المتحدث الرسمي.. ولغة الصمت الإعلامي
المتحدث الرسمي هو ذلك الشخص المكلف بإذاعة ونشر ما يتناسب مع توجهات الجهة التي يمثلها بوضوح ودون التباس، بشكل يسهم في تكوين الرأي العام، حيال القضايا المطروحة المتعلقة بأداء أو مهام الجهة أو المؤسسة التي يتحدث باسمها، ودور المتحدث الرسمي لا يتوقف فقط عند نشر أو إذاعة الأخبار والفعاليات المتعلقة بجهة عمله، لكن الأمر يتجاوز هذا الأمر بكثير جدًا، حيث إنه يصل في أحيان كثيرة لكونه سبب في نجاح أو فشل الجهة التي يمثلها!.
تطورت وظيفة المتحدث الرسمي كغيرها من الوظائف بمرور الزمن فبعد أن كانت مقتصرة على الجهات الرسمية فقط أصبحت أكثر انتشارًا في وقتنا الحالي، إذ نجدها في الأحزاب والجمعيات والأندية الرياضية والفنية، وغيرها ولعل أبرز الوظائف التي يجب أن يقوم بها المتحدث الرسمي هي أن يكون حلقة الوصل بين الجهة التي يمثلها ووسائل الإعلام باختلاف أنواعها (التقليدية – الشبكية - الافتراضية) والتي يخاطب من خلالها الرأي العام، الأمر الذي يتطلب معه أن يتمتع ذلك المتحدث بعدد من السمات والصفات لعل أبرزها القدرة على فهم طبيعة كل وسيلة إعلامية وخصائصها، فليست كل الوسائل الإعلامية تصلح لها رسالة واحدة أو طريقة عرض معلوماتية واحدة، ضف على ذلك أن ذلك الشخص المتحدث الرسمي يجب أن يتمتع بعدد من السمات الشخصية والشكلية والثقافية التي تؤهله للقدرة على التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة ومخاطبة الجماهير بمختلف قطاعاتها وباللغة التي تصل لكل قطاع جماهيري مستهدف.
ولعل أبرز النقاط التي تأخذ على المتحدثين الرسميين -من غير الدارسين للإعلام- أنهم يعتمدوا على رسالة واحدة بلغة واحدة ظنا منهم أنها تصل لكل القطاعات الجماهيرية المستهدفة، حيث تشير الدراسات الإعلامية الحديثة أن سبيل نجاح أي رسالة إعلامية هو صياغة تلك الرسالة بما تناسب مع الخلفيات الثقافية والديمغرافية للجمهور المستهدف فلا توجد رسالة واحدة تصلح لكل فئات المجتمع.
وفي ظل انتشار مصادر المعلومات مفتوحة المصدر خاصة عبر الإعلام الجديد- أصبح من أحد أهم أدوار المتحدث الرسمي هو توفير المعلومات (الوافية والكافية) عن نشاط الجهة التي يمثلها، حيث أنه بذلك يمنع انتشار الشائعات، حيث أن الشائعات تظهر في غياب المعلومات أو قلتها أو في حال التأخر في توفيرها، الأمر الذي يعمل على بلبلة الرأي العام المهتم بمعلومات الجهة التي يتم تمثيلها.
ولأن غالبية المتحدثين الرسميين غير دارسين للإعلام ويهابون التعامل مع تلك الوسائل بظنهم أنها قنابل موقوته يمكن أن تؤثر على بقائهم في مناصبهم من جهة، أو تؤثر على مؤسساتهم من جهة أخرى فهم يظنون أن أفضل وسيلة للسلامة هي عدم التعاون مع وسائل الإعلام!، تلك هي سياسة معروفة تتبعها غالبية الجهات التي يكون بها متحدثون رسميون غير مؤهلين في إطار الهرب إلي الأمام!!، فنجد جهات يخاصم المتحدثون الرسميون فيها الإعلام تماما ونادرا ما يتجاوبون أو يردون علي الاستفسارات لدرجة أن الإعلاميين أو الرأي العام لا يعرفوا أن تلك الجهات لها متحدثين رسميين من الأساس، أو نجد البعض الآخر من المتحدثين يكتفون بنشر أخبار الجهة علي موقعها الإلكتروني أو شبكات التواصل الاجتماعي، ونجد بعدها أنه لا يوجد رد تماما على الاستفسارات الإعلامية أو الجماهيرية، والتي تعد وظيفة رئيسية من وظائف ومهام المتحدث الرسمي.
إن دور المتحدث الرسمي لا يقف فقط عند الظهور والتواصل الجماهيري عبر المنصات الإعلامية المختلفة، إلا أن دوره يتعدى ذلك بكثير حيث إنه يجب أن تكون لديه القدرة على رسم الصورة الإعلامية والذهنية الخاصة بالجهة التي يمثلها، من خلال قدرته على فهم خصائص وسائل الإعلام المختلفة والسمات المتنوعة للجمهور المستهدف، كما يجب أن تكون لديه القدرة على التعامل مع الأزمات الإعلامية التي تواجه الجهة من خلال استراتيجيات إدارة الأزمات بمدارسها المختلفة والتي هي علم مستقل في الأساس.
إن اختيار متحدثين رسميين مؤهلين ومدربين، وذوي خلفيات إعلامية أصبح ضرورة ملحة في كل الجهات، حيث إن المتحدث الرسمي لا يقف دوره عن كونه شخصية تتحدث عن أخبار الجهة وأنشطتها فقط، ولكنه يقوم بدور محوري في ضمان استمرار عمل تلك الجهة ومدى تقبلها مجتمعيا وسياسيا، فالاختيار الصحيح، ثم التدريب والتأهيل هو سبيل النجاح في عصر الشائعات وليس اتباع لغة الصمت.