السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ما جناه الإنترنت على الإبداع

الجمعة 09/أبريل/2021 - 03:44 م

قبل أن يستقر إله الإنترنت فوق عرشه، وقبل أن يُرسل ملائكته لتغزو كل ثكنات ذلك العالم الافتراضي، تحديدًا في غضون العصر اللا إنترنتيّ، كان الحصول على معلومةٍ ما، في تخصصٍ ما، يشبه العثور على إبرة في كومة قش.

بالطبع كانت هناك الكتب، غير أن رحلة البحث في آلاف الكتب، غير المفهرسة وغير المرتبة، التي استقرت فوق أرفف المكتبات منذ أزمنة شتى، تغطيها طبقات لا تحصى من الأتربة وخيوط العنكبوت، لهي رحلة شاقة إلى أقصى درجة. غير أنه وبعد أن اكتسحت شبكة الإنترنت العالم بكل فضاءاته وعوالمه، بات سهلاً، وإلى أقصى درجة أيضًا، التوصل إلى أية معلومة، وإن كان ليس كل ما يتم التوصل إليه، عبر شبكة الإنترنت صحيحًا، أو يمكن الاطمئنان إلى سلامته المعلوماتية. إذن ثمة يقين أنْ ليس كل ما ينشر على حبال الإنترنت موثوقًا به، خاصة أن معظمه غير معلوم المصدر، كما أن معظمه ما هو إلا عبارة عن آراء لأشخاص قد لا يكونون، بالطبع، متخصصين في المجال الذي يسارعون بالفُتْيةِ فيه.

مدار الفضفضات

هنا تبرز براثن الخطورة، إذ ربما يستسهل بعض الباحثين فيعتمدون معلومات، هي أقرب إلى مدار الفضفضات بين الأصدقاء منها إلى مدار المعلومات، دون التأكد من صحتها أو حتى دون الاهتمام بتوثيق مصادرها وبيان أهميتها من عدمها.

هذا في ما يخص مجال المعلومات. أما في ما يخص المجال الإبداعي وفضاءه، فإن فضاء الإنترنت قد سمح للجميع، من دون استثناء، حتى أولئك الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، إن ساعدهم أحد في هذا، بأن ينشروا كل ما يخطر ببالهم في اللحظة وفي التو دون أن تكون ثمة مصفاة لتنقية ما تجود به قرائحهم، إنهم يطبّقون هنا المثل القائل: خليه بخيره!

وهنا تكمن خطورة أخرى تتمثل في أن هذا الانفلات غير المقنن يحول النص الكتابي في أحايين كثيرة إلى نص يشبه ما يقال تقريبًا في جلسات نميمة العامة، التي تشهدها مصاطبهم كل غروب شمس.

سرقات غير أدبية

ورياضيًّا.. بما أن النشر في هذا الفضاء قد بات وأصبح وأضحى سهلاً، إذن ما الذي يجعل جماعة الكتبة الإنترنتيين منهم تحديدًا، الذين ولدوا مع مولد هذه الشبكة العنكبوتية يدققون في أعمالهم ويقومون بتنقيحها قبيل الدفع بها إلى شاشة الحاسب مرورًا بلوحة المفاتيح مباشرة بعد أن بات مباحًا ومتاحًا لأي حي أن ينشر على الملأ بنات أفكاره أيًّا كانت فساتينهن التي يرتدينها!

غير أن أخطر ما في الأمر هو أن فضاء الإنترنت بات فضاءً خصيبًا للسرقات غير الأدبية، لا سيما أن ما ينشر لا يمكن بأي حال من الأحوال لأحد أن يلم به أو أن يحصيه. بالطبع كان هناك قديمًا لصوص يجعلون مما ينشر ورقيًّا أرضًا وملعبًا يمارسون فوق نجيله الأخضر طقوس عمليات سرقاتهم التي يخرجونها من بطون الكتب القديمة والتي يظنون أن أحدًا لا يعرف ما تحتوي عليه، أو أن الجميع قد نسي ما بين دفتيها، غير أن حظهم، الأكثر من عاثر، كان يُلقي في طريقهم مُطّلعًا أو قارئًا متفحصًا ليكشف ما يقومون به ومن ثم تصبح فضائحهم بجلاجل.

محترف وهاوٍ

من هؤلاء اللصوص من هو محترف ومنهم من هو هاو وغبي، كالذي أعجبته قصة قصيرة نشرتها إحدى المجلات فأخذها وأرسلها بعد فترة باسمه إلى المجلة نفسها والتي بدورها باركت صنيعه ونشرتها له، غير أن صاحب القصة المسروقة اكتشف هذا فكانت فضيحة السارق مدوية.          أما ما يفعله اللصوص المحترفون فهو سطوهم على أفكار غيرهم وعلى أعمالهم التي يقومون بطمس معالمها ويغيّرون فيها حتى تبدو، هكذا يتخيلون، مختلفة عن المصدر المسروق منه، لكنْ كثيرًا ما يقيد الله لكل سارق تسول له نفسه السطو على ما لغيره، مَن يكشف أمره ويقوم بفضحه بل وبتجريسه على الملأ.

إذن هل يمكن لنا أن نقول إن وجود الفضاء الإنترنتيّ قد ساعد، وبشكل ملموس، على ازدياد الرقعة التي يلعب فوق أرضها هؤلاء اللصوص؟

ربما يقول بعضهم إنه نظرًا إلى أن ثمة آلاف النصوص تنشر عبر هذا الأثير فإنه من الصعوبة بمكان أن يتسنى لأحد أن يكتشف أمر سرقة ما.. إلا إذا تدخلت عناية السماء ونزلت على ملعب بالرمو النتيّ. ويمكن أن نُجيب بأنه كما عمل الإنترنت على ازدياد أعداد الكتبة فإنه أيضًا عمل على ازدياد أعداد القراء والمتصفحين، الذين يمكن لأحدهم أثناء تجوله هنا أو هناك أن يضع يده على سرقة ويقوم بكشفها بسهولة.

جبل أحد

الغريب أنه ماذا ينتظر لص سرق نصًّا من على موقع نتي ما، ثم قام بنشره على موقع آخر؟

ألا يتبادر إلى ذهنه أنه وكما تضاعف عدد الكتبة حتى وصل عددهم إلى ما يماثل عدد حبات رمل جبل أحد، فقد تزايدت كذلك أعداد القراء الذين لا عمل لهم ولا شاغل سوى الطواف والتجول بين أرفف تلك المواقع ومؤشرات بحثها.

بالطبع يلجأ الأغبياء إلى فعل هذا في الوقت الذي أتاح فيه الفضاء الإنترنتي للجميع أن يكتبوا ما يروق ويحلو لهم دون مروره على ناقد أو محكم أو ما شابه. لقد بات ممكنًا أن يكتب أي شخص أي كلام في أي كلام ويقوم بنشره، دون خوف من مصادرة أو حتى من رفض نشر كما يحدث مع الكتب الورقية التي يُرفض بعضها من قِبَل دور نشر.

إنها طبيعة اللصوص الذين لا يستطيعون أن يتخلوا عن خفة أياديهم، أو أقلامهم الثكلى، حتى إنهم يسرقون أنفسهم، إن لم يجدوا ما يقومون بسرقته!   

تابع مواقعنا