السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مفتي الجمهورية: قضية التراث عانت من ظلم فريقين لم يرتقيا إلى فهم المضامين الفكرية والحضارية له

الدكتور شوقي علام
دين وفتوى
الدكتور شوقي علام
الثلاثاء 22/مارس/2022 - 01:24 م

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إن قضية التراث الإسلامي والمحافظة عليه؛ من القضايا الهامة التي عُني بها علماء الأمة الإسلامية وقادة الرأي وأئمة الفكر، وقد اجتمعت كلمة العلماء والأئمة وعقلاء الأمة، على أن تراثنا الفكري والحضاري؛ ثروة عظيمة ينبغي أن نحافظ عليها، وأن نستفيد منها، ونعمل على إحياء تلك القيم الحضارية التي ورثناها عن أسلافنا العظماء في شتى المجالات الفكرية والعلمية والعملية.

 

مفتي الجمهورية: قضية التراث عانت من ظلم فريقين

وأضاف علام، أن قضية التراث عانت من ظلم فريقين؛ أحسب أنهما لم يرتقيا إلى فهم المضامين الفكرية والحضارية والقيم النبيلة التي لم نهتدِ إليها، إلَّا من خلال فَهمنا واستيعابنا لقيم تراثنا الفكري والحضاري.

جاء ذلك في كلمته اليوم، بالمؤتمر العلمي الدولي الثالث الذي تنظِّمه كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، والذي يتناول من خلال العديد من الأبحاث الجادة قضايا التراث العربي والحضاري والتحديات والآمال.

وأوضح فضيلة المفتي، أن الفرقة الأولى في فهم التراث هي فرقة الجامدين على ظاهر التراث؛ الذين تعاملوا مع التراث باعتباره نصوصًا حرفية جامدة، ولم تسعفهم قواهم النفسية والروحية على تقبل فكرة التجديد، والتجديد في ذاته، هو قيمة تراثية في المقام الأول، وأول من حثنا على التجديد، هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستشهد فضيلته، بما روى أبو داود في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدِّد لها دينها، لافتًا إلى أن هؤلاء الذين ظنُّوا أنَّ التجديد قيمة مغايرة أو مناقضة للتراث؛ لم يفطنوا إلى أن علماء الأمة المحمدية، وفيهم مَن لا يحصون مِن المجتهدين والمجددين، قد استفادوا ممَّا وضعه العرب الأوائل من أفكار حول توثيق الأخبار وروايات الشعر العربي الجاهلي، وطوَّروا كثيرًا من آليات توثيق النص النبوي، بما يتناسب مع قدسية وجلالة أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بما تحملها من قيم تشريعية إلى الناس أجمعين، فأدخلوا معايير جديدة من الجرح والتعديل، وأحوال الرواة، وعلوم البلدان ورحلات الرواة، وأحوال الراوي الواحد، من حيث الاختلاط وعدمه، وطوَّروا من عِلم الأنساب الذي كان معروفًا عند العرب حتى أصبح أكثر دقةً وشمولًا واتساعًا، حتى تكوَّن من جهود علماء الحديث على تنوُّع علومهم، واتِّساع فنونهم أعظم ما توصَّلت إليه البشرية من معايير علمية دقيقة لتوثيق النص، والحفاظ عليه من شوائب الدسِّ والتحريف.

وتابع فضيلته قائلًا: علماء أصول الفقه أعملوا آلة التجديد التي حثَّنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأضافوا إلى جهود السادة المحدِّثين جهودًا أخرى كريمة في مجال فهم النص الشرعي كتابًا وسنَّة، وطوَّروا مِن علوم اللغة والفقه والأحكام قواعد جديدة تُعين المجتهدَ على استخراج خفايا ومقاصد النص الشرعي بطريقة فريدة مبتكرة جديدة تحارب الجمود، وتسعى بالتراث نحو الغاية التي حثَّنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولفت مفتي الجمهورية، إلى أننا إذا ذهبنا إلى مجال الفقه الإسلامي والإفتاء؛ وجدنا أن التجديد ومراعاة المتغيرات، وما يطرأ على أحوال الناس وأفكارهم ومعايشهم وعاداتهم، قد أثَّر تأثيرًا بالغًا في قضايا الفقه الإسلامي، وهو العلم الذي يحمل من أخص الخصائص والصفات؛ الالتصاق بالواقع والتطور معه، مع المحافظة على الثوابت المُجمع عليها والمعلومة من الدين بالضرورة، ورأينا هذا جليًّا في صِيَغ العقود والأوقاف وطرق القضاء الشرعي التي تطوَّرت حتى صارت إلى ما هي عليه الآن، فجميع القوانين المعاصرة التي نحيا بها الآن ونتحاكم إليها، قد استفادت بشكل كبير من طرق التقعيد والتقنين، ومن النظريات الفقهية والأصولية التي أسَّسها علماؤنا الأوائل.

وأكَّد مفتي الجمهورية، أنَّ الذي ينبغي أن نتَّفق عليه جميعًا أنَّ التراث ليس فقط مجموعة من النصوص الحرفية الجامدة، أو المخطوطات العلمية التي إذا عملنا على خِدمتها وتحقيقها وإخراجها ظنَّنا أنَّنا فعلنا كلَّ ما ينبغي فعله بالنسبة للتراث، بل إنَّ التراث في المقام الأول هو مجموعة القيم الإنسانية والحضارية التي انبثقت أنوارها من الكتاب الكريم والسنَّة المطهرة، فوصل دِيننا الحنيف إلى شتَّى بقاع المعمورة بشكل لافت للنظر، حيث حمل الناس بدافع الحبِّ والانبهار والإعجاب بتلك القيم على الدخول في دين الله أفواجًا، وما كان هذا ليحدث لو لم يُطبِّق الأسلاف سنَّة التجديد التي حثَّنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأكد المفتي، أنَّها تلك الطائفة التي وقفت من التراث وقضاياه موقفًا سلبيًّا، فهي فئة المعادين للتراث وقيمه الدينية والحضارية والأخلاقية، حيث وقفوا من التراث موقفًا عدائيًّا، بعدما قطعوا بينهم وبين التراث كلَّ وسيلة مُفهمة وكل أداة من علم مُعين على فهم التراث، والوقوف على قيمه وأسراره، ففقدوا التصوُّرَ العامَّ للتراث، وعادَوا ما جهلوا.

تابع مواقعنا