السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قبل افتتاح متحف محمود خليل.. نقد لاذع من "المازني" لأشهر تماثيله

تمثال نهضة مصر
ثقافة
تمثال نهضة مصر
السبت 03/أبريل/2021 - 01:10 م

تفتتح الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، متحف الفنان محمد محمود خليل وحرمه التابع لقطاع الفنون التشكيلية برئاسة الدكتور خالد سرور، غدا الأحد، بحضور نخبة من الفنانين وقيادات الوزارة والإعلاميين.

وعلى الرغم من المكانة الكبرى للفنان التشكيلي محمود خليل فإن ذلك لم يمنع الكاتب الكبير إبراهيم المازني من توجيه نقد لاذع لأهم تماثيله وهو تمثال نهضة مصر.

ومن المآخذ التي وجهها المازني لتمثال نهضة مصر، وهو أن يقارن المازني بين تمثال أبو الهول ومحمود مختار فيذهب إلى أن تمثال مختار على براعته لا شيء حين يقيسه المرء إلى أبي الهول الفرعوني، فإنه على هذا الوجه من الكآبة والجد والتشوف والصبر والجلال والنبل، ما ليس له شبه في وجه الإنسان، وهو حجر ولكنه فيما يبدو للعين يفكر، ينظر إلى الدنيا حوله ولكن نظرته تتخطاها إلى الفراغ الذي يلفها في طياته، وتتطلع إليه فيُخيل إليك أنه يرد عينه إلى الماضي متجاوزا محيط الزمن وأمواج أجياله وقرونه، أو متراجعا بها ومطبقا بعضها على بعض، حتى تعود وقد امتزجت وآضتْ مدا واحدا عند أُفق القدم، نعم يفكر أبو الهول هذا في الحروب التي دارت أرحاؤها في الأزمنة الغابرة، وفي الدول التي شهد قيامها وسقوطها، وفي الأجيال التي رأى مولدها وراقب نهضتها ولاحظ فناءها، وفي المسرات والأحزان والحياة والموت والرفعة والذلة التي دارت بها أربعة آلاف من السنين البطاء.

 

ويضيف في مقال بعنوان وتمثال مختار ضمن كتابه "صندوق الدنيا": ودعْ ما أرادوا أن يرمزوا له به، إن كانوا قد قصدوا إلى شيء من ذلك، فما أراه أنا إلا تجسيدا لتلك الملكة الإنسانية التي يسمونها "الذاكرة" في صورة بارزة محسوسة، وما من أحد عرف أي شعور تحركه في النفس ذكرى الأيام السوالف، وماذا ترسم على الوجه، إلا، وهو يستطيع أن يقرأ ذلك كله في هاتين العينين اللتين يديرهما أبو الهول فيما عرفه وشهده قبل أن يُولد التاريخ.

وهو لا يقيس الزمن بالسنين، فإنها هُنيْهات، ولا بالأجيال فإنها لحظات، وإنما يقيسه بالدول التي قامت ثم تقوضت تحت عينه التي لا تتعب ولا تشبع من النظر، ذلك أن فيه معنى من معاني الخلود، فقد رأى منف وطيبة وشاهد مجدهما، وعاش ليُبصر الخراب يُعفي عليهما ويوكل بهما البوم والوطاويط، ورأى أبناء إسرائيل يقومون ثم يُسحقون، والأغارقة ينهضون ثم يموتون، ورومية تُشاد ويرتمي ظلها على الأرض ثم تفنى، والعرب يستفيضون في الدنيا أسرع من العاصفة ثم يذهبون في سبيل من غبر.

وكما أخذت عينه عظام مئات من الدولات كذلك ستأخذ قبور مئات أخرى قبل أن يفتُر لحظُها وتطبق الجفون.

والمرء ينظر إلى أبي الهول الساهد ويفكر في آلاف السنين التي قضاها هنا على حافة الصحراء، فلا يستغرب ولا يخالجه شيء من الشعور بالتنافي بين هذه الدهور الطويلة وبين مقامه هذا، وذلك أن ربضته تشيع في النفس معنى الاستقرار التام. وقد أحسن القدماء بإيثار الربوض له، فإنه جلسة مريحة تقترن في الذهن بمعنى الاستمرار، وليس كذلك «النهوض» كما هو مصور في تمثال مختار، والمرء خليق حين يعود إليه مرة بعد أخرى أن يحس أن لهذا الوضع ما بعده، إما أن يثب إلى الأرض، وإما أن يعود إلى الجثوم والراحة والسهوم مرة أخرى، أما البقاء هكذا يوما بعد يوم. وشهرا في إثر شهر، وعاما في عقب عام، فليس من السهل على العقل أن يأنس إليه ويقتنع به، وقد تكون هذه مزية للتمثال، وعسى أن يكون المقصود بها أنها نبوءة أو أمل أو نحو ذلك. ولست أعيب أو أنقد، فما أعني أكثر من أني حين أنظر إلى التمثال لا أحس أني قد رأيت كل شيء، وقد أتوهم أنه سيثب عن القاعدة إلى الأرض.

