الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المقرأة.. قراءة في قصيدة «أنا» نازك الملائكة

نازك الملائكة
ثقافة
نازك الملائكة
الثلاثاء 24/أغسطس/2021 - 04:13 ص

الشِّعر، شُعور وحس، والقصائد مرايا النفوس، فلسفةُ البشري، واختزاله الواسع الرحب، بعض القصائد تعادل أعمارًا، وبعض الأبيات تغيِّر أفكارًا، ومنها ما يجعلك في انتشاء لا يعادله انتشاء، تراقص إحداها روحك، وأخرى تكفكف دمعك، وثالثة تنزفه حتى آخره، واليوم نقرأ معكم إحدى القصائد العذبة الرقيقة، المليئة بالحيرة والبحث عن الذات، قصيدة «أنا» للشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة.

تقول الشاعرة: 

«الليلُ يسألُ مَن أنا

أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ

أنا صمتُهُ المتمرِّدُ

قنّعتُ كنهي بالسكونْ

ولففتُ قلبي بالظنونْ

وبقيتُ ساهمةً هنا

أرنو وتسألني القرونْ

أنا من أكون ؟»

المُفتتح هنا التساؤل، والخاتمة التساؤل وبينهما صعود وهبوط، بين بحث عن ذاتها، وبين السراب، هي سر الليل العميق، وصمته المتمرد، سر خازن الأسرار، ثم تعتريها الشكوك، "قنعت كنهي بالسكون" والتقنع أي الستر، والستر هنا للداخل وللعمق وللروح، والساتر ليس رداءً من الأردية، إنما هو السكون، سكون التأمل والتيه والتساؤل، وتزيد في هبوطها وضعفها، بعدما شردت طويلًا، هي من تكون!.

«الريحُ تسألُ مَنْ أنا

أنا روحُهَا الحيرانُ

أنكرني الزمانْ

أنا مثلها في لا مكان

نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ

نبقى نمرُّ ولا بقاءْ

فإذا بلغنا المُنْحَنَى

خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ

فإذا فضاءْ !»

يستمر السؤال ويستمر البحث عن الذات وتستمر الأنا، والمنحنى الصاعد الهابط، تفتش عن ذاتها وروحها، هي الرياح في القوة، وهي الرياح في الحيرة والتعب، كلٌ يصل إلى وجهته وهي التي إذا وصلت بدأت في رحلة جديدة، ترى نهاية الطريق وعند الوصول تكتشف الخيبة، إنها هاوية لا انتهاء لها، وطريق لا ارتياح فيه، ونفس لن تطمئن أبدًا.

«والدهرُ يسألُ مَنْ أنا

أنا مثله جبارةٌ

أطوي عُصورْ

وأعودُ أمنحُها النشورْ

أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ

من فتنةِ الأملِ الرغيدْ

وأعودُ أدفنُهُ أنا

لأصوغَ لي أمسًا جديدْ

غَدُهُ جليد»

تقترب، تتقرب من الجواب، تتكئ على الدهر الذي يعصف بكل ما يواجهه، تُظهر قوتها، تزأر في وجه أيامها، تنتصر لذاتها، للأنا، تملك قوة تجعلها تتحكم ولا تُحكم، تُشكل لا أن تتشكل، تغيِّر الأمس وغد، تُغِيْرُ على العصور قبل أن يُغَار عليها.

«والذاتُ تسألُ مَنْ أنا

أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام

لا شيءَ يمنحُني السلامْ

أبقى أسائلُ والجوابْ

سيظَلّ يحجُبُه سرابْ

وأظلّ أحسبُهُ دَنَا

فإذا وصلتُ إليه ذابْ

وخبا وغابْ»

يأتي التساؤل هذه المرة من داخلها، من الذات، من أعماق روحها، هي من تكون، وتعود للهبوط والحيرة، هي من تكون!، لا ترى جوابًا، ولا تمسك صوابًا، معصوبة الفكر والحس، محجوبة عنها الرؤى، لا تصل لمنتهى، هي من تكون!، صوت السؤال يذهب إلى فضاءات بغير حدود، صوت السؤال يخرج منها ولا جواب يعود، وحده السراب أمامها، وتنتهي كما بدأت حيرى لم تصل، لم يروها نبع، ولم يهدها فكر، ولم يحويها وطن.

تابع مواقعنا