الخميس 24 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

جمال فودة يكتب: أسماء الأعلام وأسلوب الاستفهام في قصيدة سؤال في حدود الذاكرة لأحلام مستغانمي

أحلام مستعانمي
ثقافة
أحلام مستعانمي
الإثنين 22/نوفمبر/2021 - 04:47 ص

توظف أحلام مستغانمي الاستفهام لأداء معنى غير قابل للتأطير تحت تحديدات بعينها، بل ربما كان غير قابل للتحديد إطلاقًا محتميًا بما يرسمه تشكيله اللغوي من دوائر إيحائية رحبة.

فالاستفهام عندها لا يأتي للاستخبار الذي يعنى الاقتراب من لغة النثر وتتسم اللفظة فيه بالتقرير والتجريد، وإنما تستخدمه الشاعرة لإثراء تجربتها وتجديد حيويتها وإكسابها دلالات نفسية تجعل قضاياها أكثر إعمالًا في نفس المتلقي مما لو ألقيت هذه المعاني خالية من أسلوب الاستفهام.

لقد جاء الاستفهام عند مستغانمي ليعكس ثورة العقل الباحث عن الحقيقة الكامنة خلف حركة الحياة في هذا الوجود، باعتباره الأسلوب الأمثل في فرض نفسه لسبر أغوار النفس البشرية.

تقول مستغانمي:

أسألكِ:

هل أنتِ راهبة؟

أم أنتِ عاهرة؟

أأنتِ امرأة من نار؟

أم أنثى من ثلج؟

أنت عيون السا، وسمرة انجلا

 وتسريحة كليوبترا

وصمود جميلة

 وتبرّج ولادة

 وعفة رابعة

وتمرّد الكترا

 وصبر بينيلوب

 وغموض الجوكوندا

أنت كل نساء العالم ولكنك لست امرأة!

أنتِ رذيلتي وفضيلتي

أنتِ أمي وطفلتي

أنتِ كابوسي المزعج.. أنت حلمي السعيد

أنتِ كل المشاوير التي لم تكتمل

لأنكِ أرض يحدّها جغرافيا وخليج وكثير من

الجمارك..

ولكنك ذاكرتي

لقد وظفت الشاعرة بنية الاستفهام واعية بفاعليتها في تجسيم هذا الحوار النفسي الذي يحول دون التقاط الأنفاس:

أسألكِ:

هل أنتِ راهبة؟

أم أنتِ عاهرة؟

أأنتِ امرأة من نار؟

أم أنثى من ثلج؟

     يتضح ـ هنا ـ مدى استغلال الشاعرة لهذه الميزة الأسلوبية من خلال إحاطة المقطع بالاستفهام من بدايته حتى نهايته، لتجعل البناء كله يتفجر ويتحرك، لا تعرف ألفاظه السكون، بل تدفع كل لفظة الدلالة نحو غايتها، فلا نجد خفوتًا أو ضعفًا، فالشاعرة لا تطلب لاستفهامها جوابًا، بل تطرحه ليظل ماثلًا أمام المتلقي، كذا تظل دلالة التوتر والحيرة ماثلة تشغل ذهنها، حين تجد نفسها في متاهات الحيرة، لا تدري من تحاور؟                                 

وهكذا يدخل النص في عملية صياغية تؤكد نفوره من المرجعية المعجمية، وذلك بتوظيف بنية التقابل توظيفًا يخلص البنية من ضديتها ليدفع بها إلى دائرة التداخل الدلالي. 

أنت كل نساء العالم ولكنك لست امرأة!

أنتِ رذيلتي وفضيلتي

أنتِ أمي وطفلتي

أنتِ كابوسي المزعج. أنت حلمي السعيد

أنتِ كل المشاوير التي لم تكتمل

حيث تتداخل الرذيلة والفضيلة  و الأمومة والطفولة والكابوس والحلم السعيد، وهو ما لا يسمح به المعجم اللغوي.

إن التقابل بهذا الشكل يمثل نوعًا من التضافر الأسلوبي الذي يعمل على تماسك العمل الفني، ويجعل الدلالة المطروحة متماسكة لا يكاد ينفرط عقدها.

