سعيد شحاتة: عشقت الشعر في عيني أمي الفلاحة.. وهو والنثر عمادان لحياتي | حوار
سعيد شحاتة، اسم يتردد كثيرًا في الأيام الأخيرة بين أعضاء اتحاد كتاب مصر، من رجل مخلص يسعى إلى أن يعم السلام في أرجاء شعبة الدراما التي يترأسها، إلى شاعر بسيط يحب مصر ويكتب عنها ويتعاهدها، وبين الاثنين كاتب يصدق في نثره، ويطوعه لخدمة الإنسان ويرغب عن الشهرة ويقدم من المعاني ما يستطيع أن يحيا به الناس.
شاعر نصر الشعر، ويحاول أن يعطيه حقه، ويدأب في العثور على شخصه وشخوص الناس من حوله في كلماته، يحصل على الجوائز، ويُكرَّم من الثقافة المصرية، لذا التقي القاهرة 24 معه، ليتحدث عنه بشأن شعره، وما الذي ينوي فعله في المرحلة المقبلة.
وإليكم نص الحوار:
• حدثنا عن البدايات الشعرية؟
- أنا ابن بيئة صيد، ولدت على شواطئ بحيرة البرلس، حيث الحدْي والغناء الشعبي وتقاليد الصيادين وصبرهم على المعيشة، وحكمتهم وحنكتهم في التعامل مع الحياة، كتبت الشعر وأنا طالب في الصف الثاني الإعدادي، وذلك لأنني حفظت عن أهلي الكثير من الأغاني الشعبية في تلك المرحلة، كما أنني كنت مغرمًا بأناشيد المرحلة الابتدائية وحافظًا لمعظم القصائد والأغاني الوطنية التي كنت أترقبها في إجازة السادس من أكتوبر في كل عام، وكنت مولعًا بجمع قصاصات الورق التي تحتوي على قصائد أو كلمات أغاني.. الأشعار التي تحولت بفعل فاعل إلى قراطيس للطعمية أو على أرفف محلات البقالة في انتظار العفو عنها وإطلاق سراحها ولو في هيئة قراطيس، بدأت رحلة الكتابة من هنا بعد أن تعرفت على جميع أنواع الموسيقى من نظرات أمي الطيبة، فبدأت في ترجمة ما تكنه عيون أمي، كتبت في هذه الفترة قصائد عن الوطن وقصائد عن المحبة، وقصائد عن الأم، كلها كانت تجارب بالفصحى لأن مفهومي عن الشعر في هذا الوقت كان ينصب في هذه الطريقة، رغم عشقي للشعر الذي جمعته وتعرفت عليه من خلال قصاصات الورق وقراطيس الطعمية.
وقد سببت لي الكتابة في هذه المرحلة أزمات عدّة، حيث سيمفونيات التريقة من بعض الأصدقاء، والنكات من البعض الآخر، وطردي من حصص التربية القومية وإصرار المدرس على فصلي أسبوعًا كاملا من المدرسة لأنني أكتب شعرًا في الحصة غير مبالٍ بما يقوله لنا، وكثرة قراطيس الشعر التي ملأت بها أدراج تسريحة أمّي، وزيادة طلبي غير المعهود على شراء الكراريس، أزمات متلاحقة وبداية وطنية عن سيناء وشهداء أكتوبر ونسور مصر وحراسها وأبطالها وفرسانها، كنت سعيدًا جدًّا بهذه المرحلة رغم قسوتها.
• في أي توقيتٍ بدأت تقرض شعر العامية؟
- أما عن العامية، فقد كان أحد فلاحي قريتنا وكان فلاحًا فصيحًا يطالبني دائمًا بقراءة قصيدة، وكنت أنتظر اللحظة المناسبة لألقي قصيدة من قصائدي الفصيحة على مسامعه، وعندما حانت هذه اللحظة قرأت قصيدة عن العراق له، فشعرت بتغير غريب في وجهه وامتعاض لم أتعوده منه، عم «قطب أبو زلاط»، الرجل الذي تحمس لي كثيرًا عندما بلغه أحد أبنائه أنني أقرض الشعر يمتعض من أول قصيدة ألقيها على مسامعه، شعرت بحزن شديد، ولاحظ الرجل الحزن على وجهي، فسألني: أنت قلت القصيدة دي لأمك؟ قلها لها كده وشوفه تفهمها واللا إيه، ثم أخذ يحدثني بكل بساطة عن أشعار نجم والأبنودي والنضال الوطني الذي يحتاج إلى لغة هذا الشارع العظيم، فبدأت في كتابة أول قصائدي بالعامية وكانت عن صدّام حسين، وألقيتها في الندوة الأسبوعية لكلية الآداب حيث كنت طالبًا آنذاك وتحمّس لها الدكتور جمال عيسى أحد أساتذتي فتحمّست لأن ألقي هذه القصيدة على مسامع عمّ قطب أبو زلاط.. وبدأت رحلة كتابة العامية التي أسعدت أمّي كثيرًا لأنها لغة لا تجيد إلاها.
