"كلمة شرف" في ليمان طره
اعتقدت في البداية أن الأمر سيجري كعادته، زيارة ميدانية كأي فعالية نقوم بتغطيتها كصحفيين وإعلاميين ضمن فعاليات وزارة الداخلية، إلا أن الأمر ظهر الأحد الماضي، كان مختلفا شكلا ومضمونا.
التغطية كانت أوسع حيث تواجد معنا 16 وكالة أنباء عالمية ومراسلين أجانب من جميع أنحاء العالم، وممثلي منظمات حقوقية محلية ودولية، ليس هذا فحسب بل تجولنا بارتياحية في أرجاء السجن الأقدم في مصر "سجن ليمان طرة"، والذي تأسس في عام 1886 وللعلم هو السجن الذي شهد أحداث فيلم "كلمة شرف" 1973، والذي تناول قصة السجين "سالم" فريد شوقي، الذي قُبض عليه بسبب جريمة لم يرتكبها، ويحاول خلال سجنه الاتصال بزوجته القعيدة لإخبارها ببرائته، لكنه يفشل، فتتدهور حالة زوجته الصحية بشدة، ويصبح فى أمسّ الحاجة لزيارتها وتوديعها للمرة الأخيرة، وعلى هذا يخاطر مأمور السجن "العميد شريف"، أحمد مظهر، بعد معرفة ظروفه بمنحه الفرصة للهرب وزيارتها على عهدته الشخصية ثم العودة قبل أن يكتشف غيابه أحد باتفاق بينهما ووعد "كلمة شرف".
بعد هذا الفيلم، أعادت وزارة الداخلية النظر في الحالات الإنسانية والاجتماعية للسجناء، وعدلت لوائح وقوانين السجون، ومن بينها السماح للمسجون بزيارة أهليته بضوابط محددة، خصوصا أفراد عائلته الذين لا يستطيعون الحركة وكذا المشاركة في مراسم دفن والديه وحضور جنازتهما.
وخلال السنوات الأخيرة غيّرت وزارة الداخلية من سياستها وانتهجت سياسة جديدة واتجهت لرعاية السجناء اجتماعيا، ودعم ابناء المحتاجين منهم ماديا وعينيا، وكذلك إدخال السجناء في التصنيع والورش لتعليمهم حرفة وصنعة يعملون بها بعد قضاء فترة عقوبتهم بالسجن، فلم يعد السجن قاصرا على التهذيب والإصلاح فقط بل توفير الأمل للسجناء حتى لا ييأسون مع الحياة.
وعلى هامش زيارة الأحد الماضي، لم أكن أتخيل أن تسمح إدارة السجون بالتحدث مع سجناء سياسيين فالأمر في السابق كان مقتصرا على لقاء مع جنائيين، فالتقيت في الزيارة الزميلين أحمد شاكر وحسن قباني، والمودعين على ذمة أحد القضايا، أثناء إجرائهما الكشف الطبي بمستشفى السجن المطور واللذين أكدا تلقيهما الخدمة الطبية بشكل جيد، وأقسما على المعاملة الطيبة لهما داخل السجن لكنهما تمنيا الحصول على البراءة والعيش بحرية.
كما التقيت بمستشفى السجن، الكاتب الصحفي مجدي حسين رئيس تحرير جريدة الشعب الأسبق، والذي نفى جميع الأكاذيب الإخوانية بشأن تدهور حالته الصحية وأكد أنه يلقى معاملة طيبة ويتلقى رعاية صحية جيدة حتى أنه أجرى عملية إصلاح ضروسه وتركيب "طربوش"، وأنه يحصل على فترات ترويض وتوفير كتب له للقراءة ويسمح بإدخال أطعمة له من الخارج فضلا عن وجبات السجن.
أثناء الزيارة التفقدية لمستشفى السجن، لمحت سجينا يرتدي بدلة الإعدام الحمراء أثناء تلقيه العلاج، فطلبت من مسؤولي السجن إجراء مقابلة معه فسُمح لي، وهذه هي المرة الأولى في حياتي التي ألتقي فيها محكوم عليه بالإعدام وحينما اقتربت منه إذ به "أحمد على عبداللطيف" المدُان بتهمة التخابر مع قطر، وطلبت منه إجراء لقاء صحفي فوافق على الفور، وسجلت معه لقاءً مصورا أذعته هنا في موقع القاهرة 24، أكد خلاله تلقيه العلاج بشكل جيد والمعاملة الطيبة، رغم أنه لا يتبقى له إلا فترات قصيرة على تنفيذ العقوبة الموقعة عليه وإعدامه.
تحركت داخل الـ ليمان بارتياحية، والتقيت متهمين في قضايا اغتيال النائب العام، والجوكر ونزلاء سياسيين وسجلت معهم لقاءات مصورة نشرت أكثرها، وجميعهم أكدوا على المعاملة الطيبة والرعاية الصحية الجيدة.
أكملنا جولتنا رفقة اللواء طارق مرزوق مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، واللواء حسام عبدالعزيز مدير مباحث السجون، وتجولنا بالمخبز والمطبخ وعنابر السجن، رأينا الالتزام بارتداء الكمامات وتعقيم المستشفى وكافة الأماكن لمواجهة فيروس كورونا، فزامن ما لمسناه تأكيدات اللواء طارق مرزوق والتي أكد خلالها عدم وجود أي حالات إصابة بكورونا داخل السجون.
تأكيدات اللواء مرزوق أيضا، كانت حاسمة ردا على سؤال أحد المراسلين الأجانب عن حقيقة التقارير الأجنبية بوجود تعذيب أو تنكيل للمعارضين في السجون المصرية فقال له: "نحن نعامل ضمائرنا قبل أي أحد، فالسجين المودع لدينا هو أمانة نُحاسب عليها إنسانيا وقانونيا، ونحاسب أنفسنا حال الخطأ ولا نتلقى أوامر من الخارج" مؤكدا "نتعرض لحملة افتراءات ممنهجة وكاذبة".
لم تأتي هذه التصريحات من فراغ، فلا يخفى على أحد حملة الافتراءات الممنهجة والادعاءات الكاذبة التي واجهها قطاع السجون طيلة الفترات السابقة من تقارير كاذبة وادعاءات مشبوهة لمنظمات ممولة معلومة التوجه والأيديولوجية، والمنابر الإعلامية الإخوانية التي لا تدع شاردة ولا واردة إلا أوردتها الكذب وألبستها الباطل.
انتهت الجولة، لكن لم ينتهي التطوير والتحديث والعمل في وزارة الداخلية، فالوزارة -لمن لا يعلم- بها أكثر من 3 جهات رقابية داخلية، تراقب أداء عمل أفرادها وضباطها فلا تترك خطئا دون حساب ولا تجاوزا دون معاقبة، فالجميع يخضع للمراقبة والمسئ يُعاقب مرتين، مرة إداريا باللوائح وأخرى بالقانون.
اقترب عيد الشرطة، والذي يصادف 25 يناير من كل عام فاقترب معه العفو عن عدد كبير من السجناء ممن يستحقون الإفراج بالعفو عن باقي مدة العقوبة بالنسبة لبعض المحكوم عليهم الذين استوفوا شروط العفو، وكذلك وفق لائحة قانون السجون بشأن الإفراج تحت شرط من استوفوا شروط الإفراج، وكل عام ومصر ورجال أمنها، وشعبها بكل بخيروأفضل حال.