الشاعر محمد المتيم: افتحي الباب يا فاطمة محاولة لرصد علاقة الأخوة بين الرجل والمرأة | حوار
يشارك الشاعر محمد المتيم بثاني دواوينه الشعرية.. افتحي الباب يا فاطمة، الصادر عن دار بتّانة للنشر والتويع، ضمن فعاليات الدورة الـ 53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022، ويشتمل الديوان على خمس وثلاثين قصيدة تنتمي إلى جنس قصيدة النثر، وكان ديوانه الأول دمعةٌ تفُكُّ حصارَين، ينتمي إلى شعر التفعيلة، الذي قد صدر قبل خمس سنوات عن دائرة الثقافة بالشارقة.
ويعد محمد المتيم أحد أكثر شعراء الجيل الحالي تميزا، وتجربته الشعرية، تجربة مهمة ومتفردة، فهو يخلط في شعره بين عوالم من الجمال الصوفي والرمزي، كما أنه لا يخلو من روح الصعيد، التي تتملك عاطفته، وتسحره بسحر الجنوب، وللوقوف على بعض من ملامح التجربة، أجرى القاهرة 24، حوارا مع الشاعر محمد المتيم، ليزودنا بصورة ولمحة، عن افتحي الباب يا فطمة.
وإلى نص الحوار:
- لماذا عنوان افتحي الباب يا فاطمة، أعلم أن الديوان بالفصحى، لكن لا أستطيع تجاهل نطقها بالعامية كلما نظرت لها، فماذا قصدت؟
فاطمة ببساطة هي شقيقتي الكبرى، قلب الديوان يرتكز على أربع قصائد، أو قصيدة ممتدة لأربع مقاطع، تتبلور فيها علاقتي بفاطمة، شقيقةً وملاذًا، هي محاولة لرصد علاقة الأخوة بين الرجل والمرأة من خلال تجربتي الشخصية في بيئتنا التي تغفل عنها عين الراصد.
غير أن ثمة فواطم أُخَر -إن جاز التعبير- يُلقين بظلالهن الشجية على التجربة، وإن لم يُصرَّح بذكرهن في القصائد، لأن الشعر بالأساس يرمي إلى الإيماء أكثر من الإفصاح.
- هل لـ اسم فاطمة أيضا علاقة بالسيدة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم؟
لا شك أن السيدة المطهّرة فاطمة الزهراء تشغل مكانا روحيا مركزيا في الثقافة الإسلامية، فمنها امتد النسل النبوي، الذي يتمتع بحضور روحي وسياسي مهيمن على تاريخنا العربي، ففاطمة الزهراء مؤثرة بدرجات متفاوتة على كل متعاطٍ مع ثقافتنا العربية الرسمية والشعبية، لكن كما أسلفت لا حضور مباشر لها في أجواء الديوان.
- كما هو معلوم فأنت صوفي النزعة، فهل احتوت قصائد ديوانك على بعض الأفكار الصوفية، وإلى أين اتجهت بخيالك في هذا الكون الرحب؟
المطّلع على تاريخ التجربة الصوفية، والمخالط لأربابها، يعرف أن هذا الأمر تحديدا تُفسده فجاجة المباشرة والتصريح، لا أخفيك سرا، صرت أشمئز من الكتابات التي تعتمد اصطلاحات المعجم الصوفي الرسمي كالوجد والوله والمقام والحال والصحو والسُّكْر، أو حتى تعتمد المعجم الشعبي كالدرويش والسبحة والحضرة... إلخ، دون وعي أو دراية بما وراء هذه الكلمات، مسألة الكتابة من خلال كتالوج مسألة منافية جذريا للعملية الإبداعية، وأنا لا أقصد بهذا المصادرة على كتابة أحد، لكن أطرح وعيي الخاص بهذه المسألة.
من الممكن التعبير عن التجربة الصوفية، بلغة يومية عادية، شخصيا لا أظن أن ديواني يعجّ بما ترمي إليه من فضاءات صوفية جلية، لكن التجربة الشخصية لو لم تبزغ من وراء حجاب فقد فشلتُ في التعبير عنها.
الحب كله، بكافة تجلياته، في رأيي يخرج من مشكاة واحدة، لا أظن أن رجلا غير قادر على حب أنثاه يستطيع أن يحظى بتجربة الحب الإلهي، إذا جاز التعبير، هو قلب، إما كان قادرا على الحب على إطلاقه، أو عاجزا عنه على إطلاقه.
- هل هناك فكرة عامة، خرجت منها قصائد العمل؟ أم أن كل واحدة كانت مستقلة في موضوعها؟
قصائد افتحي الباب يا فاطمة تطرق موضوعات مختلفة من الحب للعمل للموت للشارع، والشارع بيتنا الأعظم الذي لا يغلق أبوابه.
