"عندي ثقة فيك!"
• في قصة من القصص المتداولة على اعتبار إنها تراثية مع إن ليها أصل حقيقي لموقف حصل فعلاً في فترة السبعينيات في واحدة من الدول العربية؛ كان مدرس الرياضيات للصف الرابع الابتدائي واقف بيشرح للطلبة درس الحصة.. فجأة وبدون مقدمات وهو مندمج في الشرح فيه تلميذ رفع إيده!.. رغم إن ماكنش فيه سؤال موجه للتلاميذ من المدرس لكنه شاور للتلميذ إنه يقف ويقول هو عايز إيه.. التلميذ وقف وقال إن ساعته الغالية اللي كان لابسها اتسرقت ومش لاقيها!.. الجملة كانت غريبة والمفروض إن يبقى وراها مليون سؤال من نوعية وإنت إيه أصلاً اللي مخليك جاي المدرسة ومعاك ساعة غالية وإنت لسه عيل كده؟.. أو إيه المطلوب مني دلوقتي؟.. أو أو أو.. للحظة كان المدرس هيقول له إن ده مش وقته ولا مناسبته لولا دموع التلميذ اللي قال وراها إن الساعة دي أهميتها مش بس عشان سعرها لكن برضه عشان كانت آخر هدية من والده الله يرحمه!.. المدرس لقى نفسه في موقف صعب، وغير حزن التلميذ نفسه، ومع إن المدرس أستاذ رياضيات لكنه كان من يومين بيتكلم مع الولاد عن الأمانة وأهميتها وبتاع!.. بالتالي كان لازم تدخُّل يحسم القصة دي.. بص لـ التلميذ صاحب الساعة وسأله إنت متأكد إنها كانت معاك هنا؟.. الولد قال إنه متأكد لإنه طلع بيها من الفسحة فعلاً ولو اتاخدت هتبقى اتاخدت منه هنا من حد من زمايله قبل ما الأستاذ يدخل!.. عظيم.. عدد الولاد ماكنش كبير وكانوا أقل من 15 بالتالي كان سهل عليه إنه يطلب منهم يطلعوا كلهم يقفوا عند السبورة وبدأ يفتش بنفسه الشنط بتاعتهم أو أدراج الديسكات اللي قاعدين عليها.. مفيش أثر للساعة!.. كده بقى الاحتمال الوحيد الأقرب للصح إن الساعة تكون في جيب حد من التلاميذ!.. تمام.. طلب المدرس من كل التلاميذ إنهم يبصوا للحيطة ويغمضوا عيونهم بما فيهم صاحب الساعة نفسه!.. وبدأ يفتش جيب كل واحد فيهم واحد ورا التاني.. فيه تلميذ بالذات من وسط التلاميذ كان بدأ يرتبك أول ما بدأ التفتيش!.. المدرس شاف جيوب أول تلميذ.. التاني.. التالت.. الرابع.. هوب جه دور التلميذ المرتبك.. لقى في جيبه الساعة.. المدرس مسكها وكمل تفتيش الباقيين عادي ولا كإنه لقاها.. خلصوا التلاميذ.. طلب المدرس منهم إنهم يفتحوا عيونهم.. لقوه ماسك في إيده الساعة وبيسأل صاحبها: دي ساعتك؟.. طبعاً الولد جري على الساعة وهو الفرحة مش سايعاه وبيقول أيوا.. صاحب الساعة سأل المدرس: بس مين اللي سرقها؟.. المدرس رد إن مالكش فيه ومش مهم، المهم إن الحاجة بتاعتك بقت معاك خلاص، واللي سرقها عارف إنه سرقها ومش هيكررها.. وراح بص لكل الولاد بنظرة سريعة مرت عليهم كلهم: أنا واثق فيه إنه مش هيكررها.. كان واضح إن المدرس مش عايز يعرض الولد اللي سرق لأى إحراج من أى نوع وشاف إنه كفاية