• ما المراحل التي تمر بها أشعار سعيد شحاتة؟
أعتز بما أكتب في كل مراحل حياتي، وأعتبر ما أكتبه الآن امتدادًا لما كان أمس، فمراحل الكتابة مرتبطة ببعضها، سلسلة يمكن أن أعنون كل مرحلة فيها بمحطة حياتية لها سماتها وأثرها على ما أكتب، مثلًا البدايات التي يحكمها التشتت والاضطراب وقلة الاتزان عند الكثيرين كانت بمثابة الأساس الذي بنيت عليه، فلم أتخلّ عن كلمة كتبتها وأنا هناك، وكنت حريصًا على تجميع قصائدي في ديوان تأريخي لتلك المرحلة التي أعتبرها ثرية، فهي مرحلة تكوين وتوجيه وتدريب، وإن كان الشاعر أو أنا على وجه الخصوص ما زلت في مرحلة التكوين والتدريب والتوجيه والتعلم، لأن الشاعر الذي يظن نفسه خرج من هذه المرحلة يكتب نهايته بإصبعيه.. نحن نتعلم.. وسنظل نتعلم.. من جيل أساتذة لن ينضب.
سعيد شحاتة: لم أقدم ما أنظر إليه بعد
• مَن مِن الشعراء شكلوا ملامح شخصيتك الشعرية؟
- كنت أهرول خلف عازف الربابة في قريتنا، وأتبع المنشدين في الموالد، وأجمع الأوراق التي أرى فيها قصائد شعر أو أغاني في شنطة خاصة من محلات الوراقين، ومطاعم قريتنا، كما أنني كنت مولعًا بحفظ المواويل والأغاني الشعبية، وأغاني الصيادين –كما ذكرت-، وحينما شرعت في قراءة الورق الذي جمعته اكتشفت الأبنودي ونجم وصلاح جاهين وفؤاد حداد وفؤاد قاعود وبيرم التونسي، وعشقت عنترة بن شداد، وزهير وابن الأطنابة وجرير، والفرزدق وعفيفي مطر، وصلاح عبدالصبور في فترة الجامعة، لكنني عشقت الشعر في عينيْ أمي الفلاحة البسيطة التي كانت تغني لي في بعض الأحيان أغاني الفلاحين في حقول العنب التي كانت تملأ قريتنا، أحب الشعر لأنني أحب هذا العالم الفسيح.
• ما النظرة التي تطلقها نحو إنجازاتك حتى الآن؟
- لم أقدم ما أنظر إليه بعد وليس لدي وقت للنظر خلفي لتأمل ما فعلت أو قراءة ما كتبت، الإنجاز الحقيقي ما زلت أبحث عنه، وبالمناسبة أعتذر عن كثير من الأمسيات، وكلما اضطررت للذهاب إلى أمسية ذهبت متثاقلًا خائفًا، لأنني أرى أنني لم أقدم ما يؤهلني للوقوف على منصة شعر أمام جمهور، ما زلت لم أكتب.. أنا فقط أحيا لأجرب، ربما تجيء مرحلة الكتابة فيما بعد.
• هل أثرت الفترة التي زارك المرض فيها منذ 4 أعوام على قدرتك في كتابة الشعر؟
- زادتني إصرارًا على الكتابة، وحبًّا في كتابة كل ألوان وأنواع الأدب، وفتحت لي المجال على التجربة في كل شيء كي لا أقصر في حق نفسي، المرض هذا الغول المرعب يضعنا أمام ذواتنا لنقرأ أنفسنا بعيدًا عن صخب الحياة المدهش، فإما أن نكمل أو نتوقف للأبد.
