"العمالة اليومية".. جرس إنذار يدق في أروقة الطيران المدني
جرس إنذار يدق في طرقات الطيران المدني وخاصة الشركة القابضة للمطارات وشركاتها التابعة، بعد تعيين مئات من العاملين فيما يطلق عليه "العمالة اليومية".
القصة بدأت منذ سنوات.. بعد وقف التعيينات في قطاع الطيران المدني الذي يعاني من وجود آلاف العمالة الزائدة، بإبرام عقد اتفاق يقضي بتكليف عدد من العاملين ببعض المهام في صورة مؤقتة، ويتحصل منها العامل على راتبه بقدر الأيام التي كلف بها في العمل، وكان هذا يتم في إطار احتياج بعض المطارات الخارجية لتخصصات موسمية لا تحتاج إلى التعيين أو استدعاء من الشركة في القاهرة.
لكن وللأسف.. وكالعادة انتهز عدد من المسئولين الفكرة ووجدوا في ذلك مخرجًا قانونيًّا لتعيين الأقارب والمعارف، فتسابقوا في ذلك حتى ضم القطاع مئات من العاملين في هذه الصورة حتى ضجت جميع القطاعات بمزيد من العمالة "التي لا تعمل" وانضموا إلى زملائهم من المعينين الذين لا يقضون سوى ساعات العمل فقط، ويكبدون الدولة مزيدًا من الأموال المهدرة التي تكون في صورة وقود سيارات للانتقال وطاقة تعمل بها تكييفات الشركات والمطارات وغيرها الكثير "دون جدوى أو عمل"؟!
والحقيقة تقتضي القول بأن العمالة المؤقتة لا تتمتع بنفس مميزات أو رواتب العاملين المعينيين، إلا أن ذلك مدعاة أيضا للنظر في أمرهم، فالعمالة المؤقتة تخسر الوقت الذي يدفعونه من أعمارهم دون وجود أي أمل للتعيين أو حتى دون وجود أي حقوق لهم تتحملها الشركات، كما أن الأموال التي تدفع في صورة رواتب تستنزف أيضا قطاع الطيران، وبالتالي فالجميع في حالة خسارة.
حل المشكلة في كل الحالات "مشكلة".. وهناك عدة سيناريوهات لا مخرج عنها للمسئولين في القطاع..
فإما أن يتم تسريح العمالة المؤقتة، وبالتالي فهذا يشكل أزمة لهم خاصة لمن اعتمد على راتبه وهيأ لنفسه أنه سيعين في أقرب وقت ممكن.
السيناريو الثاني هو أنه سيتم الإبقاء على وضعهم كما هو، وبالتالي سيشكل هذا مزيدًا من الضغط المالي على الشركات، بالإضافة إلى عدم استقرار هذه العمالة اجتماعيًّا وأسريًّا.
السيناريو الثالث هو تعيين العمالة المؤقتة، وبالتالي زيادة القوة البشرية داخل القطاع، والتي أكدت جميع الدراسات من داخل وخارج الطيران أنه أحد أهم أساب الخسائر، حيث بلغ عدد العاملين نحو 60 ألف موظف في كل الشركات التابعة لوزارة الطيران المدني.
الإنصاف يقضي بعدم تحميل الشباب من العمالة المؤقتة المسئولية.. فهم معذورون لأنهم نشأوا على أن الملجأ الحقيقي والاستقرار الأبدي يكون في وظيفة الحكومة، وإنما المسئولية تقع على المسئولين ورؤساء الشركات الذين وافقوا على التحاقهم بالعمل دون أن يكون هناك عمل في الأساس؟!
المسئولية أيضا تقع على كاهل الأسرة والمجتمع الذي يرسخ لفكرة التعيين الحكومي والذي يكلف ميزانية الدولة مبالغ مالية باهظة، وفي الوقت نفسه لا توفي مرتباتهم بمتطلبات الأسرة، فيتجه شباب الموظفين إلى العمل في وظيفة أخرى، وبالتالي تفقد أسرته جزءًا كبيرًا من الاستقرار والدفء الأسري، كما أن عمله في وظيفة أخرى يتسبب في انضمام شاب آخر إلى صفوف العاطلين عن العمل.
المجتمع والأسرة ووسائل الإعلام والصحافة مطالبة بتركيز الضوء على النماذج المشرقة والمشرفة ممن اتجهوا للعمل الخاص والإنتاج، واستفادوا من مئات المبادرات التي وجه بها الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي تقدم كل ما يحتاجه الشباب من تدريب وتمويل وتسويق، وهو ما أدى إلى نجاح عشرات الآلاف من المشاريع الإنتاجية التي كان شباب الخريجين هم أبطالها.
الدولة عانت كثيرا بعد ثورة يناير من تعيين عشرات الآلاف من العمالة، وكان عدد منهم من أصحاب العقود المؤقتة فاضطرت الدولة إلى تعيينهم، وأدى هذا إلى دخول احتياطي النقد الأجنبي في مرحلة خطرة كان الجميع يترقبها وشعر الجميع أيضا بنتائجها، حتى استعادت الدولة مرة أخرى عافيتها واستطاعت أن تعيد احتياطي النقد الأجنبي إلى مستويات مرضية تعمل على استقرار الوطن والحكومة، وكان هذا بفضل رؤية الرئيس السيسي الذى استطاع الوفاء بالتزامات الدولة داخليًّا وخارجيًّا وإعادة النظر فيما يستنزف طاقة الدولة وخرانتها وتوجيهها إلى من يستحقها.
وأخيرًا.. لا بد أن تتناغم جميع مؤسسات الدولة ووزاراتها مع الاتجاه الذي يبني ولا يهدم، ويمكث في الأرض ولا يأكلها، والاستفادة من تجارب الماضي، والعمل على التفكير خارج صندوق "ماكينات الصراف الآلي" وعلى المسئولين أن يضعوا قراراتهم في هذا التناغم، وأن يبنوا ولا يهدموا، حتى نصل بمصرنا إلى ما تستحقه بإذن الله.