السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مصطفى بيومي يكتب لـ"القاهرة 24": عطر يحيى حقي ودروسه

القاهرة 24
ثقافة
الإثنين 18/يناير/2021 - 09:49 ص

هل يحتاج يحيى حقي إلى مناسبة للاحتفاء به؟ الإجابة لا بد أن تكون بالنفي، ذلك أن الكاتب الرائد العظيم الذي نحتفل بعيد ميلاده في يناير من كل عام، حاضر معنا ويفوق في توهجه المئات من أشباه المبدعين الأحياء، أو الذين يظنون أنفسهم كذلك.

قلائل من يشبهون حقي في تفرده الاستثنائي، فهو كاتب القصة والرواية، صانع اللوحات القلمية الخلابة، ذو الرصيد الضخم من المقالات الصحفية الاجتماعية المعبرة عن تفاعله مع الواقع ومتغيراته، ناقد محب حنون مسلح بعين ثاقبة وذائقة فذة، عاشق للسينما والموسيقى والمسرح والعمارة، مترجم يحيل ما يترجمه إلى نص يبدو لفرط صدقه كأنه مكتوب باللغة العربية دون غيرها من اللغات.

رائد مثله يستحق الاهتمام والتكريم في كل وأي وقت، ويحتاج إلى الكشف عن جوانب جديدة في عالمه الثري الذي يعاني ظلما لا يمكن إنكاره. ما أكثر الذين يتوهمون أن قصته "قنديل أم هاشم" هي عمله الوحيد أو الأهم، وما أقل الذين يدركون الأهمية غير العادية لمجموعاته الحافلة بالتجديد والمغامرة :"أم العواجز"، "دماء وطين"، "الفراش الشاغر"، "عنتر وجولييت"؛ فضلا عن روايته غير المسبوقة في الشكل والرؤية "صح النوم"، أما سيرته الذاتية الروائية "خليها على الله" فتقف وحدها في ساحة لا شبيه لها ولا مثيل.

كثيرة هي الدروس التي نتعلمها من العم يحيى، وأولها الاعتناء باللغة واحترامها، ليس بمعايير النحو والصرف والإملاء فحسب، بل أيضا من منطلق القدرة على إضاءة النص وإضفاء العمق عليه وتجاوز السطحية الغثة والمباشرة الفجة. نتعلم منه كذلك أن نشتبك مع معطيات الحياة ولا ننزلق في الوقت نفسه إلى هاوية العمى الأيديولوجي، وأن ننتصر للإنسان بكل ما فيه من قوة وضعف، شجاعة وخوف، حكمة وحماقة؛ وهل تكتمل إنسانية الإنسان إلا بهذا كله؟.

يحيى حقي مصري قح على الرغم من أصوله التركية القريبة، وعاشق للوطن لا تغيب عنه العيوب والمثالب، وصديق حميم للفقراء والتعساء والبسطاء والمنكسرين من عوام الناس. إنه معاصرنا بعد السنوات الثلاثين التي انقضت على غيابه، ومن واجب كتاب الرواية والقصة أن يتعلموا منه كيف تُبنى الشخصية وتتطور، وكيف يتداخل المادي والنفسي في تشكيلها، وعندئذ تتحول عند قارئها إلى جزء أصيل من نسيج الحياة.

رائد رائع هذا الرجل الذي يجمع في تناغم بين البساطة والعمق، السخرية اللاذعة والجدية الموجعة، الحرص على مراعاة المشاعر كما يليق بدبلوماسي عريق والتمسك بأن يقول الحقيقة، كل الحقيقة ولا شيء إلا الحقيقة.

"عطر الأحباب" عنوان لكتاب من أمتع كتبه، وفي صفحاته تنتشر الروائح الزكية التي تدفعنا إلى حب الحياة والأحياء، فهل نملك إلا أن نلوذ به عندما تهيمن الروائح الكريهة المنفرة، ويسيطر الأدعياء معدومو الموهبة، تساندهم كتائب دعائية مأجورة، لا تستطيع تحويل الفسيخ إلى شربات!. في عيد ميلاده نقول له: دمت لنا يا عم يحيى، ودام عطرك الفريد.

تابع مواقعنا