الإثنين 02 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"عشان خاطر عيونك"

القاهرة 24
الجمعة 19/فبراير/2021 - 05:11 م

• في سنة 2016 في محافظة السويس حصل موقف مصري أصيل بين الأستاذ "أحمد عبداللاه" الموظف في المركز الطبي في السويس ومراته السيدة "عبير الغريب" اللي بتشتغل مدرسة إبتدائي في مدرسة "بور توفيق".. "أحمد"، و"عبير" كانوا وقتها متجوزين بقالهم 22 سنة.. "أحمد" كان شايف قد إيه إن مراته بتتعب في المدرسة كل يوم ومن كُتر إهتمامها بتلاميذها ومهنتها دايمًا بتكون أول واحدة توصل المدرسة وآخر واحدة تمشي منها ده غير طبعاً تعبها كزوجة مصرية أصيلة في البيت وطلبات البيت اللي مش بتخلص.. تضحية وإخلاص زي اللي بيحصلوا في بيوت أغلبنا من أمهاتنا أو زوجاتنا واللي غالباً بتبقى البطلة فيه هي الست والحلو فيها إنها تضحية بدون انتظار أى مقابل.. "أحمد" حب يعمل لمراته مفاجأة لطيفة يرد بيها ولو جزء بسيط من اللي هي بتعمله.. قرر وبالإتفاق مع المدير والناظر إنه يروح المدرسة اللي هي بتشتغل فيها يوم الأجازة بدون ما يقول لها!.. ليه؟.. عشان يزين ويجمل الفصل اللي هي بتدرس فيه ويعلق فيه زينة ولوحات إرشادية للطلبة عليها رسومات!.. والسبب؟.. عشان يهييء جو مناسب لزوجته في شغلها وعشان يحسسها إنه مقدر تعبها.. بس ده يوم أجازتك أنت كمان يا عم "أحمد"!.. مش مهم ما هي دي الفرصة الوحيدة اللي ينفع أعمل فيها ده.. كمل اللي ناوي عليه، ورغم سنه الكبير وعدم لياقته لكن اشتغل على تجميل الفصل بمنتهى الحماس.. ده حتى لما لقى فيه كذا كرسى بايظ جاب شاكوش وصلحهم وطلع على سلم خشب عشان ينضف الحيطة بتاعت الفصل!.. "أحمد" مش شايف إن اللي هو عمله ده شىء غريب وقال في حوار صحفي بما معناه إن ده طبيعي وثمن قليل جداً لتضحيتها لإن الحياة مشاركة بين إثنين لازم يجمعهم الحب والتعاون مش الصراع بينهم وأنا قررت إنها تكون قاعدة في جو لطيف في البيت والشغل عشان أساعدها تأدي مهمة التدريس بإخلاص خصوصًا إن "عبير" مقررة من وقت ما بدأت شغل إنها ماتديش دروس خصوصية.. "عبير" لما راحت الفصل اليوم اللي بعده وشافت الزينة متعلقة واللوحات اللي شكلها عظيم إنبسطت جدًا والأعظم إن الموضوع بقى يتكرر كل يوم أجازة لحد دلوقتي!.. القصة بتاعتهم بقت حديث كتير من وكالات الأنباء في مصر وقتها.. والعنوان العريض للحدوتة؟.. التضحية.

 