عليه أوى الربكة اللي هو كان فيها.. وده فعلاً كان حال الولد المرتبك زي ما قولنا.. خلصت السنة الدراسية، ووراها سنة وإتنين وتلاتة وسبعة وخلال المدة اللي قضاها الـ 15 تلميذ جوه المدرسة ماحصلش إن تم تسجيل أى حالة سرقة جديدة بما يعني إن التلميذ المرتبك اتعلم الدرس.. مرت السنين أكتر وأكتر والعيال كبرت وبقوا رجالة كبار واشتغلوا في وظايف مهمة.. في فرح من الأفراح وأثناء ما المدرس اللي كان طلع على المعاش كان قاعد كواحد من المعازيم على ترابيزة في زاوية القاعة لقى شاب في أواخر العشرينيات بيقرب منه وبيبوس إيده وراسه.. المدرس كان متعود على التصرف ده كل فترة خصوصاً إنه كان راجل سمعته محترمه وعلاقته بكل اللي درّسلهم لطيفة ومش بتتنسي.. الشاب قال له أنا فلان الفلاني اللي إنت أنقذتني!.. سأله أنقذتك من إيه؟.. الشاب رد إن هو الطفل اللي سرق الساعة، وإنه لحد النهاردة ممنون للأستاذ إنه رفض يقول عنه للناس.. هنا كانت المفاجأة الغريبة اللي رد بيها الأستاذ اللي قال إنه ماكنش يعرف إن هو اللي سرق.. الشاب سأله إزاي وإنت مطلع الساعة من جيبي بإيدك!.. الأستاذ رد إنه لما طلب منهم كلهم وقتها إنهم يغمضوا عينهم هو كمان كان مغمض عينه وهو بيفتشهم عشان لو لقى الساعة في جيب حد فيهم ثقته ماتتهزش في التلميذ ده!.. أوف!.. يعني أنت ماكنتش عارفني؟.. أكيد لأ بس كنت واثق إن ثقتي فيك هتخليك ماتكررهاش، وهو ده اللي حصل!.
• في مدينة شيكاغو الأمريكية اتولد الشاب الأمريكي "هاري وين" سنة 1937 لأسرة بسيطة كانت الخناقات الزوجية اللطيفة بين والده ووالدته هي اللي مسيطرة على الجو العام فيها.. زعيق، شخط، نطر، وضرب أحياناً؛ كانت حاجات بتحصل كل يوم.. ده يديلك فكرة عن حجم التوتر العصبي اللي صاب الطفل الرضيع "هاي" وبقى ملازمه!.. الفكرة إن والدة "هاري" كانت أصلاً متجوزة والده بعد قصة حب كبيرة لكن والده اللي كانت عينه زايغة معظم الوقت واضح إنه اعتبر إن الجواز هو نهاية الحب مش بدايته فبدأ يلعب بـ ديله وتقريباً كل يوم بيكون مع واحدة!.. الوضع كان مقرف بالنسبة لوالدة "هاري" اللي ماكنتش شايفة أى مبرر للي بيحصل ده خصوصاً يا بارد إننا لسه متجوزين جديد وأصلاً مفيش أى تقصير مني حصل في أى حاجة!.. بس لا حياة لمن تنادي فضل الراجل زي ما هو.. الحلو في الموضوع واللي بيثبت مدى محبة والدة "هاري" لوالده إنها بعد كل مرة تكشفه فيها كان بيعتذر وبيتمنى منها إن ثقتها فيه ماتتهزش!.. فتوافق وتصالحه!.. فيرجع تاني، ويرمي ثقتها فيه في أقرب صفيحة زبالة!.. واستمرت الدايرة المفرغة دي فترة كبيرة!.. لكن ولإن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولإن كل طاقة تحمل وليها نهاية، ولإن برضه لو الاحترام غاب بين أى طرف من الطرفين أو مابقاش