الجاني أخطاء طبية والضحايا في عمر الزهور.. القاهرة 24 يحقق في وفاة أطفال بأحد مستشفيات المنوفية
في أحد ممرات مستشفى داخل المنوفية يقف هاني وزوجته خلف زجاج الحضّانة، يراقبان ابنهما الذي لم يبلغ سوى 9 أيام، وهو نائم بثبات تحت قناع الأكسجين، فقد تعرض "لشرقة" في أثناء رضاعته جعلت أحد الأطباء المتخصصين في مجال الأطفال يطلب وضعه يومين بالأكثر على جهاز الأكسجين المسمى بـ "نيزال"، وكإجراءات طبيعية قبل وضعه بالحضانة اشترط المستشفى التأكد من حالته الصحية، فخضع الطفل الذي يدعى أحمد لعمل تحاليل وفحوصات طبية في المعمل الخاص بالمستشفى، أكدت جميعها أن حالة الطفل ممتازة ولن يمكث أكثر من يوم في الحضانة.
ابني مش هيرجع تاني خلاص والمستشفى السبب
في حديث خاص مع القاهرة 24 ذكر والد الطفل أن التحاليل التي أجراها المستشفى عبارة عن تحليل معامل البروتين بالكبد وكانت نتيجته سلبية، الأمر الذي يدل على أن الطفل لا يعاني من أي التهابات ميكروبية أو غيرها، وتحليل لصورة الدم وكانت نتيجته ممتازة حيث وصل الهيموجلوبين لـ15، وبلغت الصفائح الدموية أكثر من 450 ألفًا، ما يعني طبيًا أن الطفل بحالة ممتازة وطبيعية، بالإضافة للفحص الطبي من الطبيب المشرف عليه، الأمر الذي جعل الوالدين يطمئنان.
خلال فترة وجود الطفل في المستشفى لم يتوقف استغلال المستشفى المادي، فبعد لحظات من دخوله طلبوا أشياء بمبلغ 3 آلاف جنيه، وبعد مرور يومين -يقول والده- "رحت على أساس إني هاخده وأروح"، ولكنه فوجئ بطلبهم المزيد من الأشياء، وعند سؤاله عن حالته بدأت الإجابات تختلف: سيخرج بعد يوم فقط، لا تقلق هو على ما يرام، وغيرها من الإجابات التي زرعت الشك في قلب الوالد، وعند إلحاحه لمعرفه ما حدث لابنه قالوا إن حالته غير مستقرة قليلًا، ومن هنا بدأت المشكلة بانتقاله لمستوى أعلى في أجهزة الأكسجين.
خلال 48 ساعة فقط من دخول الطفل للحضّانة انهارت حالته الصحية، وانتقل تدريجيًا إلى الأكسجين بداية من جهاز نيزال "الأكسجين العادي" إلى جهاز سباب 20 ثم سباب 40 ثم سباب 60 "الأكسجين المضغوط في الرئة"، وهي المرحلة قبل الأخيرة والتي بعدها التنفس الصناعي الحنجري، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ازداد الأمر سوءًا حتى قرر هاني الاستعانة بطبيب خارجي، فاستعان بأحد أخصائيي الأطفال حديثي الولادة، ليخرج بمعلومات كارثية، حيث اكتشف أن الطفل لم يخضع لأي تحاليل منذ لحظة دخوله.
وهو أمر غير طبيعي فلا بد من تجديد التحاليل كل يومين، بخلاف حالة الطفل -يقول والده- "حالته مش زي ما دخل، حالته ساءت"، وبالنسبة للحلول التي كانت مطروحة فهي نقله لمستشفى آخر، ولكن أوضح الأخصائي أن الأمر ليس بهذه السهولة فالنقل يحتاج قبول المستشفى المستقبل لحالة الطفل، وسيارة إسعاف مجهزة بجهاز أكسجين حنجري وغيرها، أو تصديق تشخيص الطبيب المشرف على الحالة، والذي أكد أن حالة الطفل بدأت تستقر وسينزل لجهاز سباب 40، الأمر الذي يؤكد أنه سيتحسن وخلال يومين سيخرج.
لم يدم الأمر كثيرًا وفي صباح يوم الجمعة تلقى هاني اتصالًا من إدارة المستشفى يفيد بأن حالة الطفل ساءت بشكل كبير دون معرفتهم السبب، ولا بد من نقله لمستشفى آخر خلال 3 ساعات على الأكثر لجهاز تنفس صناعي حنجري، وهذا الجهاز غير متوافر، تواصل هاني بأسرع وقت مع مستشفى آخر، قبل المستشفى إرسال سيارة الإسعاف المجهزة لنقله، وسرعان ما تغيرت الإجابة عندما علم المستشفى المستقبل المستشفى الموجود به الطفل، حيث ارتاب الطبيب وأخبره نصًّا: "المستشفى دي كلها عدوى ميكروبية" وطلب إجراء التحاليل لتكون هي الطامة الكبرى التي تؤكد إصابة الطفل بعدوى بكتيرية تسبب في تآكل الدم بنسبة 99%.
