الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها آثمون شرعًا
أجابت الإفتاء على سؤال ورد إليها نصه: ما حكم ما يقوم به بعض التجار من احتكار السلع واستغلال حاجة الناس لها؟.
التجار الذين يحتكرون السلع ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها آثمون شرعًا
وقالت دار الإفتاء، في فتوى سابقة عبر موقعها الإلكتروني: التجار الذين يستغلون حاجة الناس ويحتكرون السلع ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها آثمون شرعًا؛ لما يترتب على هذا الاستغلال من إلحاق الضرر بالناس والتضييق عليهم، وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديا ومعنويا، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عن الإضرار.
وتابعت الإفتاء: الأصل في البيع حله وإباحته؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، إلا ما نهى الشارع عنه من بعض الممارسات التي قد تضر بمصالح المتبايعين؛ ومن تلك الممارسات "الاحتكار"، والذي هو حبس كل ما يضر العامة حبسه؛ وذلك عن طريق شراء السلع وحبسها، فتقل بين الناس، فيرفع البائع من سعرها استغلالًا لندرتها، ويصيب الناس بسبب ذلك الضرر، وقد نهى عنه الشارع وحرمه؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ».
وواصلت: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ».
وأكملت الإفتاء: وقد حمل جمهور الفقهاء هذه الأحاديث وغيرها على الحرمة، وأبلغ الأحاديث في النهي عن الاحتكار حديث معمر رضي الله عنه؛ فإنه قد اشتمل على صيغة النفي؛ وذلك في قوله: «لَا يَحْتَكِرُ» فنفى الاحتكار عن كل أحد إلا الخاطئ، واشتمل أيضًا على معنى النهي، فجمع بين النفي والنهي، وهذا أبلغُ في التحريم من النهي منفردًا، ومعناه أنه لا ينبغي لأحد أن يفعل هذا، والخاطئ -بالهمز كما في الحديث- هو الآثم العاصي، مضيفة: قال الإمام النووي الشافعي في شرح النووي على مسلم: قال أهل اللغة: الخاطئ بالهمز هو العاصي الآثم، وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار.
واستطردت: لكن هذا التحريم لا يثبت إلا بشروط، يكاد أن يتفق الفقهاء على ثلاثة منها، وهي: الشراء وقت الغلاء، والمراد بالشراء شراء السلعة الموجودة في البلد، والحبس مع تربص الغلاء، وإحداث ضرر بالناس جراء الحبس، فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فلا يكون احتكارًا.
واختتمت: وعلى ذلك: فمن يستغل ظروف الناس ويحتكر السلع ويبيعها بهذه الأسعار المبالغ فيها فقد ارتكب محرما؛ للضرر الناجم عن استغلاله احتياج الناس إلى مثل هذه السلع، فهو يضر الناس ويضيق عليهم، وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديا ومعنويا، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الإضرار، والله سبحانه وتعالى أعلم.