متبادل بتستحيل الحياة الزوجية؛ كان لازم يحصل الإنفصال.. المرة دي كان طلب والدة "هاري" طلب نهائي مافيهوش أى قدرة على التسامح مرة جديدة.. حتى والد "هاري" كان معتمد إنها عشان مش بتشتغل وقاعدة في البيت وماعندهاش مصدر رزق فهي طالبة الطلاق مجرد تهويش كده وخلاص زي كل مرة وبرضه لإن فيه طفل بينهم عنده 5 سنين!.. لكن لأ.. أنا عايزة أتطلق يعني عايزة أتطلق.. طب والولد؟.. هربيه لوحدي.. طب وهتصرفي منين؟.. هشتغل.. هتشتغلي إيه وإنتي عمرك ما تعاملتي في أى حاجة قبل كده؟.. مالكش دعوة وأنا مسؤولة عن نفسي وعن "هاري"، وإنت مش مطلوب منك غير إنك تطلقني فقط لا غير.. خلاص تمام عناد بـ عناد إنتي طالق وبالسلامة.. الراجل كان بيراهن نفسه لآخر لحظة إنها بترميها كده وخلاص لكن اللي اكتشفه مع الوقت إن دي رغبتها اللي مقتنعة بيها.. طبعاً القرار وتنفيذه جُم للراجل على الطبطاب لإن الغمة اللي كانت كابسة على أنفاسه راحت لحالها.. على الناحية التانية كانت والدة "هاري" ملخومة في إزاي إنها تقف على رجليها وتواجه الدنيا بمعاييرها الجديدة القاسية وهي اللي تعتبر حرفياً قطة مغمضة.. مش مهم هجرب.. جزء من الإنهيار النفسي اللي كان عند والدة "هاري" إنها فقدت ثقتها في كلمة "الثقة" أصلاً من كتر الرمرمة اللي كان بيعملها طليقها وتصديقها له كل مرة لحد ما الكلمة ومعناها بقوا ماسخين!.. اشتغلت في مغسلة بفلوس بسيطة جداً لكن قدرت تربي "هاري" بشكل مقبول.. مش ممتاز ولا جيد حتى.. لأ.. مقبول.. لما الولد وصل لـ سن 15 سنة ماكانتش والدته قادرة تواصل شغل بسبب عضلة قلبها اللي ألمها هاجمها أكتر من مرة وبقى الحل الوحيد إنها ترقد في السرير بدون مجهود ولا حركة!.. طب هنصرف منين؟.. "هاري" قال أنا هشتغل!.. ساب دراسته، ومكملش تعليمه وقرر يشتغل.. اشتغل عامل في محطة بنزين، ومندوب مبيعات، وديلفري، وغيرهم.. كل ما كان يكسب أى عدد من الدولارات كان يجرب يحطهم في حجر أمه اللي كان شايف إنها عملت المستحيل عشان يقدروا يكملوا ويعيشوا.. في واحدة من الشغلانات الكتير اللي اشتغلها "هاري" حب واحدة زميلته في الشغل.. قرر يتجوزها!.. اتكلم مع أمه اللي كان عندها اعتراض على الخطوة نفسها على أساس إننا ماينفعش نبهدل معانا بنات الناس وكده.. بس "هاري" صمم وقال لها إنها عارفة ظروفهم كاملة وموافقة عليها.. خلاص اللي يريحك اعمله.. اتجوز "هاري"، وجت مراته عاشت معاه هو وأمه في البيت.. الفكرة إن "هاري" كان إنسان عنده كرامة شويتين تلاتة أربعة عشرة.. وده كان بيخلّيه مايعمرش في أى شغلانة لو حس إن صاحبها بيتنطط عليه أو بيظلمه.. عشان كده غيّر شغلانات كتيرة.. بس مع لمحة الإحباط اللي كانت بتبقى على ملامحه كان بيرجع البيت ويسمع جملة واحدة بس من أمه ومراته.. إحنا واثقين