السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مأساة الطاروطي الصغير

الأربعاء 11/مايو/2022 - 03:36 م

ضجة كبيرة أثارها القارئ الإذاعي محمد علي الطاروطي بعد تلاوته لقرآن فجر السبت الماضي، بسبب أخطاء تتعلق بأحكام التجويد والأداء الصوتي، ورغم حداثة عهد الشقيق الأصغر للقارئ عبد الفتاح الطاروطي بالإذاعة، إلا أنه استطاع أن يلفت الأنظار إليه لا لعذوبة صوته أو لدقة أحكامه ولا لروعة أدائه أو غزارة حصيلته النغمية، وإنما لتكرار أخطائه ورتابة أدائه الذي لا يناسب جلال ووقار أثير محطة إذاعية عريقة بحجم إذاعة القرآن الكريم.

 

 الطاروطي الصغير كان يتلو ما تيسر من سورة يوسف، ورغم أن تسجيلات الفجر المباشرة غالبا ما يتاح فيها للقارئ التلاوة من المصحف، إلا أنه وقع في أخطاء كارثية من ضمنها أخطاء في أحكام النون الساكنة والتنوين، وأخطاء تتعلق بالتشكيل والضبط عندما أخطأ في تلاوة الآية الكريمة: فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن، وقرأها: فلما رأيناه أكبرنه وقطعن أيديهن، بالإضافة إلى أخطاء بالغة في الأداء تتمثل في رعشة الصوت وعدم الالتزام بالقفلات والنغم المتعارف عليه إذاعيا، وغيرها من الأخطاء التي تكررت في التلاوة التي لم تتجاوز مدتها 20 دقيقة!. 

 

اعتذار الشيخ محمد علي الطاروطي وتعليله لخطأه بأن القرآن غالب لا مغلوب، هو اعتذار غير مقبول لسببين، أولهما أنه في الغالب كان يقرأ من المصحف، وكان أمامه وقت كافٍ للتحضير والتجهيز للتلاوة، والثاني أن الخطأ يدل على عدم ملائمة صوت الشيخ للتلاوة أمام ميكروفون الإذاعة من الأساس، وليس هذا بقدح أو عيب فيه، ولكنه بالتأكيد يعيب ويقدح في اللجنة التي اختارته وتركت عشرات بل مئات الأصوات الأفضل والأندى والأعذب، فالطاروطي ليس أعظم من الشيخ صديق المنشاوي والد القارئ الكبير الراحل محمد صديق المنشاوي، الذي رفضته الإذاعة بسبب أن لجنة القبول وقتها رأت أن صوته لا يلائم الإذاعة، وبالرغم من ذلك قبلت نجليه الشيخ محمد صديق المنشاوي -رغم التشابه الكبير بين الصوتين-، والشيخ محمود صديق المنشاوي، وليس الطاروطي أعظم من القراء الكثيرين الذين لم تقبلهم الإذاعة من أول مرة، ومنهم من رسبوا أكثر من 6 مرات حتى اعتمدوا رسميا في الإذاعة. لا أريد أن أُحَمّل الطاروطي الصغير أخطاء كارثية تحدث في هذا النوع من التلاوات الإذاعية، التي يتابعها الملايين من المصريين وغيرهم من دول العالم، أو بمعنى أصح ليس الطاروطي وحده الذي ينبغي أن يحاسب على المشاريب، فهناك قراء آخرين لهم أسماء لامعة وشعبية طاغية في دولة التلاوة سواء كانوا إذاعيين أو نقابيين أو حتى من غير النقابيين يقعون في أخطاء أكبر وأفدح وأعظم، ومواقع التواصل الاجتماعي تعج بتلاوات يشيب لها الولدان، من بشاعتها واعتماد أصحابها على نغمات شعبية وسوقية لا تتناسب وعظمة ووقار القرآن، وبعض المطيباتية المأجورين الذين يريدون تنجيم قارئهم بطريقة أقل ما يقال عنها أنها تسئ للقرآن الكريم. 

 

مأساة القراء المصريين وخاصة الإذاعيين وصلت لدول العالم، وهو ما أكده لي المحكم الدولي والقارئ الإذاعي الكبير الشيخ عبد الناصر حرك، خلال حوار أجريته معه العام الماضي، وقال لي نصا: الفضايح وصلت برة يا أستاذ محمود.. لما بسافر برة، وأنا رحت 43 دولة بيقولولي هو ليه مستوى التلاوة عندكم في مصر وصل لهذه الدرجة.. وللأسف زي ما كانوا بيقلدوا القراء الكبار زمان، دلوقتي بيقلدونا في الخطأ، ودي كارثة كبيرة جدا بعد ما كنا قبلة العالم في تلاوة القرآن الكريم، حتى النقابة اللي المفروض تحاسب القراء داخل مجلس إدارتها أكثر من 4 قراء مخالفين، لكنه لم يذكر لي أسماء، ورغم معرفتي بأسماء معظم هؤلاء القراء المخالفين إلا أنني أيضا لا أود أن أذكر أسماء، لأن الغاية هي معالجة الأخطاء والعودة بإذاعة القرآن إلى سابق عهدها ومجدها، وليس التجريح أو محاربة قراء كتاب الله. 

 

الشيخ محمد صالح حشاد، نقيب القراء، اشتكيت إليه أكثر من مرة من بعض القراء المخالفين، وكان رده أنه يتم التحقيق معهم، وعندما سألته لماذا لا نرى رد فعل قوي من النقابة في مواجهة هذه الأخطاء خاصة من القراء غير النقابيين والدخلاء على دولة التلاوة وغير المؤهلين، كان رده أن النقابة لا تملك سلطة المنع، لكنها عرضت مشروعا على مجلس النواب بمنحها حق الضبطية القضائية لمنع القراء المخالفين ومحاسبتهم أسوة بنقابة الموسيقيين وفي انتظار الموافقة عليه. 

 

إن تلاوة القرآن الكريم شرف لا يضاهيه شرف، فقد قال الله عز وجل في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (سورة فاطر 29)، وقال جل شأنه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (سورة فاطر:32)، لذلك ينبغي على نقابة القراء وإذاعة القرآن الكريم أن يختاروا بعناية من يستحق هذا الشرف، وأن ينحوا المجاملات والمحسوبية جانبا، وأن يعطوا الفرصة للمواهب والأصوات التي تستحق هذا الشرف، فمصر مليئة بمئات بل آلاف الأصوات المؤهلة في المحافظات والقرى والنجوع يستحقون هذا الشرف، تنقصهم فقط الفرصة.

تابع مواقعنا