الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

وهـــم التعــــود

الأحد 08/أغسطس/2021 - 01:51 ص

 ذات يوم، وفي بداية مرحلة الشباب تلاشت بعض أحلامــي، وربما اندمجت وامتزجت مع أحلام أخرى، حينها رحت أبحثُ عن تحقيق ما يتناسب مع إمكاناتي المادية. حيث كان حُلم إقتناء سيارة صغيرة يُراودني من حين لآخر، برغم عدم تقبلي لفِكرة القيادة من الأساس! على أية حـــال، انتهى الأمــر بأنني وفِقتُ في شِراء سيارة صغيرة تُناسب مُتطلباتي في ذلك الوقت، ولأنني أخاف من خوض تجربة القيادة ظَلت السيارة حبيسة الجراج المُجاور لمنزلي لمدة تجازوت سِتة أشهر.
    ولأنني مُبتدئ، ولا أجيد القيادة ظللتُ وقتًا طويلًا جدًا حتى تمكنت من قيادة السيارة، وبحكم وظيفتي البحثية خضت هذه التجربة بشكل أكاديمي بحت، حيث قرأت نظريًا أغلب ما يتعلق بميكانيكا السيارات وعلاقة موتور السيارة بسحب السيارة وعزمها وآدائها، ثم بدأت دروسًا عملية مُطوّلة.
    كان ناقل الحركة في السيارة "ناقل من النوع اليدوي" مُزود بأربع سُرعات بالإضافة إلى الغيار الخلفي، وفي حقيقة الأمر ظلت هذه العصا الموسومة بالـ "فِتيس" تُمثل لي هاجسًا كبيرًا عند القيادة، فكل ما أتذكر أنني مُطالب بالسيطرة على عجلة القيادة بيد، وباليد الأخرى أُعطي أوامر لناقل الحركة هذا، أرتبك ويتصبب العرق على جبيني، ليس هذا فقط، بل ومُطالب أيضًا بالنظر يمينًا ويسارًا في المرايا الجانبية، وإلى الأمام أيضًا لرؤية الطريق! هذا بالإضافة إلى البحث عن دواسات البنزين والفرامل والديبرياج!! مُعاناة لمن يعانون من الشرود الذهني وأحلام اليقظة مثلي! مهزلة بكل المقاييس، وإلى الآن لم أستطع إدراك فِكرة أن هناك من يستمتع بقيادة أي آلة، حتى لو طائرة نفاثة.. على أية حـــال، كنت أغتنم الفرصة وأتسكع بالسيارة ليلًا عندما تنام المدينة بالكامل، ولأنني حديث العهد بقيادة السيارات، أعطيت ناقل الحركة " الـ فِتيس " أمرين مُتتالين في اتجاه مُضاد، الأمر الذي جاء بنتيجة سلبية، حيث تم كسر أحد التروس الرئيسة بناقل الحركة والخاص بالسرعة الثانية !!
    وبعد بحث مُطول عند مراكز الصيانة المُتخصصة، استقر الأمر أن يتم تغيير هذا "التِرس" فقط، نظرًا لارتفاع ثمن ناقل الحركة كاملًا، ولكن سيظل هناك ما يعيب السيارة، وهو أنني مُطالب في كل مرة أنقل فيها العصا أن أعطيه أمرين مُتتاليين حتى تستجيب أثناء القيادة! وذلك بسبب عدم تطبيع التروس على بعضها البعض كما كانت من قبل، كان هذا الحل مُناسبًا لي، خاصة وأنني لا أمتلك النقود الكافية وقتها لتغيير ناقل الحركة كاملًا.
    ظلت هذه العادة تُلازمني طوال فترة بقاء هذه السيارة معي، في كل مرة أريد أن أنقل عصا ناقل الحركة " الـ فِتيس" من الغيار الثاني إلى الثالث، أقوم بإعطاء العصا أمرين مُتتالين، نظرًا لوجود هذا العيب منذ تغيير ترس الغيار الثاني، وفي حقيقة الأمر وجدتني قد تعودت على هذا الفعل بشكل تلقائي حتى أصبحت تلك العملية مُسلم بها، وكأنها ضمن مباديء القيادة الرئيسة.
    بعد مرور أكثر من أربع أعوام أخذت القرار بتغيير السيارة بسيارة أكبر، وقد كان...
    اشتريت سيارة أخرى جديدة، وكانت المفاجأة أنني ظللت أقود السيارة الجديدة بنفس الفِكرة وبنفس الأداء السابق، برغم سلامة ناقل الحركة وعدم وجود أي عيب به، وفي كل مرة أُذكّر نفسي بأن السيارة سليمة، ولكن دون جدوى.. في كل مرة أريد أن أنقل من سرعة إلى أخرى أقوم بإعطاء ناقل الحركة أمرين مُتتاليين!! ودون أي داعي لهذا الأمر.
    عند التأمل في هذا الأمر، وجدت أنني أخطأت حينما أبقيت على ناقل الحركة المُعطل في سيارتي القديمة، وأنني قد وافقت على بقاؤه بهذا العيب الذي جعلني اتأقلم على تصرف غير منطقي طيلة أربعة أعوام بسبب أنني تعودت على وضع خاطيء منذ البداية! ربما الأمر وقتئذٍ كان سيكلفني بعض النقود الإضافية أو المجهود، ولكن النتيجة بالطبع ستكون تصرف سوي وطبيعي !! بدلًا من أن أستهلك وقتًا إضافيًا في محاولة الرجوع إلى ما كنت عليه سابقًا..
الخلاصة.. لا تضع نفسك أبدًا داخل ما يُسمى بـ "وهم التعود" وتعلم أن تكون الحلول دائمًا قاطعة حازمة حتى وإن كلفك الأمر.

تابع مواقعنا