السفير الصيني بالقاهرة: نعارض صب الزيت فوق النار وتكثيف الصراع.. والشعوب لا يجب أن تدفع فواتير الصراعات الجيوسياسية | حوار
تحدث لياو ليتشيانج، عن مدى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي ومدى خطورة الموقف.
وتناول ليتشيانج، في حواره لـ القاهرة 24، العلاقات الصينية - الأمريكية، ورد الصين على الولايات المتحدة بشأن مسألة تايوان.
وإلى نص الحوار..
س / الأزمة الروسية الأوكرانية مستمرة منذ ما يقرب من شهرين، كيف ترى الصين طريق حل الأزمة؟
ج/ إن الأسباب وراء ما وصلت إليه الأوضاع الأوكرانية اليوم معقدة ومتشابكة، وموقف الصين الأساسي من القضية الأوكرانية هو بذل المساعي الحميدة ودفع المفاوضات. لقد طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ "الضرورات الأربع"، أي ضرورة احترام السيادة وسلامة الأراضي لجميع الدول، وضرورة الالتزام بجميع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وضرورة الاهتمام بالشواغل الأمنية المعقولة للدول كافة، وضرورة دعم جميع الجهود التي تُسهم في حل الأزمة سلميًا، وهذا قد يكشف بوضوح موقف الصين الرسمي بشأن القضية الأوكرانية، وهو يمثل توجيهنا المهم لمواجهة التحديات الحالية، والحفاظ على السلام ومعارضة الحرب من التقاليد التاريخية والثقافية للصين وهي سياستنا الخارجية الثابتة. فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، لا تسعى الصين إلى تحقيق مصالح ذاتية جيوسياسية، ولن تقوم بأعمال إشعال للموقف؛ هناك هدف واحد نتطلع إليه بصدق، وهو السلام!
يرى الجانب الصيني أولا أن تلتزم الصين بالاتجاه الصحيح لتعزيز محادثات السلام، وتصر الصين على أن الحوار والتفاوض هما الحلان الوحيدان، وتعارض صب الزيت فوق النار وتكثيف الصراع، وتدعو إلى وقف إطلاق النار وتدعم المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا. ويتعين على المجتمع الدولي مواصلة تهيئة الظروف الملائمة والبيئة المواتية للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا وإفساح المجال للتسوية السياسية. تواجه المفاوضات الحالية تقلبات وتحولات وصعوبات، ولكن ما دام استمرت المفاوضات، نحن على ثقة في أنه ستكون هناك إمكانية لوقف إطلاق النار وتحقيق أمل السلام.
ثانيا: تصر الصين على ضرورة منع العودة إلى عقلية الحرب الباردة. إن الصين لا توافق على المواجهة بين المعسكرات، ما يعني أن تكون مختلف الدول إما أصدقاء وإما أعداء. وبدلا من ذلك، تلتزم الصين بدفع التضامن الدولي، والدعوة إلى مفهوم الأمن المشترك والتعاوني والشامل والمستدام، مع احترام ومعالجة الشواغل المشروعة لجميع الأطراف، والرفض المشترك لإحياء عقلية الكتل المتنافسة ومعارضة المحاولات الرامية إلى حرب باردة جديدة، وذلك بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.
ثالثًا: تدعم الصين الجهود للدفاع عن الحقوق والمصالح المشروعة لجميع الدول. تعارض الصين العقوبات الأحادية الجانب التي تنتهك القانون الدولي، وتدعو إلى حماية سلاسل التصنيع والإمداد الدولية لتجنب الإضرار بالتبادلات الاقتصادية والتجارية العادية وحياة الناس. يجب التعامل مع أزمة أوكرانيا بشكل صحيح، وينبغي للمرء ألا يأخذ الدواء الخطأ، وألا يركز على جانب واحد فقط من القضية دون النظر إلى البقية، وألا يجعل العالم بأسره رهينة، ناهيك عن التسبب في معاناة الأشخاص العاديين في جميع أنحاء العالم نتيجة لذلك.
لقد أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ عدة مكالمات هاتفية مع قادة مختلف البلدان وشرح بشكل شامل موقف الصين المبدئي بشأن قضية أوكرانيا. قدم الجانب الصيني موقفًا من خمس نقاط واقتراحًا من ست نقاط للتخفيف من الأزمة الإنسانية، إننا نسعى إلى أن يسهم الصوت الصيني والحكمة الصينية في نزع فتيل الأزمة وتخفيف الوضع. وقد أجرى مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يى تبادلات مكثفة مع وزراء الخارجية حول القضية الأوكرانية. وأعربت جميع الأطراف عن تفهمها لموقف الصين وأدلت بتعليقات إيجابية حول دور الصين.