وهذا الذي عليه أبو الهول الجديد إقعاء لا نهوض، فإن الحيوان- من البعير إلى الهرة - حين يريد أن ينهض، يقوم على رجليه الخلفيتين أولا ثم الأماميتين، أما القيام على رجليه الأماميتين فحسب، فهذا هو الإقعاء، وهو جلسة للحيوان يتخذها أحيانا، وأكثر ما يراه الإنسان في الكلاب، حين تقعد ناشرة آذانها راصدة عيونها، وأحسب أن مختارا إنما آثر هذا الوضع؛ لأن منظر أبي الهول يكون غريبا ثقيلا إذا أنهضته على رجليه الخلفيتين، كما ينبغي أن يفعل إذا كان يقصد إلى النهوض، ولعل عذر مختار أن أبا الهول هذا خليط من الإنس والحيوان فله أن ينهض كيف يشاء حتى على رأسه.

ويستطرد المازني: وهذه الفتاة المنصوبة إلى جانب أبي الهول لا أفهم معناها ولا أدري لماذا يقيمها المثال هناك ويضنيها بهذه الوقفة المتعبة؟ ولو كنت أنا مختارا لاستغنيت عنها جملة ولاجتزأت بأبي الهول وحده؛ لأنه إذا كان المراد الرمز إلى أن مصر تنهض، فإن أبا الهول بمفرده حسْبُ من شاء أن يرمز إلى ذاك. ولن يركب الجهلُ أحدا فيتوهم أن المراد به رومية أو قرطاجنة، ففي نهوضه وحده ما يكفي رمزا لنهوض البلاد التي اقترن اسمه بتاريخها، زد على ذلك أن قيام الفتاة إلى جانبه تخليط؛ وذلك أنها، على ما فهمتُ، رمز لمصر الحديثة. وعلى هذا يكون أبو الهول عنوانا على مصر القديمة، وكان المعنى، على هذا، أن مصر الحديثة توقظ مصر القديمة، أو أن مصر القديمة تنهض إلى جانب الحديثة وفي كنفها، وكلا المعنيين مستحيل يرفضه العقل ولا يسيغ معناه، وأصح من ذلك أن هناك، أو هنا على الأصح، مصرا واحدة تاريخها سلسلة متصلة الحلقات، وأنها كانت نائمة أو متفترة أو ما شئت غير ذلك، ثم هي الآن تستيقظ أو تنفض عنها غبار القرون وتهم بالنهوض، وهو معنى لا يحتاج إلى هذه الفتاة التي تفسده ولا تؤيده.

ولست أستريح إلى وقفة الفتاة فإنها كالعصا، ويُمْناها التي على رأس أبي الهول غريبة في وضعها؛ فإنها لا يسندها في الحقيقة إذا تأملتها إلا أصابُعها، أما ذراعها فكالمعلق في الهواء إن كانت الشملة، أو لا أدري ماذا هي، تحجب هذا التعليق عن عين الناظر، وهي لا تفعل بيُمناها هذه أكثر من هذا الاستناد بأطراف الأصابع دون باطن الراح، ولا أدري لماذا جعلها كذلك ولم يدعها تريح ذراعها؟ ثم ما معنى هذا الوضع؟ وما الذي قصد به إليه؟ أتُراه أراد الإيقاظ؟ فهذه ليست حركة إيقاظ، وليس في وجه الفتاة أدنى التفات إلى الذي بجانبها إن صح أنها تريد أن توقظه. أم تُرى المراد أن مصر الجديدة تحسُر عن وجهها وتبرُز للعالم معتمدة على مصر القديمة، فإن كان هذا هو المقصود وأحرى به أن يكون؛ فإن رمز النهوض واليقظة هو الفتاة لا أبو الهول، ولا داعي إذن لإقامة أبي الهول على رجليه ما دام أن الناهضة سواه، وأنه ليس إلا تُكأة ووسيلة للرمز إلى الاتصال بالماضي، وحينئذٍ يكون المعنى أتم وأقوم بأن يظل أبو الهول هذا رابضا على العهد به والفتاة حاسرة على جانبه.

والخلاصة أن التمثال كان حقيقا أن يكون أوفى بالغرض فيما أرى لو أن أبا الهول ظل رابضا إلى جانب الفتاة المعتمدة عليه؛ إشارة إلى اتكاء مصر الحديثة على ماضيها واعتزازها به واستيحائها إياه، أو لو أن التمثال خلا من الفتاة. والأُولى عندي أفضلُ؛ اجتنابا للإقعاء، وتفاديا من الوقوع في هذا الغلط. أما التمثال في شكله الحالي فلا أكتم القراء أني أحس كأني أحمله وقاعدته على ظهري. ولا يسوء مختارا قولي هذا فإنه يعلم أني من أجهل الناس بالفنون، وأن ليس لي من الوسائل المعينة على حسن التقدير سوى رأس واحد وعينين اثنتين ليس إلا.

 

تابع مواقعنا