الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"خُدني لحنانك"

الجمعة 11/فبراير/2022 - 05:14 م

• البروفيسور في جامعة كاليفورنيا "ليناردو بوسكاليا" الشهير باسم "ليو" بيحكي في مذكراته اللي تم نشر جزء منها في جريدة (نيويورك تايمز) عن أسرته وإزاي إنهم كانوا عيلة بسيطة على قد حالهم.. مكوَّنة من أم وأب وجد و9 أطفال!.. هاجروا من إيطاليا واستقروا في أمريكا.. رغم فقرهم الواضح بس كان في حاجة مهمة بتميزهم.. كانوا دايمًا كل ما يشوفوا بعض خلال اليوم حتى لو مليون مرة "يحضنوا بعض"!.. ود حقيقي مش مصطنع ودفا قلوب بيعوض نقص حاجات كتير.. حاجة تانية كانت برضو بتميزهم..  (شوربة المينستروني)!.. شوربة بسيطة من الخضار والمكرونة؛ وأغلب أكلهم فطار غداء عشاء كانت الشوربة دي.. "ليو" لما كان طفل وقتها عمره مش أكتر من 10 سنين كان فاكر منظر أمه وهي واقفة في المطبخ كل يوم وقدامها الحلة الضخمة بلونها الأبيض والأزرق ومكوناتها بتغلي فوق النار وهي من ضهرها واقفة قدام الحلة وبتقلّب اللي فيها بعصاية خشب كبيرة؛ أمه كانت بتتعامل مع الموضوع بقدسية وقبل ما تحط أي مكون من المكونات في الحلة كانت تقرأ أجزاء من الكتاب المقدس قبلها!.. بيقول "ليو": (كنت أشعر أن طبق حساء المينستروني معجونة مع مكوناته حنّية أمي)!.. وعشان أمه وأبوه يدوا قيمة للوجبة المكررة دي ويضحكوا بيها على ولادهم وتذمرهم الدائم منها (هو كل يوم شوربة كل يوم شوربة؟) كانوا يقولولهم: (شوربة "المينستروني"  عبقرية وتشفي من كل الأمراض).. بيقول كمان إن وبناءً على محتويات طبق الشوربة كان بيقدر يعرف الحالة الاقتصادية بتاعت أسرتهم.. بمعنى إيه؟.. لما يكون السُمك بتاع الشوربة تقيل وفيها طماطم ومكرونة وجزر وبصل ولحمة دي إشارة إن الأمور تمام والحالة فُل.. ولما يكون السُمك بتاع الشوربة خفيف ورقيق وصايص ومافيهوش لحمة فبيعرف إن الحالة مش ولا بد.. مع الوقت بقت حلة الشوربة اللي أمه بتعملها دي بمثابة رمز الأمان ليهم كأطفال وحماية دايمة ليهم كأسرة من الجوع.. لحد ما الشوربة دي كانت سبب في إحراج "ليو".. إزاي؟..  "ليو" كان عنده صديق اسمه "سول" زميله في المدرسة.. الفكرة إن "سول" من مستوى وطبقة تانية خالص مختلفة 180 درجة عن "ليو".. في مرة "سول" عزم "ليو" في البيت الكبير بتاعهم على الغداء.. شاف إن أسرة صديقه أغنياء آه بس عندهم برود!.. بيتعاملوا بشكل رسمي حتى مع بعضهم..  طبعًا خدم وحشم وأكل نضيف وليلة.. أكل؛ ولأن الأصول بتقول إنه لازم يعزمه عنده في بيتهم هو كمان ويردله العزومة لقى نفسه في كارثة كانت تايهة عنه!.. جري على أمه وبلغها إن صديقه الغني هييجي يزورهم ويتعشّا معاهم.. أمه انبسطت وقالتله تمام خلاص هنزوِّد كمية شوربة عشان صاحبك.. "ليو" اتصدم وقال لها شوربة إيه حرام كدة هنتفضح ممكن تعمليله بدالها هامبورجر أو فراخ مقلية؟.. أمه زغرت له بغضب ففهم إنها مش هتعمل غير الشوربة وإنه لابس لابس قدام صاحبه!.. جه "سول" زارهم وقابلوه كلهم بترحاب وكلهم حضنوه!.. كلهم كلهم.. الـ 12 نفر كلهم حضنوه وباسوه وطبطوا على ضهره بود.. قعدوا ياكلوا.. أم "ليو" سألت "سول "وهي بتشاورله على الحلة قبل ما تغرف له: تعرف إيه ده؟.. قالها: شوربة؟.. قالتله: لكن ليست أي شوربة إنها شوربة "المينستروني".. وقعدت تشرحله في فوايدها وإنها عبقرية وبتشفي من كل الأمراض!.. "سول" أكل طبق.. طلب الطبق التاني.. طلب الطبق التالت.. ومع كل طبق بيطلبه كانت صوت ضحكه وانبساطه من دردشته مع أسرة "ليو" بيعلى أكتر وأكتر وبيبان على وشه إنه مستمتع بالطعم وبالقعدة كلها.. خلصت الزيارة و"ليو" بيسلم على صاحبه عند باب البيت لقى "سول" بيقوله: (أنت محظوظ بأسرتك يا صديقي؛ ليت أسرتي مثلكم فأنتم شعاع حنان عظيم).. ساعتها عرف "ليو" قيمة لمة العيلة وحنانها اللي كان متمثل في حلة شوربة!.. تمر الأيام والسنين وتموت والدة "ليو"  وماحدش يقدر يعمل الشوربة زيها.. "ليو" و"سول" كل واحد فيهم بيتجوز وبيخلف وبتستمر صداقتهم.. في يوم "سول" عزم "ليو" عنده في البيت.. "ليو" وهو قاعد معاه لاحظ قد إيه إنه لطيف جدًا مع أطفاله ومراته وبيعاملهم بحنان وحب عكس اللي اتربى عليهم وحس بينه وبين نفسه إن ده من تأثير الزيارة اللي عملها ليهم من أكتر من 20 سنة!.. شوية واتفاجأ إن مرات "سول" جت تحط الأكل اللي كان عبارة عن حلة شوربة كبيرة.. يبص "ليو" لـ "سول" وبيسأله باندهاش: إيه ده؟.. رد "سول" وهو ضامم مراته بإيد وبالإيد التانية ولاده وبيغمز بعينه ويقول: (إنها شوربة؛ لكن ليست كأي شوربة، إنها شوربة "المينستروني" العبقرية رمز الحنان والتى تشفي من كل الأمراض).

 

• شيل الحنية من أي فعل هتلاقيه فعل جاف دون روح، وصاحبه ممكن يبيعك في ثانية.. "الحنية" هي الصفة الأشمل والأجمل والأحق بالبحث عنها في كل شخص قبل قص شريط تعاملك معاه.. لو موجودة كمّل، وإن غابت غيب.. الأديب الفرنسي "أونوريه دي بلزاك" قال: (إذا كان الجمال هو الذي يثير الحب، فإن الحنان هو الذي يصونه).. بالموروث الشعبي بتاعنا لما متسول بيطلب منك صدقة أو حاجة لله وأنت مش معاك تديله بس بتحب تطيب بخاطره بتقوله: "يحنن".. القساوة والحنيّة حاجتين عمرهم ما بيتنسوا لو مر عليهم عمر بحاله.

تابع مواقعنا