هذا، وقد يأتي استخدام الشاعر لأسماء الأعلام / الرموز متتابعًا مكدسًا في أحد مقاطع القصيدة، الأمر الذي يحول دون توظيفها فنيًا داخل بنية العمل الشعري، ذلك أن الحشد يعنى دائمًا الازدحام لعناصر لم تدخل طاحونة التجربة الشاعرية بعد، ولم تعمل فيها قوانين التحليل والتركيب الخاضعة للشعور واللا شعور، بحيث تظل هذه العناصر مادة أولية ناجزة ترتبط بأجوائها الدلالية، مما يصعب مهمة الشاعر في توظيفها داخل النص الشعري.

وقد وقعت مستغانمي في هذا المزلق أكثر من مرة خلال أعمالها الشعرية المتعددة، ومثال ذلك ـ هناـ قولها: 

أنت عيون السا، وسمرة انجلا

 وتسريحة كليوبترا

وصمود جميلة

 وتبرّج ولادة

 وعفة رابعة

وتمرّد الكترا

 وصبر بينيلوب

 وغموض الجوكوندا

حيث يبدو أن الشاعرة قد أثقلت كاهل هذه المقطوعة الصغيرة بتسعة أسماء / رموز لأعلام مختلفة هي  السا، انجلا كليوبترا جميلة ولادة رابعة الكترا بينيلوب الجوكوندا، الأمر الذي حال دون انصهارها في بوتقة التجربة، ومن ثم ضعف إيحاؤها بسبب التقريرية والمباشرة، وظلت مجرد إشارات عابرة لا تخدم التجربة قدر ما تنال من عمقها وحيويتها.

معنى هذا  أن الشاعرة سقطت أسيرًا لرموزها التي جلبتها من التراث، وهي تترى على نصها الشعري وتتزاحم، الفاعل منها وغير الفاعل، الواضح منها والغامض، دون مراعاة لأية تناقضات تمنع صورها من التآخي بالتناظر أو بالتقابل أو بالتفاعل بين سائر عناصر تجربتها الشعرية، بحيث تظهر هذه الرموز في بنية النص عارضة ما يعلق بها من ألوان ثقافية في أزياء شتى مما يجعل الأداة تبدو كما لو كانت باهتة  

ومهما يكن من أمر، فإن أسماء الأعلام تعد إيماءات ذات دلالات إيحائية تثرى بنية النص الشعري، وتكشف عن روافده التي يتعذر إدراك مضمونه إلا بالوقوف على منابعها وسبر أغوارها.

هذا فضلًا عما تمنحه أسماء الأعلام / الرموز للتجربة من شمول وكلية تتخطى إطار الزمان والمكان إلى آفاق رحبة يمتزج فيها الماضي بالحاضر من خلال التفاعل الخلاق بين ملامح الشخصية التراثية وطاقاتها الإيحائية وبين معطيات الواقع إذ تتحقق المفارقة بين الطرفين أنت كل نساء العالم ولكنك لست امرأة!

لقد ارتبطت المرأة في خطاب الحداثة الشعرية بالوطن، وبرزت بصفة أبعد وأعمق في رؤية مستغانمي بما تحمله من أبعاد ودلالات فكرية، فالخطاب هنا جاء حاملًا دلالات البحث عن صورة مثالية رسمتها الشاعرة في ذاكرتها لأرضها ووطنها. 

إنها المرأة الاستثناء فليس مثلها شيء، إنها تجمع الشيء وضده في مشهد يجسد التعبير عن هذه المتناقضات المؤتلفة والمؤتلفات المختلفة، حيث يكتسب العمل الفني ديناميكية تثرى الحركة داخل النص، فالشاعرة تلح على المقابلة لإبراز أبعاد التناقض الموجود في واقعها الاجتماعي / النفسي.

إن التحول الجذري لصورة الوطن في الشعر العربي جعل من المرأة رمزًا للأرض، فالشاعرة هنا تختزل كل شيء في تجربتها لتصبح بلادها كل نساء العالم رغم أنها ليست امرأة، نعم فهي ليست امرأة بالمعنى الحقيقي ومن ثم تذوب التفاصيل بين المحبوبة والوطن، لترسم لنا ملامح متناقضة لصورة الأرض / الوطن.

تابع مواقعنا