محمد سالم الغامدي يكتب: السلوك العربي التسولي
من المسلمات الاجتماعية المعروفة، أن البيئة المحيطة بالإنسان، يكون لها بالغ الأثر على سلوك الفرد وقيمه وعاداته وتقاليده، فهي من يتغذى عليها عقله الباطن، الذي يكتنز كل خبراته الحياتية، لتتحول يومًا ما إلى سلوك وعادات وتقاليد حياتية تمارس، وبما أن المجتمعات العربية قديمًا وحديثًا، ترزح تحت نماذج حكم تتسم الغالبية العظمى منها بالسلطوية شبه المطلقة، كحكم الدولة أو القبيلة أو حتى الأسرة، التي تعد النواة الأولى في النسيج الاجتماعي العربي، وانطلاقًا من ذلك، فإن المجتمعات العربية المتقاربة بيئيا وسياسيًا واجتماعيًا، تتسم بسلوكات وعادات وتقاليد متقاربة إلى حد كبير.
ولعل أبرز تلك السلوكيات الممارسة بدرجة لافتة على جميع المستويات الاجتماعية بدءًا من الأسرة ثم القبيلة ثم الدولة، هو السلوك التسولي، الذي يبرز دومًا في مخاطبة المواطن للمسؤول؛ حيث نجد أن تلك المخاطبة، تكون ملازمة للترجي والتذلل، لطلب حق من الحقوق الواجبة التنفيذ من قبل المسؤول للمواطن، بينما المفترض أن تكون المطالبة بذكر الحق للطالب، ثم ذكر المستوجب على المسؤول تنفيذه، وإشعاره بأن ذلك يعد تقصيرًا منه في أداء المهام الموكلة إليه، كما هو الحال في عصرنا الإسلامي الأول وكذا في الدول المتقدمة.
ولعل هذا الإشكالية قد اتضحت في سرد أحد الطلبة المبتعثين لأمريكا، لما حدث في إحدى المطالبات البحثية، التي كُلفوا بها من قبل أحد أساتذتهم في الجامعة، عندما طلب من مجموعة من الطلبة المختلفة جنسياتهم، كتابة خطاب للمسؤول يطالبه فيه بحق توفير خدمة موكلة له، فاتضح أن خطابات الطلبة العرب جميعها تميل إلى أسلوب التسول والترجي، لتوفير الخدمة المطلوبة تفضلًا منه وإحسانًا، وعدم الإشارة إلى جوانب تقصيره، والتأكيد على ضرورة توفير تلك الخدمة التي تعد من مهامه، ثم ختمت تلك الخطابات بمثل ما بدأوا بها من ثناءً وشكرًا.
أما خطابات الدول الأخرى غير العربية، فقد كانت تشير إلى تذكير المسؤول بواجباته والتنبيه على تقصيره في توفير هذه الخدمة، وأن من واجبه تصحيح الأمر في أقرب وقت، وإن لم يتم ذلك فسوف يتم الرفع إلى المسؤول الأعلى منه، فهل نرى ذلك في معاملاتنا الحياتية على مختلف المستويات الاجتماعية؟
نتمنى ذلك قريبًا.