يا ذكرياتنا الحلوة اتنسي.. أهالي الحي السادس بمدينة نصر يروون تفاصيل الأيام الأخيرة قبل الرحيل | معايشة
مع إعلان محافظة القاهرة خطة لإزالة العشوائيات في الحيين السادس والسابع بمدينة نصر، لم يتسرب لخاطر أهلها سوى ملامسة ذكريات طفولتهم، التي ربما ستبقى خالدة في الأذهان، لكنها لن تكون على أرض الواقع مرة أخرى، فهنا حصلنا على الشهادة الابتدائية، وهذه مدرستي التي خطوت فيها لأول مرة ممسكا بيد أبي.
في البداية، خطف الأعين في الشارع الواسع ثلاثة شباب في مقتبل العمر، يقفون أمام إحدى العمارات السكنية في الحي السادس خلف القسم، يتبادلون أطراف الحديث وسط ضحكات ساخرة حول تفرقهم بعد إزالة المنطقة، ليقول أحدهم: دة أنا أبويا يموت فيها، ليضحك أصدقاؤه على الكلام.
في جولة ميدانية بدايتها القهوة، كانت الإزالة هي حديث المنطقة بالكامل، شباب ونساء وشيوخ، الجميع يتناقش في الأمر، طلبت كوب شاي من القهوجي، ليسألني: أنت مش من هنا يا أستاذ.. أنت طالب في الجامعة ولا إيه؟، بعد النظر إليه كان الرد: نعم أدرس بالجامعة، تبادلنا أطراف الحديث حتى وصلنا إلى إزالة الحي، ليقول: نطور الحي ما دام الدولة عايزة التطوير، لكن نمشي، ده على جثتي، أنا اتولدت هنا وشغلي هنا، وبيتي وصحابي وأهلي هنا، هروح مكان تاني أعمل إيه؟، وهل لو روحت هلاقي شغل هناك واللا لأ، إحنا عرضنا على نائب المحافظ كل بيت يدفع 10 آلاف جنيه، ونطور المنطقة من جيبنا والله، لكن مش هنمشي مش هنسيب حياتنا، الناس اللي مشيت من أبوقرن وماسبيرو دول عشوائيات، إحنا مش عشوائيات.
عم أحمد سعيد أحد السكان، يقول إنه من الصعب على ناس عاشت حياتها كلها في مكان واحد وعارفين بعض وتصبح تلاقي نفسها اتفرقت، ناس في الشرق وناس في الغرب.. ياريت تراعوا في ناس كبيرة في السن بتلاقي اللي يرعاها من الجيران، وبتلاقي اللي بيسأل عليها... ليه نبعد الناس وعشرتهم عن بعض ونفرقهم؟.
ويتابع عم أحمد: عايز تطور وتجمل المنطقة، وفر البديل أولا في نفس المنطقة، وعوض السكان تعويض يستحق، ويفرح قلوب الناس.
إحنا مش عشش عشان المباني تتهد.. ماسبيرو كانت عشش
ليقطع حديثه شاب ثلاثيني يدعى خالد، قائلًا: إحنا مش عشش، مساكن ماسبيرو كانت عشش، الموضوع مش موضوع شقة وخلاص تتهد، وييجي بدالها أو نختار بديل، أنتوا مش بتهدموا مباني، انتوا بتهدموا ذكريات وتفاصيل وعمر، وقصص سنين، بتهدموا طفولة وشباب، بتهدموا ماضي جميل عشناه وبنحبه، يمكن المكان متواضع، بس إحنا عشناه كده وحبيناه كدة ببساطته وحاله المتواضع، مين قال إننا عاوزين بديل حتى لو البديل ده مكان أشيك وعمارة أفخم؟.
وتساءل: هل هيكون معانا جيرانا الطيبين؟.. وشوش أمهاتنا وأهالينا اللي شقى السنين باين عليها؟..هتجيبولنا أصحابنا وناس الحتة الطيبين؟، مش عاوزين كمبوند شيك، ولا عمارة مش عارف كام دور، إحنا عاوزين البلوك البسيط بذكرياته الحلوة وناسه الطيبين.
شائعات، لحد دلوقتي محدش جالنا من المسئولين واجتمعوا مع بعض الأهالي بس، والأهالي اللي قعدوا معاهم هما كمان رفضوا، وقدموا مقترحات بديلة للإزالة، كان هذا الرد من عم خيري الذي رفض الحديث في البداية خوفًا، بعد أن ظن أني أجري تحريات حسب قوله.
