عن النني أو أحمد زكي الكرة المصرية
أعلم أن الربط بين الاسمين قد يبدو غريبًا للبعض، فالفارس الأسمر لم يضاهِه أحد في موهبته الفنية التي أمتعنا بها أكثر من 3 عقود، ونال إشادات عالمية لم تنقطع حتى الآن وكثيرون يعتبرونه الموهبة الأهم في السينما المصرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
أما محمد النني فهو من شقّ طريقه من مصر إلى بلاد الإنجليز ليكون لاعبا في واحد من أهم الأندية الإنجليزية "أرسنال" وليسّطر تاريخًا كبيرًا في مسيرة احتراف اللاعبين المصريين في الخارج.
لكن ماذا يجمع بين "النني" و"أحمد زكي" هذا هو السؤال، ولعل الملمح الأول أن الاثنين لم ينتميا إلى المدرسة التي يهواها الجمهور، فلم يقدم "زكي" مجرد أفلام يريدها الجمهور ليتصّدر شباك التذاكر كما فعل غيره من النجوم، بل راهن على "التمثيل" وما يقدمه من معنى وهي معادلة أفقدته كثيرًا من الأموال وتهافت المنتجين عليه.
أما "النني" فينتمي لنفس المدرسة، فمركزه في الملعب "لاعب وسط" ورغم أن هذا المركز من أهم المراكز داخل المستطيل الأخضر فهو من القادة الذين يسيّرون المباراة وينظمون اللعب، لكن الجمهور في النهاية لن يتوقف عند التمريرات الصحيحة والخطط التكتيكية، لأنه يبحث عمن يسجل الهدف ويهزّ الشباك وهي ليس مهمة "النني" بكل تأكيد، وربما هذا ضمن عوامل أفقدته الجماهيرية التي يستحقها مقابل مهاجمين آخرين اعتلوا الصدارة في قلوب ملايين المشجعين لكنهم يقلّون عنه موهبة وأداء.
أما الملمح الثاني الذي يربط بين الاثنين هو وجود تاريخ كبير لم يلتفت إليه الجمهور بالقدر الذي يستحقه، ولعل البعض لا يعرف أن أسطورة أحمد زكي الفنية التي يستحقها الرجل بكل تأكيد لم تنشأ إلا بعد وفاته وإدراك ما كان يقدمه من فن، أما في حياته فـ"زكي" عاني كثيرًا على كافة المستويات حتى اضطر لرهن شقته لإنتاج بعض أفلامه، ناهيك عن عدم احتفاء فني مقارنة بنجوم جيله الذي تفوق عليهم "زكي" كثيرًا.
نفس تلك الإشكالية يعاني منها محمد النني، فالمتتبع لتاريخ اللاعب حتى الآن يستطيع أن يرى أننا أمام أسطورة نجاح، فاللاعب المولود في المحلة الكبرى استطاع أن يكون ناشئا من ناشئي الأهلي ثم تألق في المقاولون العرب ومنه إلى نادي بازل السويسري ثم أرسنال الإنجليزي.
من ناحية الإنجازات فـ"النني" حصل على دوري السوبر السويسري مع "بازل" واستطاع أن يصمد 5 سنوات -حتى الآن- في الملاعب الإنجليزية وفي نادي من أقوى أنديتهم، وتلك تجربة لم يصمد فيها لاعبون كُثر سرعان ما عادوا بعد أن أخفقوا في ملاعب إنجلترا أو على الأقل لم يتحملوا المعارك التي تدور في الكواليس.
لكن "النني" صمد واستطاع كسب ثقة أكثر من مدرب للنادي، وحقق بطولات معهم، بل وخلال العام الماضي تولى شارة القيادة ليكون قائد أحد أعرق الأندية الإنجليزية لاعب مصر خرج من أرض المصانع والعمال، وعلى الجانب الآخر فإن "النني" أيضًا أستطاع كسب ثقة أكثر من مدرب للمنتخب الوطني وشارك في كافة البطولات القارية والعالمية وبل وبحسب الأقدمية فإن "النني" هو كابتن منتخب مصر، ألا يستحق هذا التاريخ ألا نبخسه حقه.
أما الملمح الثالث الذي يربط "النني" بأحمد زكي، يتعلق بشخصيتهم دائمًا، فالأخير كان صاحب مواقف فنية كثيرة رفض فيها الظلم رغم ما عاناه من اضطهاد في بعض الأوقات، كما أنه عاش للفن ومن أجل الفن فقط لم يفتعل مشاكل كثيرة بل إن أغلب ما يقال عنه كانت معارك تم استدراجه فيها.
هذا الملمح نراه في "النني"، فحين طلب منه مدرب المنتخب الوطني أن يتنازل عن شارة القيادة لزميله محمد صلاح رغم أن "النني" هو الأقدم، وافق دون أي اعتراض، لاعب بلا مشاكل فقط يركّز في الكرة ويعيش من أجلها، تحمّل الكثير من الهجمات في بعض الأحيان، دخل مقارنات مع غيره فلم يكترث، صمت واجتهد ولعب ونجح، أما في المواقع العالمية فـ"النني" حاضر بدعم المظلوم ورفض الظلم كما هو الحادث في الاعتداءات الأخيرة للكيان الصهيوني على فلسطين.
والسؤال الآن متى نعطي كل ذي حق حقه دون أن ننتظر سنوات حتى نقول إننا في يوم من الأيام كان لدينا "أسطورة نجاح"، ومتى لا نقيس النجاح بشبّاك التذاكر وعدد الأهداف!