المصرية فالفرصة سانحة في تلك الظروف القاسية التي يمر بها العالم، وأن نبحث عن دخول صناعات جديدة وجذب استثمارات والعمل على تطوير صناعتنا.
يجب أن نخرج ونحن على دراية كاملة بكل مواطن المرض والسعي على علاجها.
ولقد تابعت المؤتمر الاقتصادي الذي عرض فيه رئيس الوزراء، كيفية تعامل الدولة مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وما خرج عن المؤتمر من قرارات لاستقرار الدولة وتشجيع الاستثمار وإزالة المعوقات وبحث تشريعات تذلل تلك المعوقات.
ويجب على الجميع أن يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ولا يبحث عن مجد شخصي أو تصفية حسابات مع أحد.. الوطن أهم لأننا جميعا نعيش على أرضه وتظلنا سمائه.. حفظ الله مصر وشعبها وحقق نهضتها ورفعتها على يد أبنائها.