أستاذ أحمد أثناء تحضير المفاجأة لزوجته

• من 65 سنة كان الفنان "محمد كمال المصري" الشهير بـ "شرفنطح" واللي كتير منكم هيعرفوا شكله لو شافوا  صورته؛ قاعد قلقان وهو منتظر دوره عند الدكتور عشان يكشف بسبب حالة الكحة القاسية اللي ملازماه بقالها كذا يوم ومفيش ولا دواء جاب نتيجة معاها.. دخل يكشف والدكتور ما أخدش وقت طويل عشان يشخص الحالة.. قال له: (للأسف عندك ربو يا عم شرفنطح).. شرفنطح وشه جاب ألوان لإنه كان عارف زيه زي غيره إن مجرد الإصابة بالربو في الفترة الزمنية دي فى أوائل الخمسينات معناها إن النهاية قربت سواء المدة طالت أو قصرت.. أوامر الدكتور كانت صارمة.. راحة تامة على قد ما تقدر وممنوع التدخين.. راحة تامة يعني مفيش الحاجة الوحيدة اللي بيحبها.. الشغل والتمثيل.. نقدر نقول إن دي من أكتر اللحظات المؤلمة اللي حصلت لـ شرفنطح في حياته وخرج من عند الدكتور رجليه مش شايلاه.. وقرر غصب عنه إنه يلتزم بالتعليمات.. لمدة 10 سنين متتالية بعد كده انقطعت علاقة شرفنطح  بالسينما والمسرح نهائياً ولغاية وفاته.. قبلها كانت بدأت مدخراته تتآكل تدريجياً بسبب علاجه الغالى نوعاً ما بالإضافة طبعاً لعدم قدرته على الشغل مرة تانية وده خلّى حياته هو ومراته تمر بمرحلة صعبة من الفقر وضيق الحال بس هما اتحملوا وصبروا.. كان عند مراته فرصة عظيمة وبناءاً على طلبه إنها تسيبه وتروح تقعد عند أسرتها ميسورة الحال في واحدة من مدن محافظة الدقهلية بس هي رفضت رغم إصرار شرفنطح على ده!.. قال لها: بس دي تضحية كبيرة أوي عليا.. ردت: التضحية لو ليك تبقى واجب يا محمد.. هي كانت شايفة إن إحنا بدأنا مشوارنا سوا، وهنكمله سوا على الحلوة وعلى المرة.. اللي مش كتير يعرفوه إن شرفنطح كان دايماً يقف جنب أى فنان بيمر بأى محنة لدرجة إنه كان متكفل بالمصاريف الشهرية لـ 3 أسر من أسر فنانين كومبارس اتوفوا.. كان راجل جدع زي ما الكتاب بيقول.. ومن كُتر جدعنته مع غيره فيه بعض الفنانين زي "حسن فايق" وقتها كنوع من رد الجميل إنه يمد له يد العون ويتكفل بمصاريفه الشهرية وفعلاً قدر هو ومجموعة فنانين يجمعوا مبلغ 40 جنيه مصري وهو مبلغ كبير جداً وقتها على أساس إنهم يجمعوله زيه كل شهر لكن شرفنطح شكرهم ورفض بشدة.. أصدقاءه الفنانين مايأسوش وقرروا يساعدوه بطريقة تانية تحفظ له كرامته.. قدروا أخيراً وبعد حملة تضامن معاه من خلال الصحف من صرف مرتب شهري قدره 10 جنيه من خلال نقابة المهن التمثيلية وعلى الرغم من ضعف قيمة المبلغ لكنه للعلم كان أعلى شريحة تصرف لأى فنان من النقابة في الزمن ده وهو تقبل المبلغ وفرح  بيه جداً لإنه حس إنه تقدير من الدولة لتاريخه حتى ولو كان التقدير ده هزيل وقيمته لا تتجاوز حدود الـ 10 جنيه.. بعد بُعده عن التمثيل فيه صحفي طلب يعمل معاه حوار عشان يسأله عن أسباب غيابه الفني فقرر الرد في شكل رسالة لجمهوره وتم توزيعها على أغلب الصحف الفنية.. كان نصها كالتالي: (أنا كما ترون، متعطل، مريض