لكن ثمة خيطا شعوريا يربط قصائد الديوان، ربما يكون طموح الإياب، الإياب بلا خسارة، الإياب للديار، للطفولة الغضة، لنشوة الحلم، ربما هو الإياب القديم الذي ارتضاه جدنا امرؤ القيس: وقد طوَّفتُ في الآفاق حتى رضيتُ من الغنيمة بالإياب.
لكن تفادي الخيبة في حال الإياب، يقتضي أن تكون فاطمة هناك، لا بد من فاطمة، لكيلا يطول وقوف العائد بالباب.
- استنتجت من تصميم غلاف افتحي الباب يا فاطمة، أن لروح الصعيد حضورا كبيرا في عملك، فهل وضحت لنا ذلك؟
الغلاف من تصميم المصمم البارع عبد الرحمن الصواف، وهو يرمي من خلال الحصان الخشبي على الغلاف إلى الأجواء الحميمية في الموالد والبيوت الصعيدية وألعاب الطفولة الأولى، لكن ثمة بعدا آخر، رأيته بنفسي في الغلاف.. هو الخيول الهزيلة المجهدة، وهذا ليس بعيدا بحال عن حالة الإجهاد، لن أخجل منك حين أقول: أحيانا أشعر أن قصائدي متورمة الأقدام محمرّة العيون من الإجهاد.
أما عن روح الصعيد فـ بالطبع لها حضور في عملي، نحن أبناء بيئتنا ومعارفنا، لكن الشعر ليس صبّا للمعارف والمكتسبات البيئية في قصائد.. الشعر هو التناول، كيف يكون لي تناولي الخاص المغاير عن التناول الخاص بجارٍ لي، شاعر أيضا ابن نفس البيئة وله نفس المعارف!
نقرأ في السطور التالية إحدى قصائد ديوان افتحي الباب يا فاطمة، بعنوان العائد:
عندما ترجع من رحلتك،
أشعث،
مغبرًّا،
مجهَدَ العينين،
وتقول لامرأتك:
«جئتُكِ من بعيد»
أو
«جئتُكِ من البعيد»
على حسب ما تيسَّرَ لك وقتَها من البلاغة...
فماذا تقصد؟
هل كنت تقطَعُ عليها سِكَكَ العتاب؟
هل تقصد ناوليني كأسَ ماء؟
هل تقصد جفِّفي عَرَقي؟
هل تقصد لا تُحاصريني باللغة؟
وأسألُكَ:
هل ضربتَ في الأرض
بحثًا عن الجذوة في عينيها
أَمْ في قلبِك؟
وهل عُدْتَ
لمّا برَقَتْ صورتُكَ كشامةٍ بين نهديها؟
أَمْ عُدْتَ
لتتعزّى بها عن فردوسِكَ المفقودِ أبدًا؟
وأسألُكَ عن الحب:
أن ترجع إليها لتُزيلَ
–بقُبلةٍ منها–
طوقًا من الأسى حول عُنُقِك؟
أَمْ أنْ تنفضَ –أنتَ– الأسى
بكفّيك،
عن ذيلِ جلبابِكَ،
على عتبة الدار؟
وأسألُكَ عنها:
ماذا ادّخرتَ لها؟
قلبًا طاعنًا في السِّنّ
بين ضلوعٍ معوجّةٍ لشابٍ في الثلاثين؟
أَمْ أكذوبة «التجربة»
التي يتسلّى بها العاطلون عن العمل؟
وأسألُكَ –كالعادة– عنك:
من أيَّةِ نافذةٍ سَيَهُبُّ الموتُ عليكَ؟
ومن أيِّ المُدُنِ سيأتيكَ بريدٌ يُنْجيِك؟
عندما ترجع من رحلتك،
أشعَثَ،
مغبرًّا،
مجهَدَ العينين،
وتقول لامرأتِكَ:
«جئتُكِ من بعيد»
أو
«جئتُكِ من البعيد»
على حسب ما تيسَّرَ لك وقتَها من البلاغة...
اعرِفْ أنك المسؤولُ الأولُ،
والأخير،
والوحيد،
وابْكِ ما استطعتَ إلى ذلك سبيلًا!
محمد المتيم في سطور
جدير بالذكر أن محمد المتيَّم من مواليد مارس 1993، ولد بمركز إسنا - محافظة الأقصر، وحاز العديد من الجوائز الشعرية أبرزها المركز الأول على مستوى الوطن العربي في الشعر الفصيح، في المسابقة التي نظّمتها جامعة الدول العربية، 2018، والمركز الأول في المسابقة التي ينظمها صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية، كما شارك في عدد من المؤتمرات الشعرية في مصر والإمارات والسودان، ونشر له عدد من القصائد في عديد من الدوريات العربية.