الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

حِكمة الصيام في الديانات السماوية ومقصدها في رِحاب حديث وآية (1-2)

الخميس 31/مارس/2022 - 08:09 م

أورد ابن حبان في كتاب الرقائق حديثا وخرجه على النحو التالي، أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو معمر قال: حدثنا حفص بن غياث عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: آمين آمين آمين. قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين. قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين.

وابن حبان هو ذاته أبو يعلى، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي الموصلي، محدث الموصل، وصاحب المسند والمعجم.

ولد في 3 شوال سنة 210 هـ، وهو أكبر سنا من المحدث الأشهر والأقرب زمنا منه، النسائي، بنحو 5 سنوات، وهو أعلى إسنادا منه، كما أخرج الحديث ذاته بلفظ مختلف البزار والطبراني في مسنديهما.

وربما يلحظ القارئ الكريم عدة مواطن وإشارات هنا في الحديث، منها:

- إذا أمر الله الروح الأمين بالنزول به على النبي، وذاك أول تشريف، إذا ينزل الروح الأمين جبريل -عليه السلام- كما يعرف قارئنا في كل خَطبٍ جَلل، وقرآن يتلى، وعظائم الأمور وأقدسها، تارة تفسيرًا وتارة تبيانًا وتارة حكمًا وتارة هداية وهي أهداف متماثلة تدور مع بعضها البعض قصدًا وغاية.

- أن موطن التأمين على الدعاء وزمانه قدرهما المولى عز وجل ليؤهل له -الدعاء- أسباب الاستجابة، فكان من روح أمين على منبر وربما كان وقت جمعة، ليؤمِّن عليه نبيٌ الله الخاتم، بعدما قدَّر الله ديمومة استجابة دعوته رفعة لمكانته وقدره وتصديقًا لما أرسل به.

- وكما يعي القارئ أن التأمين وترًا أو ذكرًا وسردًا من النبي الخاتم أيضًا يأتي تعقيبا على كبريات الأحداث.

كما يعرج الحديث على قضايا عقدية مفصلية ومُبينة لحال كثيرين، وهو حديث قُدسي، لفظه أنزله المولى، وثبّت الحديث حكمًا على النماذج الثلاثة التي أوردها برغم أنوفهم، كناية عن الخسران والذل، بل وأوضح في غير لفظ برواة وأسانيد مختلفة أن الطرد والبعد عن الله كان تاليا لفضل الله الموهوب بإدراك رمضان أو الوالدين أو سماع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أعرض يُعرض عنه ومن تَرك عوقب بالحرمان.

أيضا يعرف القارئ الكريم بالطبع كما لا بأس به من الأحاديث التي تدور قصدا نحو قيمة رمضان وأثره الروحي دنيويا وأخرويا على المسلم، ومنزلته كركن رصين من أركان الإسلام، فهو شرعة من قبلنا، ورابع أركاننا، فسر أحكامه وأحواله ورُخصه وما حواه النبي الخاتم، مع وعد الحق بغفران ذنب كل من أدرك منه شيئا، صيامًا وقيامًا، نيةً وفعلا.

كما ربط المتن بين العبادة وبر الوالدين، كما ورد ذاك في غير موضع من القرآن والسنة، تبيانا لقيمة وأهمية عبادة الصيام.

حتى أن الحق أورد بعدما قضى بالرُّخَص لغير القادر قوله:  "فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، ونعت  الفعل بـ "خير"  في النافلة نكرة لتعظيمها، وأقر أمرًا وحقيقة أزلية شاملة -وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ- وأخفى حكمة للعبادة -إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ-.

يبقى لدينا هنا أن نستعرض سريعًا الصوم في الديانتين اليهودية والمسيحية، ونقف على الضوابط الأهم بهما، ونختم بالتعريج على شِرعة الصيام في الإسلام، ونكتفي هنا تعرف بـ "الديانات السماوية أو الإبراهيمية" تفاديا للتشتيت.

الصوم في اليهودية

تعد الديانة اليهودية أولى الديانات الإبراهيمية، وحسب التوراة عند اليهود، فالصوم مفروض فقط في يوم كيبور «الغفران»، وهو اليوم الذي نزل فيه كليم الله موسى من سيناء للمرة الثانية، ومعه ألواح الشريعة، ويستمر يوم الغفران مدة 26 ساعة ويُصنف كأقدس أيام الأعياد والشعائر الدينية اليهودية.

والصوم وصية منذ العهد القديم «اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي، ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلّم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلا لماذا يقولون بين الشعوب اين الههم» يؤ15:2-17 «اعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلوات أمام الرب» يهو 4: 12 

ينأى أتباع اليهودية في ذاك اليوم عن الملذات والأمور الدنيوية ويكرسونه للعبادة ومحاسبة الذات، وغيرها من الأمور الروحية والتعبّدية.