بالتالي رفض هذا المستشفى استقباله خوفًا من انتشار العدوى، وكذلك 10 حضانات أخرى خشية نقل الميكروب للحالات التي عندهم، وبعد بحث موسع قررت حضَانة الأمل استقبال حالته، فور وصوله تم اتخاذ الإجراءات الطبية الصحيحة إلا أن حالته كانت قد تدهورت بالفعل، واحتاج الطفل لجهاز التغذية الوريدية بعد أن أصابه الهزال والجفاف بسبب التسمم الدموي، ولا يتوافر هذا الجهاز إلا بمستشفى الجامعة بشبين الكوم فانتقل لها، وفي النهاية فشلت كل المحاولات للقضاء على هذا الميكروب وانهارت أجهزة الجسم بعد وصوله للقلب وتوقف عن الحياة، بعد معاناة دامت لشهرين بسبب إهمال المستشفى.
قرار بإغلاق الحضانات تم تنفيذه في 5 أيام
في 26 سبتمبر لعام 2019 تم إصدار قرار بغلق الحضانات التابعة للجمعية الشرعية تحت رقم 371، وتم هذا الغلق بعد التأكد من أن طاقم التمريض غير مؤهل وغير حاصل على ترخيص مزاولة المهنة، وذلك أثناء مرور دوري لحين تلافي الملاحظات ويعود المستشفى للعمل مرة أخرى بعد تلافي الملاحظات، بالإضافة لوجود أدوية بالحضانات غير مدون عليها تاريخ الفتح، وعدم التعاون الصحيح مع أدوية الأطفال، وإثبات عدم تغيير فلاتر الحضانات منذ فترة طويلة، وعدم توافر مكان مناسب لتجميع النفايات، وغيرها من الأسباب، بينما تشتهر مستشفيات عدة على مستوى الجمهورية، تتبع الجمعية الشرعية وغيرها، بانخفاض تكلفة العلاج داخله، وتبني حالات مرضية أخرى دون مقابل، أو تقديم خدمات بأسعار رمزية، مما يستدعي تحديد موقف المستشفيات المخالفة أو تلك التي يتم توجيه ملاحظات لها في السلامة الطبية أو إداريا للعمل بشكل منتظم، من أجل تقديم خدماتها للمواطن بالشكل الأمثل.
الإهمال اختطف ابنتي.. مكنش عندها حاجة مجرد دور برد عادي
«دور برد عادي» هكذا بدأ عبده سعد والد الطفلة المتوفاة شرح حالتها لنا في بداية الحوار، فبعد أن بلغت ابنته شهرين بدأت تعاني من مشاكل بالصدر كأغلب الأطفال الذين يصابون بدور برد في سنها، فقرر والداها الذهاب بها لأحد المستشفيات وتم تشخيصها بحساسية، وبالفعل حصلت على جلستي تنفس في القسم الخارجي وكانت حالتها عادية، وفي اليوم الثاني وفي أثناء تعرضها للجلسة دون سابق إنذار لم تكف عن الصراخ «شرقت لما سهوا عنها».
لم يجد الأب أيًّا من الطاقم الطبي، فلم يكن هناك أحد من الاستشاريين أو المختصين، وجميع الأطباء الموجودين غير متخصصين لأنهم طلاب في 6 طب، فتواصلوا مع الاستشاري عبر "الواتس" حتى وصل وحاول إسعاف الطفلة ووضعها على جهاز بسبب توقف عضلة القلب، ليخرج الاستشاري بعد مرور الوقت ويخبره: «قلبها وقف وعملنالها إنعاش».
«مكنتش عايزها تتبهدل في النهاية دي روح»، هذا هو الشعور الوحيد الذي سيطر على عبده لحظة سماعه خبر توقف القلب، فلم يطلب من الاستشاري سوى أن يخبره بالحقيقة ولا يجعل ابنته عرضة للتعب أو البهدلة، فإذا كانت حالتها سيئة لا داعي لجعلها تتألم، وفي الصباح وصله خبر وفاتها نتيجة توقف عضلة القلب، أكثر ما يزعج سعد هو أنه لم يستطع أن يأخذ حق ابنته لعدم توافر الورق المطلوب، معللًا ذلك بأنه لم يكن يعلم أنها ستتعرض للإهمال إثر إصابة بسيطة كهذه.
شيوخ يديرون المشروع والطاقم الطبي غير موجود طوال اليوم
تطرق القاهرة 24 للحديث مع أحد المسؤولين لاستشفاف حقيقة الأمر، خاصة بعد المعلومات التي وردتنا حول أن الإدارة غير مؤهلة ومن يديرونها مشايخ وليسوا متخصصين، وبالفعل تحدثنا مع الأستاذ «عبد الله»، إداري بالمستشفى، الذي أخبرنا أنه في الأساس معلم تدرّج في المناصب حتى أصبح موجهًا، وعند سؤاله عن طريقة إدارته مع كونه غير متخصص في هذا المجال، فقال إنه لا يتدخل في أي قرارات طبية، ودوره يقتصر فقط على الإشراف على المشروع مستعينًا بمثل "كلف يا سيدي".
