خرجوا بحثا عن لقمة العيش فعادوا في أكفانهم.. عزبة التفتيش بأشمون تتشح بالسواد حزنا على شهداء معدية منشأة القناطر | معايشة
وجع القلب كله رأيناه على مدار يومين في حادث سقوط سيارة تحمل 24 عامل في فرع النيل بالمنطقة ما بين منطقة القطا التابعة لمنشأة القناطر في الجيزة، وعزبة التفتيش التابعة لمركز أشمون في المنوفية، حكايات وروايات عن أطفال وشباب خرجوا من بيوتهم للعمل في المزارع لمساعدة أهاليهم لمواجهة صعوبات الحياة.
حكايات يُصنع منها قصص لمواجهة الفقر وضيق الحال، مشاهد الأهالي خلال يومين على شط النيل منتظرين أولادهم لخروج أجسادهم من بطن الني للمقابر مؤلمة وصعبة جدا ولا تُنسى، وفاة 8 أطفال وشباب في عمر الزهور في حادث واحد، ومن منطقة واحدة حادثة لن تُنسى بين أهل تلك العزبة، الأهالي على الشط كانت تندب حظها وبتجلد نفسها على السماح لأولادهم بالعمل، لكن ماذا يفعلون، وإذا كان هم أنفسهم يذهبوا للعمل في المزارع للحصول على يومية 50 جنيها، تلك العمالة تعبر النيل في سيارات ربع نقل تحمل العشرات منهم، تمر من على المعديات في الفجر وتعود بعد العصر.
حكايات الناجين
من بين القصص التي رصدها موقع القاهرة 24، على مدار معايشته الميدانية خلال يومين، قصة زينب البنت التي كانت سوف تتزوج في العيد المقبل، وكانت تخرج لمساعدة والدها في تجهيز نفسها بالفتات اللي كانت تتحصل عليه من خلال يوميتها، زينب كانت تساعد والدها المريض، ومثلها مثل العشرات من أبناء عزبة التفتيش، خرجوا من التعليم، لعدم وجود أموال ولضيق الحال، زينب ماتت قبل ما تفرح ودفنت هي ونجل خالتها في مساء اليوم الأول من الحادث.
وهناك قصة سعيد الفحل، هذا الشاب ظل والديه دون إنجاب مده تزيد عن 14 عام، أنفقوا الكثير عند الأطباء حتى أكرمهم الله بهذا الطفل، ظل يكبر أمام أعينهم، إلى أن أتت لحظة وفاة سعيد، مات وهو يسعى على أكل عيشه ومساعدة أهله رغم صغر سنه، مات سعيد ومات كل شيء جميل في عيون أبويه.
حادث العبارة
محمد صبري، الشاب الجميل الذي لم نراه ولكننا سمعنا عن بطولته الكثير، وذلك الشاب مثال لمن يطلق عليه شهيد الشهامة، الشاب يجيد السباحة، خرج من المياه وعاود مره ثانية، يحاول ينقذ أصدقائه، أكرمه الله، وأنقذ ثنين من المصابين، نزل مرة أخرى لكنها كانت الأخيرة ومات رجلا وسط شهداء لقمة العيش، وتم دفنه في مشهد مهيب بعد صلاة الظهر في ثاني يوم الحادث.
الطفلة ندا التي خرجت تساعد والدها في مصروفات المنزل، رغم أنها طالبة في مدرسة التجارة وكان لديها امتحان ثاني يوم الحادث، ماتت ندا وخرجت من المياه يوم الامتحان، لكنها لم تذهب لأداء الامتحان في اللجنة، وكان طريقها إلى القبر شهيدة لقمة العيش، وسط حالة من الحزن الكبيرة بين الأهالي.
وهناك قصة أخرى روتها إحدى الناجيات من الحادث، أثناء حديثنا معها، مؤكدة على أنها خرجت من التعليم في سن مبكر لمساعدة والدها الذي أجرى أكثر من عملية جراحية في الظهر، ولم يستطيع العمل، وكذلك إجراء شقيقها هو الآخر عملية في الركبة تمنعه من العمل الشاق، مشيرة إلى أنها تعرضت للموت، ورأته بعينها وخرجت من فرع النيل بأعجوبة بصحبة ابنة عمها ولكنها فقدت الكثير من أصدقائها خلال الحادث المروع، مشددة أن تلك المشاهد لن تنساها طوال عمرها.
كل طلبات الأهالي في عزبة التفتيش العزبة المنسية، أن تكون تحت نظر المسئولين ويتم توفير كوبري بين المحافظتين لتسهيل عبور الآلاف من المواطنين، وتوفير أي مصدر دخل للأهالي عن طريق مصنع، يكفيهم من الذهاب إلى المزارع بالمئات يوميا يقطعون خلالها عشرات الكيلو مترات منذ الساعات الأولى من الصباح في سيارات لا تصلح لنقل العمالة.