بانفعال وحذر في آن واحد يكمل عم خيري حديثه: إحنا قولنا هنطور المنطقة وكل الأهالي قالت لو هندفع من جيوبنا كل واحد 10 آلاف جنيه، ولو على الدكاكين المفتوحة بالمخالف في الدور الأرضي كل الأهالي قالت هنرجع الشقق ونقفل الدكاكين، إحنا اتولدنا هنا وصعب نسيب المكان.
سيدة عجوز ممسكة بعكاز، كانت تجلس على مدخل أحد العقارات السكنية قالت: يا ابني إحنا سمعنا إنهم هيهدوا من أول القسم لغاية منطقة بلوك أبو رامي، وكمان لو البلد اللي هتاخد العمارات كلنا فدا البلد، لكن الولاد بيقولوا اللي هياخدها مستثمر هيعمل فيها مشروع، طب وإحنا وأهلنا نروح فين؟، إحنا هنا خمسة ورثة في الشقة، والله لو كل واحد خد 50 ألف جنيه هيعيشوا في الشارع.
ليخرج من باب العمارة شاب ذاهب إلى عمله، وقف بعدما سمع حديث السيدة، ليتحدث: مساكن الحي السادس والسابع هي مساكن المحافظة، وبالتالي لا يصح وصفها بالعشوائيات، ويكفى أنها دخلها الغاز الطبيعى منذ حوالى نصف قرن، كما أنه قد تم تمليك هذه المساكن لأصحابها منذ زمن مقابل دفع مبالغ مالية للمحافظة، وبالتالي ليس من حق أحد انتزاعها من أصحابها لمصالح شخصية تعود بالضرر علينا.
وقال عم محمد ناجي، والحزن يكسو ملامح وجهه: أنا جيت المكان ده في منتصف السبعينيات كان عبارة عن مساكن حواليها صحرا ومعسكر جيش، ليها مواصلة واحدة أتوبيس واحد، والناس عايشة وراضية، وكانت بتجيب كل احتياجاتها من العباسية، عشان مفيش خدمات من كل حاجة، ورغيف عيشها كان من فرن عند نادى السكة والناس راضية وعايشة، وإن حد منهم تعب مفيش غير أقرب مستشفى في العباسية أو الحميات بس، ده بالنهار بس، لأن الليل مفيش مواصلات ويا عالم المريض يقدر يستحمل للصبح ولا يلاقى ربه والناس راضية وعايشة، ويخافوا يتأخروا من بعد المغرب من وحشة المكان، حتى التاكسي كان بيخاف يدخل المكان والناس راضية وعايشة، مكانش فيه عباس العقاد ولا الطيران ولا مكرم ولا مصطفى النحاس، إحنا طول عمرنا لوحدنا أنتم اللي جيتم علينا، أنتم أهملتم حلمنا إحنا أصل مدينة نصر، إحنا أول جيل مدينة نصر، هو ده بديل صبر أهالينا، وصبرنا في طفولتنا، وطوروا المكان بدل ما تحطموه.
تفاصيل قرار إزالة الحيين السادس والسابع في مدينة نصر
محافظة القاهرة، أكدت أن سبب إزالة الحيين السادس والسابع في مدينة نصر، لتطوير المنطقة.
ومن المقرر إعادة تخطيط وتنظيم المنطقة مع ربطها بشبكة الطرق الجديدة، مؤكدة أن سبب إزالة الحي السادس يرجع لأن هناك بلوكات مضى على بنائها أكثر من 60 سنة، ولم تتم صيانتها طوال تلك الفترة، ومنها ما هو آيل للسقوط بالفعل.
وكشفت المحافظة، حقيقة بيع المنطقة للمستثمرين، مؤكدة أن الجهة المنفذة للتطوير وإعادة التخطيط هي الدولة وليس لصالح أي من الجهات أو المستثمرين.
ووضعت محافظة القاهرة عدة بدائل لتعويض سكان المنطقة، منها التعويض المادي ويكون حسب سعر المنطقة، ويتم ذلك عن طريق مكاتب تقييم عقاري معتمدة، ولن يقل السعر المقرر للتعويض عن أسعار المنطقة الحالية، أو عودة السكان وأصحاب المحلات التجارية مرة أخرى لمن يرغب في نفس المنطقة بعد تخطيطها بشكل منظم، وذلك بنفس المساحة مع صرف إيجار شهري، لحين إعادة البناء والتسليم مرة أخرى، أو تسليم السكان سكنًا بديلًا مؤسسًا ومفروشًا بمدينة السلام.