رواية دروز بلجراد.. دعوة للتسامح والتعايش بين الأديان
رواية دروز بلجراد.. حكاية حنا يعقوب للكاتب الروائي اللبناني ربيع جابر تدور في أعقاب الحرب الأهلية في جبل لبنان بين الدروز والموارنة عام 1860 فالشيخ غفار عزالدين له سبعة أبناء قتل أحدهم في كمين خارج دير القمر والآخر في زحلة بجوار قلعة حاصبيا.. بينما تبقى له خمسة أبناء تم حبسهم مع 550 درزيا ينتظرون السفن كي تنقلهم إلى المنفى في بلجراد.. دفع لهم كل ما يملك فقاموا بإنزال أحدهم له وأخذوا مكانه بائع بيض في الميناء يدعى حنا يعقوب، وقد ترك زوجته الشابة هيلانة وطفلته الصغيرة بربارة وقد رعاهم قسيس كنيسة مار إلياس للكاثوليك فى بيروت.
أما حنا ورفاقه فقد عانوا المصاعب والأهوال في حبس الهرسك وقلعة بلجراد والجبل الأسود.. استخدموها في العمل في الحدائق وتمهيد الطرق وبناء الجسور والسدود والأسوار.. مات منهم الكثير منهم أبناء الشيخ غفار الأربعة بينما هرب حنا يعقوب من سجن الجبل الأسود، وأخذه راعى مقدوني وألحقه بموكب للحجاج مع أبناء سراييفو ثم عبروا الحدود التركية والسورية ثم تركهم وعاد إلى منزلة وأسرته فى بيروت بعد 12 عاما من النفي والتعذيب فى سجون الدولة العثمانية في بلاد البلقان.
السرد والحوار
هناك تداخل كبير بين السرد والحوار.. فالسرد مهما كان دقيقا وشيقا وممتعا لا يمكن أن يغنى عن الحوار، والحوار يبرز شخصية صاحبة وثقافته وخبراته في الحياة، وإن كانت جملة واضحة ومباشرة دون أدنى مواربة، والصورة الشعرية جميلة ومتفردة وتأخذك إلى آفاق رحبة وعوالم جديدة وتضعك في قلب الحدث.. فالكاتب يمتلك أدواته السردية والبلاغية، وقد رسم شخصياته بدقة وعناية فائقة
الرواية من وجهة نظر الدروز والموارنة
أحدثت الرواية فور نزولها جدلا كبيرا بين مؤيد ومعارض في المجتمع اللبناني فالدروز وجدوا أن الرواية قد عبرت بصدق عن معاناتهم وما تعرضوا له من سجن وقتل وتشريد في عهد الدولة العثمانية.. مما دفع وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان بشراء 5 آلاف نسخة من الرواية وتوزيعها على الناس.
أما الموارنة فيرون أن الرواية لم تظهر الحقائق التاريخية كاملة في هذه الحرب الأهلية لأن الدولة العثمانية ساعدت الدروز بالمال والسلاح في هذه الحرب لإحكام سيطرتها على جبل لبنان بعد الصراع بين الفلاحين والإقطاعيين الموارنة
أدب السجون
تعتبر الرواية من أدب السجون وهو الأدب الذى يصور الحياة خلف القضبان وما يتعرضون له من تعذيب وأسباب دخولهم السجن، وقد أسهب الكاتب في وصف التفاصيل الدقيقة لما تعرضوا له من تعذيب في سجون الدولة العثمانية في بلاد البلقان، وإن كان يعاب على الكاتب عدم ذكر أسباب نفيهم بكل دقة وموضوعية وقد عرج عليها من بعيد درءًا للجدل المتوقع.. فالكاتب يدعو في عمله هذا إلى نبذ العنف والتسامح والتعايش بين الأديان
الرواية التاريخية
هذه الرواية تاريخية ولكن الكاتب قد أدخل خياله فيها فأفسدها.. فالرواية التاريخية هي التي تصور عصر من العصور أو حدث من الأحداث، وقد لا يتم الالتزام بها في كثير من الأحيان وهذا ما حدث بالفعل مع الكاتب.. فالحدث التاريخي إذا ذكرته فيجب أن تذكره بكل تفاصيله الدقيقة.. أما أن تذكره على الهامش وتبنى علية حكايات وأحداث من وحى الخيال فهذا لا يصح ويتنافى مع المصداقية.. فقد يكون هذا العمل مرجعا تاريخا في يوم من الأيام.
وفى النهاية فالرواية ممتازة ومليئة بالتفاصيل الكثيرة والحكايات المتنوعة والأحداث الشيقة والمثيرة، وتدعو إلى القيم الإنسانية السامية والتسامح والتعايش بين الأديان.