فيك.. بس كده؟.. بس كده.. فيتحمس فيدور على شغلانة جديدة فيشتغلها وهكذا.. لحد ما في مرة جاتله شغلانة قيادة عربية زبالة تابعة لشركة القمامة المسؤولة عن نظافة المنطقة!.. هو عن نفسه كان موافق على الشغلانة رغم إن مرتبها بسيط بالمقارنة مع آخر شغلانة بس كان قلقان إن الوظيفة تعمل إحراج لمراته أو أمه.. شجعوه وقالوله الإتنين جملة واحدة برضه.. إحنا واثقين فيك.. اشتغل في الشغلانة دي لمدة سنتين كاملين ودي أطول مدة يكمل فيها في مكان واحد.. بعدها قرر يعمل شركة جمع قمامة خاصة بيه هو!.. وعمل كده فعلاً سنة 1962.. المشكلة إن الموضوع مش مكتب ويافطة وخلاص!.. ده إنت محتاج تأجر عربية أو إتنين وتجيب ناس تشتغل وليلة يا عم "هاري".. قال لك مش مهم وراح استلف 5000 دولار من كذا واحد من أصحابه اللي عرفهم خلال شغله في كذا مكان.. لما روح البيت وقبل ما يبدأ يصرف المبلغ اللي استلفه وكتب على نفسه ضمانات كتيرة لأصحابه بيه كان حاطط الفلوس قدامه على الترابيزة وكان بيفكر يكمل ولا لأ!.. يعني الصبح أبدأ فوراً في تنفيذ اللي في بالي، ولا أخلع بدري بدري؟.. اللي هو فيه فرصة للتراجع قبل ما تقع الطوبة في المعطوبة.. كالعادة شارك مراته وأمه في الحيرة دي.. وكالعادة ردوا عليه الرد اللي ماكنش بيكون محتاج بنزين غيره عشان يخليه يكمل ويقوي قلبه!.. اشترى عربية قمامة كبيرة مستعملة، وكان بيشتغل عليها بنفسه عشان يوفر مرتب عامل.. كام ساعة في اليوم؟.. 8 ساعات كاملين.. هو اللي بيسوق، ويشيل، ويحط لوحده!..قد إيه؟.. 5 سنين تقريباً.. خلال الفترة دي كبرت الشركة وبقت رقم إتنين في السوق!.. فيه واحد قريب "هاري" كان عنده شركة منافسة ليه، فلما شاف نجاح الواد المفعوص ده طلب منه إنهم يدمجوا الشركتين سوا.. "هاري" وافق وحصل فعلاً سنة 1968.. الشغل كبر أكتر وأكتر.. كل كام شهر كانوا بيوسعوا شركتهم عن طريق ضم شركات صغيرة ليهم لحد ما ضموا 133 شركة.. واحدة واحدة وفي خلال 10 سنين بس بقت أرباح شركة "هاري لين" 82 مليون دولار، وعدد الموظفين اللي فيها 60 ألف عامل، وعدد عملائها فوق الـ 600 ألف عميل.. على فكرة إحنا بنتكلم في أواخر السبعينات كده شوف بقى ده وصل لحد فين دلوقتي!.. والسر؟.. زي ما هو قال أكتر من مرة "الثقة بدون حدود" اللي كان بياخدها من أمه ومراته، واللي كانت بتحسسه إنه دايماً يقدر.
• وارد تقابل حد يخليك تفقد ثقتك فيه بس مينفعش بناءاً على تجربتك معاه؛ إنك تفقد ثقتك في باقي الناس!.. أهم بنود ثقتي فيك إنك تكون مقدرها ومش زى اللي سبقوك.. "الثقة" زى الأستيكة بتصغر مع كل غلطة شوية بشوية وحجمها بيقل لحد ما بتختفي.. ثقة فلان فيك أمانة تقيلة لو مش قدها ماتقبلش تاخدها من الأساس.. الأديب "وليام شكسبير" قال: (رحيل الثقة أصعب من رحيل الأشخاص).