قلب حجر وآخر ستر.. كيف ضمد حادث قطاري سوهاج جرح السيدة التي طردها ابنها من المنزل؟
للحظات ضاقت الدنيا في أعينها، سلبت روحها، انقبض نفسها، لم يعد حضن ابنها وفلذة كبدها الذي أعطته عمرها يتسعها، فلجأت "سمرة راوي" لسيدة النظرة، الحامية بنت رسول الله، تسترحم بها، تستشيرها وهي عريضة الجاه، تحكي لها، بعشم أن هذا المكان سيسعها ويصل نفحاته، "كنت رايحة أعيش قدام ستنا زينب أم هاشم، بعد ما ابني زعلني"، في إشارة إلى أن ابنها طردها.
بقلبٍ مليء بصرخات مكلومة، خرجت "سمرة" صباح أمس الجمعة من نجح حمادي، قاصدة "أم العواجز"، المشهد في أعينها وهي جليسة مقعدها في قطار "157" ضبابي وممتزج بين مشهد طردها من البيت ومشهد استقبال أهل الكرم لها، تقصد "أم العواجز" تطبب جرحها، حتى شاءت مشيئة الله وكانت على موعد آخر مع القدر.
المشهد زاد ضبابية، وقعت حادثة كارثية راح ضحيتها أكثر من 30 شخصًا، نجت السيدة، إلا أنها شاهدت تفاصيل لن تغيب عن ذهنها، "قاعدة والقطر دفدف عليا، والكراسي وقعت عليا والحديد"، اهتز قلبها ارتجف جسدها أسود المشهد، وباتت تبحث عن أحد ينقذها، مرددةً "طلعني يا ولدي.. طلعني يا بوي".
تستغيث السيدة بأحد الشباب الذي يقارب سن ابنها، وفي ذهنها مشاهد طرد "الابن الجاحد" لها، ورغم إصابة الشاب أتاها عارجًا ودون أن يدري قبلها، "تعالي يا أما"، لترد بتلقائية: "طلعني يا بوي طلعني يا ابني".
لدقائق يغمى عليها، فيغيب الوعي عن "سمرة"، وبعد إفاقتها تجد أمامها الشاب الذي نقذها يسألها: "مشوفتيش الناس اللي كانت معايا يا أما.. لقيت جزمتهم ومش لقيهم"، ينهمر الشاب في البكاء، يرتمي في حضن السيدة، تستقبله بدافع الأمومة فهو "ابن الحادث" الذي نجيا منه وأنساها حجود "ابن البطن" الابن الحقيقي العاق.
أقرأ أيضًا:
الرحلة المنكوبة 157.. هنا مات محمود وصرخ رحيل وتألمت سمرة (صور وفيديو)
هنا تعالت الصرخات ومات محمود وصرخ رحيل.. هنا اعتصر الألم أشلاء الضحايا ولطخت الدماء أجساد المصابين في الرحلة 157.. مأساة أخرى لعشرات الركاب في قطارات السكة الحديد.. وما بين فاجعة 2002 وكارثة 2021 قائمة كبيرة من أسماء الضحايا والمصابين والمفقودين.. تحرك القطار وعادت الحركة وبقي الألم يرفرف فوق منازل الضحايا والحزن في قلوب المصابين وذويهم.
هنا "تيشيرت" خالد.. وهناك رأس حسين مقطوعة بين الحديد والقضبان ويد محمد وقدم علي.. هنا في مستشفى طهطا العام، يرقد هشام ومحمد وعبد الرازق ومعتمد ينتظرون تقرير الرحمة بالخروج من دائرة الألم.. وهنا ترقد "سمرة" حائرة خائفة بعد أن هربت من جحود الأبناء لتسقط بين صلابة حديد القطار المهشم.. يهرس الحديد أجساد الضحايا الضعيفة ويظل الألم يعصر الضحايا ويدفن الحزن رأسه بين ذويهم.