الملك فاروق.. الوجه الآخر
قامت ثورة 23 يوليو ضد الملك فاروق وعليه تلقينا كثيرًا من الآراء التي كانت ضد فاروق وسوء إدارته للبلاد وانصياعه الكامل لنزواته وحاشيته، حتى خرجت المظاهرات في الأربعينيات تهتف أين الغذاء والكساء يا ملك النساء؟ وذلك تأكيدًا للصورة التي رسمها كتاب ذلك العصر ومن كانوا حول عبد الناصر.
ولكن عندما تقرأ ما كتبه كريم ثابت سكرتير الملك الصحفي أو الكاتبة لطيفة سالم أو لميس جابر؛ تجد أنك أمام ملك مليء بالوطنية والمصرية.
يقول د يونان لبيب: “فارق بدا ملكًا وانتهى أفاقًا”.
ويقول حلمي سلام: “فاروق فاسد بكل المقاييس”.
أما أحمد أبو الفتوح فيقول: “فاروق كان ضحية إفساد من حوله”.
ومن خلال التقليب في أوراق فاروق وضح لي أنه كان ضحية والده الملك فؤاد، الذي سجنه مع والدته نازلي وإخوته في القصر، ومنع اختلاطه فحرمه من طفولته ولم يختلط سوى بالخدم في القصر، وكان يظهر في مناسبات محددة فقط بأمر والدة الملك. فكانت النشأة أول عوامل هدم شخصيته.
وعندما أرسل إلى بريطانيا لاستكمال تعليمه، توفي الملك فؤاد فعاد دون أن يستكمل تعليمه، وتلك نقطة أخرى بعد أن تم تحويل سنه إلى الهجري حتى يتم إزاحة فكرة أوصياء على العرش.
نحن إذًا أمام ملك طفل لم يستكمل تعليمة ولكن مصطفى أمين يقول بدا فاروق ملكًا محبوبًا وانتهى إلى فاسد بفعل حاشيته.
ويقول محمد حسنين هيكل: “أحبه الشعب وتغنوا له ووصل الحب ذروته في 1942 بسبب عداوته للإنجليز”، وكان فاروق يقول: “مجد الملك من مجد شعبه”.
ولكن هل انشغل فاروق بالانتقام من النحاس باشا وترك البلد تعج في مشاكلها، وأصبح ليس لديه مانع في أن تخطئ الوزارة حتى يزداد كراهية الشعب لها.
انتشرت الشائعات عن علاقات الملك الجنسية وكثرة نزواته النسائية، والتي كان يداري فيها ضعفه كما تقول الشائعات، ولكن هناك مقربون منه مثل كريم ثابت يؤكد على أن فاروق لم تكن له أي نزوات، وإنما كان يرحب دائما بالفنانين والرياضيين وكل نجوم المجتمع المصري، كما أنه لم يشرب الخمر أبدًا في حياته أي لم يكن سكيرًا كما يقول رجال يوليو.
لنعترف أن حاشيته من الخدم كان لها دور كبير في سقوطه بعد أن امتد نفوذها وسلطانها، مثل سائقه الذي رقاه إلى رتبة قائمقام ثم أميرلاي، وبولي من كهربائي في القصر إلى سكرتير شخصي، ومحمد حسن الشماشرجي الذي تحول إلى حاكم فعلي لمصر كما يقول كريم ثابت إن البلد في أيدي الشماشرجية، كذلك سهرات فاروق في نادى السيارات والأوبرج ولعبه البوكر في الأماكن العامة، ومشاهدة ضباطه له كل ذلك من أسباب سقوطه، ناهيك عن تحرر الملكة الأم بعد موت الملك فؤاد، فقد انطلت من سجنها في السراي إلى حريتها وعلاقتها بالمعلم الأول لفاروق، أحمد حسنين.
تطورت الأحداث والصدامات حتى قتل أحمد حسنين في حادثة على كوبري قصر النيل، واتشحت الملكة الأم بالسواد، وقالت لفاروق على الملأ: "مات اللي عملك راجل"، ثم يأتي هروبها وابنتها فتحية إلى أمريكا وزواج ابنتها من رياض غالي المسيحي، وتنصُّرهم بعد ذلك، كذلك علاقته بالملكة فريدة التي وصلت إلى حافة الهاوية حتى تم الطلاق، ثم زواجه من ناريمان التي أنجبت له وليّ العهد، فكل تلك الاضطرابات العائلية كان لها تأثير كبير على فاروق، ولم يستطع مواجهتها أو حلها، إنما انتشرت الشائعات والأقاويل تأكل من رصيده لدى الشعب والجيش.
وكما يقولون كان فاروق وطنيًّا مخلصًا ولكن ظروفه العائلية ونشأته طغت على قراراته وجعلته منحرفًا، حتى قالوا: “بعد طلاق فريدة خرجت الطهارة من بيت الدعارة”، وناهيك عن الهزيمة في حرب 48 والعلاقة المضطربة مع حكومة الوفد وجماعة الإخوان المسلمين والإنجليز من جهة أخرى.
وعندما حاول أحمد حسنين أن يحيط فاروق بأقران من المثقفين المصريين؛ ظهر أمامهم منعدم الثقافة فهو لم يكمل تعليمه وابتعد عنهم وانزوى إلى حاشيته التي يمارس عليها كبرياءه.
ويقول فؤاد سراج الدين: "كان فاروق مستهترًا لا يهمه الناحية الشخصية، ولا كلام الناس ولا سمعته كملك، لذلك كان يتصرف بلا مبالاة أضرت به وبسمعته حتى بدا متآكلًا تمامًا وخصوصًا بعد حريق القاهرة حتى انتهى عام 1952 داخليًّا وخارجيًّا.
وقامت حركة الضباط الأحرار وانقلبت على الملك الذي تنحى وتنازل عن العرش لولي عهده الملك أحمد فؤاد، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش والذي انتهى بإعلان الجمهورية وإلغاء حكم أسرة محمد علي إلى الأبد.
تنازل فاروق عن العرش ولم يدخل في اشتباكات من حرسه الملكي مع الضباط الأحرار، وقال: "لن أقبل أن مصريًّا يحارب مصريًّا، وركب المحروسة بعد أن تم له تشريفة الوداع الرسمية، وأطلقت المدفعية 21 طلقة تحية للملك المخلوع.
ويذكر جلال علوبة، قائد المحروسة، إن فاروق ركب المحروسة ومعه بناته وزوجته ناريمان، ولم يكن معهم ملابس سوى ما يرتدينه، وليس كما قيل أنه حمل معه كل ما غلا ثمنه.
وقال فاروق لمحمد نجيب عند وداعه: “أتمنى لكم التوفيق”.
وتقول ناريمان: “كانت أصعب لحظة والملك يقبل أرض المحروسة قبل أن يغادرها إلى إيطاليا”.
وعاش فاروق بقية عمره في إيطاليا حتى وفاته، وقبلها طلق ناريمان هي الأخرى، وحرص فاروق على أن يدفن بمصر عند وفاته، وهذا لم يتم في عهد عبد الناصر، وإنما تم بعد ذلك، وتم نقل رفاته ودفنها في مقابر العائلة بمسجد الرفاعي في عهد السادات.
وانطوت صحفة من عهد مصر، ولكن السؤال هنا: كثير من الكتب تناولت فاروق على أنه كان زير نساء وعربيدًا وفي حالة سكر دائم لتناوله الخمور، وهناك من أنصفه وكتب بعدل الله وأمانة الكلمة، ولكننا نحن الجيل الذي لم يعاصره، ولكن يتناول كل ما يلقى أمامه فمن نصدق؟
هل كان فاروق وطنيًّا غيورًا على وطنه محبًّا له كما وصفه البعض
أم كان فاروق ضحية ظروفه العائلية وصغر سنه ونشأته القاسية التي أثرت على شخصيته
أم كان فاروق فاسدًا أفاقًا كما يقول البعض
وتبقى الحقيقة غائبة مطوية مع أصحابها الذين تركوا لنا ما يجعلنا نكره أو نحب كما يريدون.
ولنا وجه آخر مع شخص آخر..
نلتقي