ويصوم الناس مع غروب شمس اليوم الذي يسبق كيبور، حتى حلول الظلام في اليوم التالي (يوم الغفران)؛ تقربا إلى الله ليغفر لهم ذنوبهم وخطاياهم.

أما المتدينون والأصوليون اليهود، فيذهبون إلى حائط البراق بالقدس المحتلة (حائط المبكى)، جنوبي الأقصى، يصلون، ويمهدون ليوم الغفران.

ومن بين القواعد الراسخة التي يتبعها اليهود في تعبّدهم، أنه لا صوم أيام السبت، أو في أيام المهرجانات أو الاحتفالات الدينية، أما يوم الغفران فهو استثناء من هذه القواعد، ولا صوم في شهر أبريل أو للمرضى أو للحوامل.

وهناك تفسيرات حديثة لليهودية، توجب على الحاخام أو المعلم أو رجل الأمن أو المسؤولين من أصحاب القرارات، عدم الصوم كي لا يتأثر أداؤهم بواجباتهم.

كما أن هناك صوما آخر غير ملزم وهو اختياري كمن يصوم لنيل مراده أو للتكفير عن خطاياه أو لطلب الرحمة من الرب أو الشكر على نعمة أو غيرها من الأسباب التي لا تستلزم الإعلان عنها من قبل الصائم.

الصوم في الديانة المسيحية

أما الصوم لدى المسيحيين كباقي الديانات، فهدفه التقرب إلى الله طلبا للمغفرة، وعادة ما تجتمع الصلاة مع الصيام لمن يلتزم به.

وللصّوم مكانة كبيرة لدى المسيحيين، فهو ارتباط روحي بالمسيح والتزام منهم بتعاليمه منذ نشأته حتى ظهوره ثانيةً كدليل راسخ على الإيمان به.

لم يحدد الإنجيل أوقاتا أو شهورًا ثابتة للصيام، بل تقوم كل طائفة أو كنيسة بتحديد موعد الصوم لأتباعها. ولا توجد طريقة أو أوقات محددة للصوم يتبعها المسيحيون في مختلف أنحاء العالم، بل هناك اختلافات بين الطوائف المسيحية.

ويقتصر تحديد موعد الصوم على الكنيسة، وبكون قبل عيد الفصح بأربعين يوما، وحسب تقاليد كل كنسية ومعتقدها.

ويمتنع المسيحيون عن تناول الطعام مدة اثنتي عشرة ساعة في اليوم على الأقل، من بداية اليوم وحتى انقضاء المدة، وهذه ليست قاعدة ثابتة، فهناك مسيحيون يصومون وقتًا أطول.

كما أن هناك صومًا خاصا للأفراد، وهناك صيامًا جماعيا تصومه الكنيسة كلها بأتباعها، لقد صام المسيح لنتعلم من ونتبع خطواته لهذا نصوم الأربعين المقدسة كل عام والأربعاء والجمعة من أيام الأسبوع منذ العصر الرسولي «وانتخبا لهم قسوسا في كل كنيسة ثم صليا باصوام واستودعهم للرب الذي كانوا قد امنوا به» (اع 14: 23). وكما قال بولس القديس «في أتعاب في أسهار في أصوام}(2كو 6: 5). 

كما يصوم المسيحيون صوم الميلاد؛ استعدادًا لتلك المناسبة، كما صام موسي النبى قديمًا أربعين يوما ليستقبل لوحي العهد. بالإضافة إلى الصوم الشهير بصوم العذراء الذى صامه المتبتلون أولا ثم عامة الشعب ورأينا مثالا له فى الانجيل «وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط أشير وهي متقدمة في أيام كثيرة قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. وهي أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلا ونهارا» لو36:2-38.

أيضا اهتم المسيح عليه الصلاة والسلام بتعليم تلاميذه والحرص على ظرف وحالة الصائم «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما» مت 16:6-18. لأنه لا نفع للإحسان الذي يطبَّل له، ولا ثمر للصوم الذي يشهّر أمام الناس، أي كل ما يقوم به الإنسان بغية التظاهر أمام الآخرين لا ينفذ إلى الدهر -غير مأجور عليه- ولا يتخطى حدّه مدح الناس. فالصوم هبة قديمة العهد لا تشيخ، بل تتجدد وتزهر على الدوام…. يتبع

وفي الجزء الثاني والأخير من المقال المُقبل غدًا إن شاء الله، أجتهد للربط بين المواطن الأهم والغايات من الصيام في كل ديانة، وما المقال الحالي أو ما يتبعه خلال رمضان سوى محاولة لجمع الأهم وكلام المتقدمين وتنظيمه وطرحه للقارئ مجددًا، لعله يكون مفيدًا وعلى الله قصد السبيل، وله الحمد والمنة والفضل، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

تابع مواقعنا