أما بالنسبة لقرار غلق الحضّانات وعيادة الأسنان يرى الشيخ أن القرار جاء بعد تقديم أحد الأهالي شكوى بسبب تعرض ابنه للوفاة، الأمر الذي يحدث في جميع أنحاء العالم فالخطأ الطبي وارد معلقًا: "محصلش غير 3 حالات وفاة بس من يوم ما فتحنا المستشفى"، لم يرد أي شكوى نهائيًا سوى من 3 حالات وهو إنجاز في حد ذاته، أما بالنسبة لقرار الغلق فقد تم بنًاء على قيام الوزير لحملة تفتيشية بسبب الضجة التي حدثت بعد البلاغ والشكوى.
الأخطاء كانت عادية لو حدثت نفس الأشياء في أثناء وجود المرور من وزارة الصحة أو العلاج الحر لم يكن الأمر تطور للغلق، فالأشياء التي علق عليها الوزير أخطاء بسيطة تحدث سهوًا مثل عدة معقمة غير مغلقة، وعلبة دواء تم فتحها ولم يسجل التاريخ عليها، ومع طرح سؤال هل تعرض المستشفى لظلم؟ ظهر نوع من أنواع الانفعال في حديث الشيخ قائلا: لا لا اسمعيني كويس سيادة الوزير جاتله شكوى مكنش ينفع يعدي أي خطأ بسيط لكن لو مكنش في شكوى مكنش حصل كدا، وفي النهاية لم يغلق المستشفى سوى 5 أيام فقط فالموضوع بسيط.
تقرير الوفاة مزور.. ابني مات بسبب الإهمال
منذ ولادته احتاج الطفل محمد ياسر الدخول للحضانة لفترة ليست بالطويلة بسبب مشاكل بسيطة في التنفس، فقرر ياسر محمد والد الطفل اختيار أحد الأماكن المدفوعة معتقدًا أن هذه الخطوة توفر لابنه نوعًا من أنواع الحماية والأمان، فقرر إدخاله حضانة المستشفى بعدما تأكد من وجود مكان له بالفعل.
بعد الانتهاء من الإجراءات دخل الطفل بالفعل الحضانة، وظلت أسرته تزوره على فترات لمتابعة حالته والاطمئنان عليه، وبعد أن تحسنت حالته وكان مستعدًا للخروج تدهورت حالته وبدأ في الخضوع لعدة أشعة وتحاليل، ومن هنا بدأ ياسر في القلق على حالة ابنه، فقرر أن يبحث عن أسماء الأطباء والممرضين لتكون المفاجأة الأولى أن جميع القائمين على العمل غير مؤهلين، طاقم التمريض حاصل على دبلومات تجارة، وبالتالي هم لا يمتلكون الخبرة اللازمة للتعامل مع الحالات الموجودة.
تلتها مفاجأة من العيار الثقيل وهي أن جميع الأطباء الموجودين هم طلبة بكلية الطب وليسوا متمرسين، وأن الحضّانة لا تملك سوى استشاري واحد فقط، وبعد تدهور الحالة وشراء الدم والبلازما يوميًا لم يستطع والده التعرف على سبب المشكلة أو نوعية المرض الذي يعاني منه ابنه، حتى أخبرته إحدى العاملات بالمستشفى بأن المشاكل التي حدثت لابنه تمت بسبب تعرضه لشرقة، ولكنها طلبت منه أن يحتفظ بالأمر سرًّا حتى لا تتعرض لأذى، في نهاية المطاف حصل ياسر على جثة ابنه شاحبة مزرقّة اللون بسبب تكتمهم على خبر وفاته لما يقارب الـ9 ساعات، بعد مصاريف وصلت لـ13 ألف جنيه بسبب طلباتهم، ليجد ابنه ضحية الإهمال.
يتم التأكد من الشكوى قبل تنفيذ الإجراءات
تشير بعض الأبحاث إلى أن 250 ألف شخص يموتون كل سنة بسبب أخطاء طبية، بينما يصاب 1.6 مليون شخص سنويًا في عيادة الطبيب أو في المستشفى، و99.000 شخص يموتون بسبب الإصابات المرتبطة بالإهمال في الرعاية الصحية، بينما قدرت وزارة الصحة عدد الأخطاء الطبية في مصر سنويًا بـ180 ألف حالة.
عند سؤال الدكتور حسين ندا، نقيب أطباء المنوفية، عن طرق التعامل مع الشكاوى المقدمة ضد أي مستشفى، قال إنه يتم التأكد في البداية من الشكوى المقدمة والتأكيد من ثبوت المشكلة، وبعدها يتم الذهاب للمستشفى ومعرفة هل هو مرخص أم لا، وحين التأكد من هذا الجانب يتم فحص الجوانب الطبية وطرق حفاظ الأدوية ونظافة المكان، والتأكد من الطاقم الطبي، وفي حال ثبوت صحة الشكوى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية.