الآثار البيئية لسد النهضة على مصر والسودان وإثيوبيا
تمتد التأثيرات البيئية السلبية للسدود حينما تكون في دول المنبع، حيث تتحكم في دول المصب خارج الإقليم، وتزداد الأمور سوءًا للتأثير في كيانات أخرى ودول أخرى تشاركها المجرى المائي، وهذا لا يتعارض فقط مع القوانين الدولية المنظمة ولكن مع الفطرة الإنسانية السليمة.
والمثال الأكثر وضوحًا الآن هو سد النهضة التي أوشكت إثيوبيا على الانتهاء منه وبدأت في عمليات التخزين والتشغيل، ضاربة عرض الحائط بمصالح دول المصب، مصر والسودان، وبالتأثيرات السلبية التي قد تحدث لها ودولتي المصب مصر والسودان.
والتأثيرات البيئية لسد النهضة تشتمل على حجز الطمي في بحيرة السد، وتدهور خصوبة الأراضي الزراعية في مصر والسودان، وزيادة الحاجة إلى استخدام الأسمدة الكيميائية وفقدان مساحات كبيرة من أراضي الري الفيضي الزراعية في السودان، بالإضافة إلى فقدان الأراضي الزراعية في منطقة السد في إثيوبيا نفسها، إلى جانب اختفاء النشاط التعديني وتهجير السكان في المناطق المحيطة بالسد.
كما أن إغراق مساحات كبيرة من أراضي الغابات والأراضي الزراعية والأراضي الغنية بالثروات المعدنية كان من نتائج إنشاء بحيرة السد.
ومن الآثار الحتمية، تلوث المياه وزيادة ملوحتها وعجز المناسيب والتأثير على جودة مياه الشرب وتداخل مياه البحر مع المياه الجوفية؛ ما سيؤدي إلى تقليل جودتها وتدهور نوعية المياه فى البحيرات الشمالية، وتغيير تركيبها البيئي، والتأثير على العوامل الحاكمة لأنظمتها البيئية التي تساعد على استمراريتها وكفاءتها.
والاعتداء البشري المستمر على منظومات المياه العذبة وتدمير عديد من النظم البيئية يؤدي إلى الفقر الأحيائي على جميع المستويات المكونة للجهاز البيئي ابتداءً من المخزون الجيني وانتهاءً بالأجهزة البيئية، مرورًا بالأفراد والأنواع والعشائر حتى يحدث العجز في التنوع البيولوجي وتدمر الأجهزة البيئية، حيث يكون معدل التدمير أقوى من قدرة الطبيعة على الإصلاح، أو ما يسمى في علم البيئة بالرجوعية (Resilience) وهذا أخطر من العجز المائي في حد ذاته، لأن اختفاء الأجهزة البيئية بمكوناتها إذا حدث سيكون أبديًا أما مشاكل الجفاف والعجز المائي فتظهر وتختفي.
وبالتأكيد ستتأثر الثروة السمكية بالتغير الذي سيطرأ على نوعية المياه وستتدهور مصايد الأسماك وتتغير أنواعها وكميتها، بالإضافة إلى انقراض عديد من أنواع الأسماك، وبشكل عام قد تختفي بعض الأنواع النباتية والحيوانية كنتيجة حتمية لإقامة سد أو تجفيف أرض رطبة أو تحويل أرض جافة إلى خزانات مائية، ورغم أن الطبيعة ستغير مكانتها بعد انقراض بعض الأنواع أو اختفائها، فإن المشكلة تتفاقم نتيجة الاعتداء البشري المستمر على منظومة المياه العذبة، ما سيؤدي إلى العجز في التنوع البيولوجي وتدهوره.
بالإضافة إلى مشكلات التهجير القصري للسكان وتحويل النظم الزراعية وظهور أمراض لم تكن معروفة من قبل، والتغير في حرارة الجو نتيجة تغير تدفق المياه وانحسار الدلتاوات الساحلية، وما زالت الآثار البيئية المحتملة للسد على إثيوبيا والسودان ومصر تحتاج إلى متابعة ودراسة مستمرة؛ حتى يمكن كشف التأثيرات الحقيقية التي ستزداد خطورة مع مرور الوقت.
وما خفي كان أعظم.