بالإضافة إلى ذلك، تقدم الصين المساعدات الإنسانية لأوكرانيا والبلدان المتضررة الأخرى، فقدمت جمعية الصليب الأحمر الصينية حتى الآن ثلاث دفعات من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، من بينها الدفعة الثالثة من الإمدادات تركز على مساعدة الصليب الأحمر الأوكراني لمساعدة الأطفال النازحين المتضررين من النزاع. كما قررت الحكومة الصينية تزويد أوكرانيا بدفعة أخرى من المساعدات الإنسانية بقيمة 10 ملايين يوان. تلك المساعدة الإنسانية الصينية المضافة حديثًا إلى أوكرانيا هي بسبب تطور الوضع والاحتياجات الفعلية هناك. ستواصل الصين لعب دور بناء في تهدئة الوضع في أوكرانيا وهي على استعداد لبذل جهودها الخاصة للتغلب على الأزمة الإنسانية.
س / مصر تتابع عن كثب تطورات الوضع بين روسيا وأوكرانيا، كما تلعب مصر دورًا فاعلًا في تعزيز السلام والمحادثات، ما رأيك في ذلك؟
ج/ تتطور الأزمة الأوكرانية إلى ما هو أبعد من نفسها، مع انتشار آثارها في جميع أنحاء العالم. فيما يتعلق بهذه القضية، فإن معظم الدول، بما في ذلك الصين ودول نامية أخرى، لديها مخاوف مشروعة ومواقف مماثلة.
يعتقد الجميع بشكل عام أن: أولًا، التعامل مع القضايا الساخنة الدولية والإقليمية ليست الحرب أو العقوبات هما الخيار الوحيد، فالحوار التفاوض هما الحلان الأساسيان، وفي ظل الوضع الحالي يجب أن نتمسك بهذا الاتجاه. ثانيًا، لا ينبغي تقويض زخم الانتعاش الاقتصادي العالمي. ستؤدي العقوبات الأحادية المتصاعدة إلى كسر السلسلة الصناعية وسلسلة التوريد العالمية، مما سيؤثر على حياة الناس في مختلف البلدان. إن شعوب جميع البلدان ليست مسؤولة عن دفع فواتير الصراعات الجيوسياسية وألعاب القوى العظمى. ثالثًا، لكل الدول الحق في تقرير سياساتها الخارجية بشكل مستقل ولا ينبغي إجبارها على الانحياز إلى أحد الجانبين. عند التعامل مع القضايا المعقدة ووجهات النظر المتباينة، لا يتعين على أحد أن يختار النهج المفرط في التبسيط المتمثل في تقسيم الأطراف والمواقف إلى “صديق أو عدو" و"أبيض أو أسود"؛ ومن المهم على نحو خاص مقاومة عقلية الحرب الباردة ومعارضة المواجهة بين الكُتل. رابعا، يجب احترام الاستقلال السيادي وسلامة أراضي جميع البلدان في جميع الأوقات. يجب أن يطبق هذا المبدأ على جميع الدول والمناطق، ولا ينبغي أن يكون هناك استثناءات، ناهيك عن الأخذ بمعايير مزدوجة.
لقد لاحظت أن الرئيس السيسي تحدث إلى قادة الدول المعنية وأكد مرارًا على ضرورة حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا من خلال الحوار والدبلوماسية، الأمر الذي لعب دورًا إيجابيًا في دفع السلام وتعزيز المحادثات. كما تابعت الزيارة التي كانت بقيادة الأمين العام أبو الغيط لوفد مجموعة الاتصال التابعة لجامعة الدول العربية بشأن أوكرانيا، والتي منبينها مصر، إلى روسيا وبولندا. حيث أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري عن قلق الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية من الوضع الإنساني الراهن في مناطق الصراع والتأثير السلبي للصراع على الاقتصاد العالمي بما في ذلك الطاقة والغذاء وأعرب عن امله في إنهاء المواجهات العسكرية في أسرع وقت ممكن والتوصل إلى حل سلمي.