بالربو، مثقل بالشيخوخة.. أنفقت ما أملك على الدواء وليته أجدانى، فإن الربو لم يبرح مكانه صدرى.. إن الربو عنيد لا يتزحزح، لقد أقعدنى وأعجزني عن العمل، وقال لى الأطباء أنني سأموت إذا غامرت بالعمل والربو في صدري.. ليس لى أسرة كبيرة فإن زوجتي وحدها هي أسرتى التي ترعاني، وتقوم بتمريضي، وتسهر على راحتي).. صدر قرار إزالة لمنزله في سنة 1961 وعلى الرغم من إن هو ومراته عدوا سن السبعين وقتها ماكنش مكسوف يعزلوا  لبيت تانى بسيط ومتواضع عبارة عن أوضة واحدة بس موجودة في واحدة من حواري  منطقة القلعة!.. عمره ما فقد إبتسامته ولا حب مساعدته للغير وفضلت فيه نفس العادة وكان بيقتطع جزء من الـ 10 جنيه اللي بيقبضها عشان يقدمها لواحدة من الأسر اللي كان بيساعدها.. يا عم طب إنت فى إيه ولا في إيه شوف نفسك الأول!.. طيب ضحّي لما يكون معاك فايض مش تاخد من مصدر دخلك الوحيد عشان تدي غيرك!.. لأ أنا كده مرتاح والتضحية رايحة في مكانها الصح.. لحد ما حصلت أكبر كارثة في حياته لما اتوفت زوجته سنة 1964 عشان تسيبه وحيد بيعانى مرارة قسوة المرض والوحدة!.. كان بيتولى أموره جاره في الأوضة اللي قدامه "عبد الواحد" اللي كان بيشتغل سُفرجي في بيت واحد من الأعيان، وهو اللي كان بيشقر على شرفنطح من وقت للتاني عشان يراعيه.. في يوم طلب شرفنطح من "عبد الواحد" إنه ييجي معاه مشوار.. هتروح فين يا عم شرفنطح؟.. سأل "عبدالواحد" فجاوب شرفنطح: هنروح مستشفى القصر العيني.. سأله: ليه أنت تعبان؟.. رد: لأ بس عايز أعمل حاجة كده لما نروح هتعرفها.. الفكرة إن قبلها بحوالي شهر ولما كان شرفنطح بيعمل الكشف الدوري اللي بيعمله عند الدكتور في المستشفى فوجيء إن الدكتور بيستأذنه إنه يخلّي طلبة كلية طب اللي بيتدربوا في المستشفى يبصوا على الحالة بتاعته كمثال حي يشوفوا ويدرسوا ويتابعوا عليه مضاعفات مرض الربو.. شرفنطح وافق، ووافق كمان إن الموضوع ده يبقى مستمر بشكل دوري كل أسبوع!.. الدكتور قال له لأ دا أنا هستغل فرصة إنك هنا وهخليهم يشوفوك المرة دي بس فشرفنطح رفض وصمم إنه ييجي مخصوص بشكل مستمر عشان يساعد الطلبة!.. لما حكى شرفنطح القصة لـ "عبدالواحد" وهما في الطريق للقصر العيني "عبد الواحد" وقف وسأله بإستغراب: يعني إنت يا عم شرفنطح عايز تبعتر شوية الصحة اللي حيلتك وتضحى بيها في مشوار زي ده! ده اسمه كلام!.. شرفنطح مسكه من إيده عشان يخليه يكمل مشى وقال: على الأقل دي تضحية عارفة هي رايحة فين يا عبده.. لمدة 12 مرة متوزعين على 3 شهور راح شرفنطح لمستشفى القصر العيني عشان الطلبة يدرسوا حالته بدون ما يفكر في نفسه ولا صحته ولا راحته!.. في فجر يوم 25 أكتوبر سنة 1966 ولما فتح "عبد الواحد" باب أوضة شرفنطح عشان يسلم عليه قبل ما يروح شغله لقاه واقع على الأرض بدون حركة وكان اتوفى.. اتوفى، وهو راضي ومقتنع إن تضحيته راحت في المكان الصح للناس الصح وده سبب كافي كان إنه يتوفى وهو مبتسم بعد ما كان سبب في بسمة الملايين.

