ليالي إيزيس كوبيا.. كيف نقل واسيني الأعرج معاناة مي زيادة في مستشفى الأمراض العقلية؟
"أتمنَّى أن يأتي بعد موتي من ينصفني".. هي جملة اصطدم بها واسيني الأعرج، عندما كان يحضر درسًا عن الأدب النسوي العربي ليلقيه على طلابه، ويقول: شعرت فجأة كأن مي زيادة كانت تكلمني!.
وفي أول زيارة للأعرج إلى القاهرة، ذهب لزيارة قبرها، وأخذ يتلمسه بيديه، وشعر بعُزلة القبر وصاحبته في حياتها وبعد مماتها، وأخذ يُفكر كيف لمن هي مثل مي زيادة، لا يرافقها إلا ثلاثة أشخاص، أحمد لطفي السيد، خليل مطران، وأنطوان جميل!.
ثم زار بعدها منزلها الذي وُلدت به في فلسطين، ومستشفى العصفورية التي أُودعت بها كمريضة عقلية ببيروت، والتقى بعائلتها وأخذ يجمع المعلومات حولها، والتقى بالكاتب سعد مراد، الذي كتب أول سيناريو عنها، والشاعر هنري زغيب، مدير مركز التراث اللبناني، حتى تكونت له الصورة كاملة، قائلًا: “عند عودتي لباريس تشكلت فكرة الرواية بصورة نهائية”.
عبقرية نساء عصرها
مي زيادة، هي تلك الأديبة العربية الكبيرة، عبقرية نساء عصرها، صاحبة الصالون الأدبي الوحيد الذي كانت تُديره امرأة، ويحضره كبار مُثقفي وأدباء العصر، أمثال أحمد شوقي، خليل مطران، حافظ إبراهيم، طه حسين، لطفي السيد، مصطفى صادق الرافعي، عبدالقادر المازني، داؤود بركات، أنطوان الجميل، وسلامة موسى، وغيرهم، حيث استدرجها أهلها إلى لبنان، ثم اتهموها بالجنون وأودعوها مستشفى العصفورية للأمراض العقلية، كي يحجروا على أموالها، وظلت نحو عام تعاني الألم والقهر، بعد أن تخلى عنها أصدقائها، وتركوها وحيدة داخل المستشفى، حتى تدخّل ملك الأردن وبعض الشخصيات ومنهم أمين الريحاني الذي بلغ قُصارى جهده حتى تخرج الأديبة مي.
تأتي رواية مي: ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمائة ليلة وليلة في جحيم العصفورية، لتحكي عن تلك المُعاناة التي عاشتها، لترد لها بعض من اعتبارها، حيث قالت مي في رواية واسيني: “باسم الحياة ألقاني أولئك الأقارب في دار المجانين.. أحتضر على مهل وأموت شيئًا فشيئًا”.
ويحكي “واسيني” سيرة مي من وجهة نظره، ومن خلال ما توصّل إليه من معلومات وحقائق من أقربائها ومن غيرهم، حيث أقحم الكثير من الأحداث الخيالية، كونها رواية في نهاية الأمر وليست كتابًا للتاريخ، فإن لم تَشُبْها تلك الأحداث السردية خرجت عن كونها عملًا روائيًّا في الأساس.
وحققت رواية مي: ليالي إيزيس كوبيا، نجاحًا كبيرًا منذ خروجها من المطابع وحتى الآن، كما ترشحت تلك الرواية للقائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية عام 2019.