• هل فكرت يومًا في ترك كتابة الشعر والاتجاه للنثر دون الموازنة بينهما؟
- لا، النثر والشعر عمادان لحياتي، لا يمكن أن أتكئ على أحدهما دون الآخر، ولم أفكر في ذلك على الإطلاق، إنما فكرت في كيفية الموازنة بينهما والإخلاص لكل منهما، وتعضيد كل منهما بالآخر لإحداث مزج خاص بي يمكن أن يكون إضافة لمشروعي الكتابي.
• ما اللحظة التي يصل فيها سعيد شحاتة إلى نشوته من السعادة؟
- حينما أكون بين أبنائي، وحينما أبدأ مشروعًا شعريًّا أو نثريًّا جديدًا، وحينما أضحك من داخلي لا مجاملة، وهذا أصبح نادرًا بالفعل.
• ما المنتظر من شعبة الدراما في الفترة المقبلة؟
- أتمنى أن أكوّن أول فريق تمثيلي لنقابة اتحاد كتاب مصر، وأن أحتفي بكل كتاب الدراما المصرية، وأن أحدث أنا وأصدقائي طفرة داخل هذه الشعبة المهمة، لنؤسس من خلالها لمؤتمر أو مهرجان عربي كبير يكون مقره نقابتنا العظيمة، ونحن قادرون بالصبر والتكاتف، والعزيمة على هذا إن شاء الله.
• كيف تتوقع الانتخابات المقبلة في اتحاد الكتاب التي ستتم الجمعة المقبل 25 مارس؟
- أتوقع فوز بعض المخلصين للقضية، المؤمنين بخدمة الكتاب، الساعين للجمال أينما كان، الحريصين على المحبة، لأن كتاب مصر يمتلكون من الوعي ما يؤهلهم لاختيار الأنفع والأصلح والأقدر على الإنجاز، كما أتمنى ممن يحالفه الحظ أن يضع في اعتباره أنه جاء خدّامًا للناس، فالعمل النقابي يعني في المقام الأول خدمة من وضع ثقته في الشخص الذي وقع عليه الاختيار، كما أود أن أوجه عنايتهم أن النقابة القوية أحب إلى الضمير الإنساني من النقابة الضعيفة، وهذا ما يجب أن نعمل من أجله.
• هاجمتَ سياسات اتحاد الكتاب، والآن أصبحت جزءًا منهم، ما رأيك فيما يحدث داخل المؤسسة بعدما اكتشفتها عن قرب؟
- ما يحدث داخل النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر هو عينه ما يحدث في مختلف النقابات الموجودة على أرض مصر، الصراع ينقسم داخلها إلى عدة مستويات، صراع من أجل البقاء على الكراسي، وصراع من أجل الوجاهة، وصراع من أجل إثبات الذات، والتفاني في العمل، والمتفانون في عملهم في النقابات صراعهم أكثر صعوبة،
أما عن هجومي على سياسات الاتحاد سابقًا فهو هجوم من أجل الصالح العام، ربما أصبت في معظمه وربما أخطأت في بعضه، وتم تحويلي للتحقيق أكثر من مرة بسبب هذا لدرجة أن أمي أخذت تعد خطابات النقابة المرسوم عليها الريشة، وتضعها إلى جوار بعضها لتقول لي بين الحين والآخر: هي جوابات الريش دي بتجيلك منين؟ لكنني في كل الأحول لم أنس ما دخلت النقابة من أجله، ولم أتنصل من وعد قطعته على نفسي، داخل النقابة يجتهد الكثيرون لتقديم ما ينفع الناس.
أما عن الهجوم الضاري بين الأطراف المتنازعة على اللا شيء فهو يحتاج إلى القليل من التمهل لالتقاط الأنفاس والنظر بعين المتأمل لما يحدث؛ ربما غيّر كل منهم استراتيجية حربه على الآخر، لأننا في نهاية الأمر داخل مكان خدمي، يحتاج إلى من يؤمن بذلك.
• ما الذي تنوي فعله في الفترة المقبلة من أجل إثراء الحراك الثقافي؟
- أتمنى استمرار فعالية الشعر على المسارح المكشوفة، وتعميمها في أندية الأدب للخروج من شرنقة الغرف الرطبة إلى الناس، كما أتمنى إقامة مؤتمر للعامية المصرية يعم أطراف مصرنا العظيمة من أقصاها لأقصاها، وهناك العديد من المشاريع الثقافية التي أتمنى أن ترى النور إن شاء الله، كما أحاول أن أتخلص من خطابات الريش التي تحتفظ أمي بها، وهذا أمر لو تعلمون عظيم.