 

الفنان "محمد كمال المصري" شرفنطح

• في سنة 1980 الطفلة "ليندا" اللي كان عندها وقتها 6 سنين والدتها اتوفت.. وهما في المستشفى هي ووالدها سمعت حوار بين والدها وبين الدكتور إنهم في المستشفى هياخدوا قرنية العين بتاعت أمها كـ تبرع زي ما كانت كاتبة في الوصية بتاعتها.. والدها ماعترضش لإنه كان عارف الموضوع.. "ليندا" ثارت واتعصبت كـ طفلة ومسكت في خناق والدها اللي هو إزاى هتخليهم يعملوا كده، أمي جت للدنيا جزء واحد ولما تمشي منها لازم تمشي كـ جزء واحد برضه.. والدها استقبل ثورتها بهدوء وضمها لـ صدره وقال لها إن أعظم هدية ممكن حد يديها لـ حد هي جزء من نفسه، وأمك عظيمة وقررت تدي جزء من نفسها لـ إنسان متعرفوش يكون محتاجه.. تدريجياً البنت استوعبت.. مرت السنين و "ليندا" إتجوزت وخلفت بنوتة سمتها "وندي".. والد "ليندا" جاله مرض صعب بسببه حصل إنتفاخ للرئتين ووفاته بقت قريبة بالمعايير الطبية بتاعت الزمن ساعتها.. وهو على فراش الموت نده على "ليندا" وطلب منها إنها تتبرع بـ قرنية عينيه الإتنين بعد ما يموت!.. "ليندا" كانت مترددة بس أبوها ابتسم وفكرها بـ أمها وإنه بيحاول يكون عظيم زيها.. "ليندا" وافقت.. خرجت من الأوضة وفوجئت بـ بنتها "وندي" كانت سامعة الحوار كله وقالت لها: (أنا فخورة جداً بـ جدي يا أمي وأرجوكي أن تساعديه على تحقيق رغبته).. والدتها سألتها: ليه؟.. ردت تخيلي إن عينه تكون السبب إن طفل صغير يقدر يفرق بين الألوان أو يرسم أو يشوف اللي بيحبهم!، جدي عظيم، وأنا لما أموت أنا كمان عايزاكي تتبرعي بعيني الإتنين زي جدي.. "ليندا" حضنتها وحست فعلاً بعظمة أبوها وفعلاً مات وفعلاً اتبرعت بعينه.. تمر السنين أكتر وأكتر وتواجه "ليندا" تالت أكبر صدمة في حياتها بـ موت بنتها "وندي" في حادثة عربية!.. بس المرة دي وهي بتمضي على ورق التبرع بـ قرنية عيون بنتها كانت مبسوطة لإنها فهمت المعنى من المرتين اللي قبل كده من أبوها وأمها.. وزاد إنبساطها لما جالها جواب بعدها من بنك العيون في أمريكا مكتوب فيه بالنص: (السيدة ليندا ريفرز.. نود أن نعلمكم أن عملية استزراع القرنية كُللت بالنجاح والآن استعاد شخصان مكفوفان نعمة البصر وهما يمثلان ذكرى حية لإبنتك، تلك الإنسانة التي كانت حريصة على الحياة ومشاركة الغير في جمالها).

 

 

• كل الناس عارفة يعني إيه "تضحية" بس فيه اللي بيضحي عشانك، وفيه اللي بيضحي بيك.. قليل قوى اللي بيضحى ويكون عنده إستعداد يدي زي ما هياخد.. أغلب الناس بقى عندهم بُخل في مشاعرهم، أفعالهم، وفي كلمة حتى تبل ريق.. الترمومتر اللي بنقيس بيه معزة الناس عندنا هي قيمة الحاجات اللي ممكن نضحي بيها عشانهم، وهو برضه نفس المقياس اللي بنعرف بيه غلاوتنا عندهم باللي بيضحوا بيه لينا.. "أنيس منصور" قال: (التضحية هي أهم وسيلة مواصلات إلى ما تريد).

تابع مواقعنا