علي جمعة: لا يجوز السؤال عن الله سبحانه وتعالى بقصد معرفة جهته
قال الدكتور علي جمعة، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية السابق، إن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء كما أخبر سبحانه عن نفسه في كتابه العزيز حيث قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، ولا ينبغي أن يتطرق الذهن إلى التفكر في ذات الله سبحانه وتعالى بما يقتضي الهيئة والصورة فهذا خطر كبير يفضي إلى تشبيه الله سبحانه وتعالى بخلقه، ويجب علينا أن نتفكر في دلائل قدرته سبحانه وآيات عظمته فنزداد إيمانه به سبحانه.
وأضاف جمعة: أما السؤال عن الله سبحانه وتعالى بـ أين كمسألة عقائدية، فيؤمن المسلمون بأن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، ومعنى كونه تعالى واجب الوجود: أنه لا يجوز عليه العدم، فلا يقبل العدم لا أزلا ولا أبدا، وأن وجوده ذاتي ليس لعلة، بمعنى أن الغير ليس مؤثرا في وجوده تعالى، فلا يعقل أن يؤثر في وجوده وصفاته الزمان والمكان.
وتابع علي جمعة: أما إذا قُصد بهذا السؤال –أين الله- طلب معرفة الجهة والمكان لذات الله، والذي تقتضي إثبات الجهة والمكان لله سبحانه وتعالى، فلا يليق بالله أن يسأل عنه بـ أين بهذا المعنى؛ لأن الجهة –المكان- من الأشياء النسبية الحادثة، بمعنى أننا حتى نصف شيئا بجهة معينة يقتضي أن تكون هذه الجهة بالنسبة إلى شيء آخر، فإذا قلنا مثلا: السماء في جهة الفوق، فستكون جهة الفوقية بالنسبة للبشر، وجهة السفل بالنسبة للسماء التي تعلوها وهكذا، وطالما أن الجهة نسبية وحادثة فهي لا تليق بالله سبحانه وتعالى.
واستكمل مفتي الجمهورية السابق: أن المسلمون يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى قديم، أي أنهم يثبتون صفة القدم، وهو القدم الذاتي ويعني عدم افتتاح الوجود، أو هو عدم الأولية للوجود، وهو ما استفيد من كتاب الله في قوله: ﴿هُوَ الأَوَّلُ﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت الأول فليس قبلك شيء) فصفة القدم تنفي أن يسبق وجوده وجود شيء قبله أو وجود شيء معه؛ لذا فهي تسلب معنى تقدم الخلق عليه.
وأشار جمعة إلى أن صفات الله سبحانه وتعالى كذلك قديمة فهي لا تتغير بحدوث الحوادث، وإثبات الجهة والمكان معناه يقتضي هذا التغير، بمعنى أن الله لم يكن متصفا بالعلو والفوقية من حيث الجهة إلا بعد أن خلق العالم، فقبل خلق العالم لم يكن في جهة الفوق لعدم وجود ما هو في جهة السفل، وبهذا تكون الفوقية المكانية أو العلو المكاني صفة حادثة نتجت عن حادث؛ ولذا فهي لا تصلح صفة لله سبحانه وتعالى.
وأوضح الدكتور علي جمعة: يؤمن المسلمون بمخالفته سبحانه وتعالى للحوادث، وتعني مخالفة الحوادث في حقائقها، فهي تسلب الجرمية والعرضية والكلية والجزئية ولوازمها عنه تعالى، فلازم الجرمية التحيز، ولازم العرضية القيام بالغير، ولازم الكلية الكبر والتجزئة، ولازم الجزئية الصغر إلى غير ذلك، فإذا ألقى الشيطان في ذهن الإنسان: إذا لم يكن المولى جرما ولا عرضا ولا كلا ولا جزءا فما حقيقته، فقل في ردك ذلك لا يعلم الله إلا الله.
وأكّد مفتي الجمهورية السابق، أنه لا يجوز وصف الله سبحانه وتعالى بالحوادث، ولا السؤال عنه بما يقتضي وصفه بذلك، فلا يسأل عن الله بـ أين بقصد معرفة جهة ذاته سبحانه ومكانها؛ وإنما يجوز أن يسأل عنه بـ أين بقصد معرفة ملكوته سبحانه، أو ملائكته أو أي شيء يجوز السؤال عنه ووصفه بالحوادث، وعلى هذا يؤول معنى ما ورد في الشرع من السؤال بـ أين أو الإخبار بما ظاهره الجهة.