السيداو والتغير المناخي أحد نتاجات أصحاب ولا أعز
تابعت خلال الأيام الماضية حالة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تفجرت بمجرد إعلان شبكة نتفليكس عن فيلمها الجديد أصحاب ولا أعز، والمنسوخ من الفيلم الإيطالي perfect strangers وإنتاج عام 2016 والذي يعد أحد أكثر الأفلام التي تحولت إلى لغات مختلفة تخطت 18 نسخة فدخل بذلك موسوعة جينيس.
وقامت الدنيا ولم تقعد في القاهرة بمجرد طرح الفيلم على شبكة الإنترنت وما بين الانتصار لحرية الرأي والتعبير أو الانتصار للدين والفرار به من مجتمع يتشبَّه بأفعال قوم لوط امتدت الحالة الجدلية إلى شاشات التليفزيون والصحف والمواقع الإخبارية، وأضحت حرية الرأي والتعبير -والتي هي نتاج حضاري وقيمي- في مستويات متدنية من السقوط الأخلاقي؛ مستغلين الفيلم ذريعة للصراع الأيديولوجي وفرصة لإلقاء التهم على المختلفين معهم، إما بالبعد عن الله و"لَوْطَنَة" المجتمع، أي نشر أفعال قوم لوط أو قبول الدياثة وغيرها من الألفاظ والشتائم وأن كل هذه الأفكار الشيطانية وغيرها هي من صنيعة العلمانيين والتنويريين والمنادين بالدولة المدنية.
ولأن مجتمعنا مغرم بالإيمان بثقافة الشفاه وجُبِل على تكوين أفكاره ومعتقداته بالسماع رغم دخولنا ثقافة التدوين والرؤية منذ قرون طويلة ورضينا بأن تتحكم فينا الخطب والبلاغة والمشاعر ونقدمها على المنطق والعقل.
لقد قدمنا جميعًا دعاية مجانية لفيلم أصحاب ولا أعز، رغم ضعفه الفني من حيث الحبكة والكتابة، وهي إشكالية كبيرة تواجه معظم ناسخي الأفلام الأجنبية عند تعريبها أو تمصيرها، فالفيلم في نسخته الإيطالية يختلف تمامًا عن نسخته العربية، كون الفيلم المنسوخ مقتطعًا من سياقه الثقافي ومؤثراته الشعورية والوجدانية وفشل في إيجاد سياق عربي ملائم، تدور فيه أحداث الفيلم، ورغم واقعية الأحداث والشخصيات وأن حياتنا مليئة بقصص أكثر قسوة وجرمًا من التي سردها المؤلف في رواية الفيلم ولو طبقت لعبة الموبايل حقيقة بين كل مجموعة من الأصحاب لوصلت فضائحنا عنان السماء وستسفر عما هو أبشع وأشنع من أن يحتويها فيلم.
كلنا نعلم أن تراثنا السينمائي والفني مليء بمئات الأفلام التي عرضت لقضايا الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية بشكل أكثر وضوحًا وأكثر جرأة من هذا الفيلم، ولكنها أيضا كانت أكثر حرفية ومصداقية، فالمِثْلي في فيلم ديل السمكة، تعاطف كاتبه وحيد حامد ودافع عنه وعن حقه في الحياة كإنسان مختلف، وكذلك في فيلم قطة على نار، وحمام الملاطيلي، وعمارة يعقوبيان، الذي يعد الأجرأ والأقوى في تاريخ السينما حتى الآن في عرض مشاهد مثلية على الجمهور.
ويعد فيلم سهر الليالي واحدًا من مئات الأفلام التي تناولت قضية الخيانة الزوجية ولكنه كان الأكثر وضوحا وحرفية.
كل هذا التراث السينمائي لم ينكره الجمهور، ولم يوصم ممثلوه بالامتهان والإهانة بسبب أدوارهم في العمل الذي يمثلونه.
فما الذي حدث؟ ولماذا قَبِل المصريون هذه النوعية من الأفلام ولم يقبلوها الآن رغم عدم مصرية أحداث الفيلم الأخير ولا شخصياته، ماعدا شخصية مريم؟
بالطبع لغة السينما مختلفة، وقضاياها أيضا، فصناع السينما ليسوا دعاة أو خطباء على المنابر يحثون الناس على القيم والأخلاق بشكل مباشر، ولكن ربما ما نكتبه في كتب كثيرة، مشهد واحد محبوك دراميا قد يعادله أو يزيد، هنا تكمن أهمية ما تقدمه السينما من قيم إنسانية، فلربما تجربة أصحاب ولا أعز كانت تحاول تحذير مشاهديه من تحكم الموبايل في حياتهم وأن حرمة بيوتهم لم تعد تقف عند حدود جدران منازلهم أو أبواب شققهم، بل أضحت حرمتك فقط عند انتهاك خصوصية تليفونك، الفيلم أيضا يحاول أن يعرفك قيمة الستر الإلهي والتي هي صفة واسم من أسماء الله الحسنى.
لا أعرف لماذا نأى كثير من الكتاب والصحفيين بأنفسهم وبرأيهم عن الكتابة انتصارًا أو انتقادًا للفيلم، خاصة بعد أن طالت ميليشيات السوشيال ميديا أعراض الفنانين المشاركين في الفيلم والمثقفين بشكل عام، ولا أعرف كيف التزم عدد من السياسيين ونجوم في المجتمع ومسؤولين في الأوساط الثقافية الصمت؟! وبعضهم برَّر وخفف من روع السادة حرّاس القيم والأخلاق المتحدثين باسم الإسلام والأديان؛ معللين لهم بأن الفيلم ليس مصريا ولم يصوَّر في مصر ولم يصرَّح له بدخول أي سينما، وبعضهم داهن ونافق هذه الموجة، إما خوفًا على مناصبهم وإما حرصًا على أصواتهم السياسية في الانتخابات أو جماهيرهم ومتابعيهم.
نقابة المهن التمثيلية وقفت وحيدة في هذا المعترك أمام جحافل التشكيلات المؤدلجة، بعد أنْ خذلتهم كل نقابات الرأي والإبداع في مصر والعالم العربي، وابتعدوا بأنفسهم عن هذا المعترك، واليوم بعد أن قرأت أن الفيلم كان أحد نتاجات اتفاقية السيداو وهي اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة لم أعُد أستغرب أنْ يكون الفيلم هو السبب في تقلب الأجواء الجوية والتغير المناخي في مصر والعالم.