البنك وطمبوشة وبوسي والأربعين مستريح
مستريح ورا التاني عمر اللي راح ما هيرجع تاني.. ذلك هو لسان حال غالبية المصريين عندما يسمعون عن مستريح أو نصاب جديد جمع ملايين الجنيهات بزعم استثمارها وهرب بها، لكن جرت العادة دائما أن يعيش النصاب على قفا الطماع.
البداية كانت مع محافظة أسوان التي سجلت رقمًا قياسيًا لا تحسد عليه في النصابين، فما بين البنك وطمبوشة وتمولا والحصاوي ضاعت أموال أهالي الصعيد من أسوان والمحافظات المجاورة أملا في الربح السريع باستثمار أموالهم في المواشي، ولا أدري كيف وثق أهالي الصعيد في أشخاص يحملون هذه الأسماء الغريبة لتوظيف أموالهم التي تقدر بالملايين!.
النصب على المواطنين بحجة استثمار وتوظيف أموالهم لم يتوقف على مصطفى البنك وشركاه، ولا حتى محافظات الصعيد وحدها، وإنما امتد إلى المحافظات المجاورة: الجيزة والقاهرة والشرقية والدقهلية والإسماعيلية والغربية، حتى الجنس الناعم سطرن أسمائهن في هذه الظاهرة التي لن تنتهي، ففي محافظة الشرقية استطاعت نصابة جديدة تدعى بوسي تعمل مُدرّسة بمرحلة رياض الأطفال جمع 50 مليون جنيه من ضحاياها لتوظيفها وتعظيم أرباحها، ومع مماطلة بوسي في تسديد أرباح ضحاياها ترددوا عليها في المدرسة التي تعمل بها، ومع إثارة الشكوك حولها وبعد بلاغات ضدها تمكنت قوات الأمن بالشرقية من القبض عليها.
المنيا وحدها استطاع نصاب واحد بمعاونة 46 آخرين من رفاقه المستريحين أن يجمعوا 1.5 مليار جنيه من ضحاياهم بزعم استثمارها في الرخام والجرانيت، وعاقبته المحكمة بالسجن المشدد 15 عاما وألزمته برد المبالغ التي جمعها من ضحاياه وتغريمه 10 ملايين جنيه، كما أصدرت أحكاما بالسجن تتراوح بين عام و3 أعوام لباقي المتهمين.
أساليب النصب على المواطنين في محافظات الصعيد والوجه البحري تعددت بين توظيف الأموال في المواشي وتجارة الموبايلات ومستحضرات التجميل، والأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية والأدوية، ومساعدة الشباب في السفر للخارج، ولا أعلم كيف أقنع هؤلاء النصابون ضحاياهم باستثمار هذه الأموال التي تقدر بالمليارات في هذه الأنشطة، رغم حالة الكساد والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها دول العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة كورونا التي لم تتعافَ الدول من تبعاتها بعد؟!.
دار الإفتاء أفتت بجواز استثمار الأموال في البنوك، واستندت إلى أكثر من دليل إلى جواز هذا النوع من المعاملات، وأوضحت أنه لا يمثل أي نوع من الربا على الإطلاق، ومن قبل الإفتاء شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي -رحمه الله- الذي قال منذ أكثر من 20 عاما إن استثمارها في البنوك أفضل من وضعها في يد شخص غير موثوق بأمانته، حتى وإن كان هناك خلاف في هذه المسألة بين العلماء فإن القاعدة الفقهية تقول لا إنكار فيما هو مختلف فيه، أي يجوز لك أن تأخذ بالرأيين، وهنا تتجلى قيمة وعظمة الاختلاف بين الأئمة الذي هو في الأساس رحمة بالأمة، ولما انتشر الفكر المتشدد الذي لا يؤمن أصحابه بهذا الاختلاف الفقهي على مدى 4 عقود، كانت النتيجة ظهور هؤلاء المستريحين.
لا أريد أن أحمل أصحاب الفكر المتشدد وحدهم مسؤولية انتشار ظاهرة المستريحين، لأن الطمع في الأساس هو غريزة إنسانية، وهناك أشخاص مهما بلغ حجم ثرواتهم لا يقنعون ولا يشبعون، فقد روى سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: أن رسول الله ﷺ قال: لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.