س / هل يمكنك التعليق على الوضع الحالي للعلاقات الصينية الأمريكية؟
ج/ منذ عام 2021، عقد الرئيس الصيني شي جينبينغ اجتماعين بالفيديو ومكالمتين هاتفيتين مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، كما أجرى الجانبان حوارات وتبادلات على مختلف المستويات. في مكالمة عبر الفيديو بين الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس بايدن في مارس من هذا العام، أكد الرئيس بايدن مجددا أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى "حرب باردة جديدة" مع الصين، ولا تسعى إلى تغيير النظام في الصين، وإن تنشيط تحالفاتها لا يستهدف الصين، ولا تدعم الولايات المتحدة "استقلال تايوان"، وليست لديها نية للسعي إلى صراع مع الصين. إن الجانب الأمريكي على استعداد لإجراء حوار صريح مع الجانب الصيني والقيام بتعاون أوثق معه، والتمسك بسياسة الصين الواحدة، وإدارة الخلافات والسيطرة عليها بشكل فعاّل، بما يضمن التطور المستقر للعلاقات الأمريكية الصينية.
ومن جانبه أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ أنه يهتم بتصريحات الرئيس بايدن اهتماما بالغا. أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ أنه والسيد الرئيس يشاركان الرأي بشأن ضرورة الاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الصين والولايات المتحدة وتجنب المواجهة، وضرورة زيادة التواصل والحوار بين الجانبين على كافة المستويات وفي كافة المجالات. باعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي وأكبر اقتصادين في العالم، عليهما أن يقودا تطور العلاقات الصينية الأمريكية إلى الأمام في مسارها الصحيح، ليس هذا فحسب، بل أيضا عليهما أن يتحملا المسؤولية الدولية المطلوبة ويبذلا جهودا من أجل السلام والأمن في العالم.
يرى الجانب الصيني أن المنافسة بين الدول الكبرى لا تمثل عنوان العصر، وأن اللعبة الصفرية المحصلة ليست الخيار الصحيح. في عصر العولمة الذي يعتمد فيه الجميع على بعضهم البعض، يعتبر إيجاد الطريق الصحيح للتعامل فيما بين الصين والولايات المتحدة وهما دولتان كبيرتان، موضوعا لم يسبق له مثيل في المجتمع البشري، كما هو جاء بمثابة معادلة رياضية لا بد للبلدين من حلها بشكل مشترك. توجد خلافات بين الصين والولايات المتحدة في الماضي والحاضر، وستكون بينهما خلافات في المستقبل أيضا. المهم هو إدارة الخلافات والسيطرة عليها. من مصلحة الجانبين أن تبقى العلاقات الصينية الأمريكية على تطور مستقر.
كيف تعاملت الصين مع الولايات المتحدة بشأن مسألة تايوان؟
فيما يتعلق بمسألة تايوان، أود أن أؤكد أنه لا يوجد في العالم سوى صين واحدة، وتايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين. مسألة تايوان هي من توابع الحرب الأهلية في الصين. إن كيفية حل مسألة تايوان شأن داخلي للصين، ولا يحق لأي دولة أجنبية التدخل. وأريد التأكيد على أن تصميم وإرادة الشعب الصيني على حماية سيادته ووحدة أراضيه لا يتزعزعان. نحن على استعداد للسعي من أجل إعادة التوحيد بشكل سلمي، لكننا نحتفظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد تدخل القوى الخارجية والقلة القليلة جدًا من حركة "استقلال تايوان" وأنشطتهم الانفصالية.
لقد اعترف الجانب الأمريكي بوضوح في البيانات الثلاثة المشتركة بين الصين والولايات المتحدة بأن هناك صينًا واحدة فقط. إن مبدأ صين واحدة هو أساس إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، وهو أيضًا الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية. حول مسألة تايوان، تعهدت الحكومة الأمريكية الحالية أيضًا بالالتزام بسياسة صين واحدة وعدم دعم "استقلال تايوان"، ولكن من الواضحأن أفعالها تتعارض مع بيانها. ففي الآونة الأخيرة، هناك تقارير إعلامية تفيد بأن رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي تخطط لزيارة تايوان. إذا زارت بيلوسي تايوان عن قصد، سيكون ذلك استفزازًا خبيثًا ضد سيادة الصين وتدخلًا صارخًا في الشؤون الداخلية لها، وسيرسل ذلك إشارة سياسية خطيرة للغاية إلى العالم الخارجي. فيما يتعلق بقضية أوكرانيا، تحث الولايات المتحدة على احترام سيادة ووحدة وسلامة أراضي أي بلد، ولكن فيما يتعلق بمسألة تايوان، فإنها تدهس بشكل صريح على الخط الأحمر لمبدأ صين واحدة، وهو معيار مزدوج صارخ. تعارض الصين ذلك بشدة وقدمت احتجاج شديد اللهجة للولايات المتحدة.