عندما تُدرك النُّخبة أهمية الاختيار
لو اتفقت "الكتل الوازنة" في البرلمانات على ترتيب المصلحة العامة على مصالحها الخاصة لتحققت الوظائف الرئيسية للمجالس النيابية بدرجة قد تكون مُرضية للجماهير، التي هى السيد في اختيار هؤلاء، بل قد تنعكس تلك التفضيلات بصورة إيجابية على تشكيل مكاتب تلك المجالس، التي بدورها تغير من الصورة الذهنية السلبية لدى الناس، ومدركاتهم عن المجالس النيابية في مجتمعاتنا، خاصة بعد 2011، فالاختيار المحسوب لرئيس البرلمان الذي يعد الشخصية الثانية في نُظمنا السياسية، يؤدى أوتوماتيكيا إلى تحسين الأداء البرلماني، الذي ينعكس أيضًا على قيام الحكومة (السلطة التنفيذية) بوظائفها، خاصة إن أدركت أنها تظل دائمًا تحت استهداف الآليات الرقابية التي كفلها الدستور والقانون لهذه الكتل.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التغيير الذي حدث في مكتب مجلس النواب المصري، بالضبط في اختيار رئيسه المستشار حنفي جبالي، انعكس بالإيجاب من أول لحظة على الصورة الذهنية المدركة لدى الناخبين عن المجالس النيابية منذ 25 يناير 2011، خاصة أن مصر ابتُليت بعد هذا التاريخ ببرلمان سيطرت جماعة إرهابية وأخواتها على غرفتيه، وقادهما رئيسين من قيادات تلك الجماعة، التي جعلت من قاعة البرلمان والغرف والمناطق المحيطة بها أشبه بمحطة قطار، لا ضابط ولا رابط، حتى كان همه الوحيد في بداية انعقاده تحقيق مبدأ المسارعة وتأصيل غلبة فصيلهم عمن سواهم، فعلاقة البرلمان مع حكومة الدكتور كمال الجنزورى في ذلك الوقت تأزمت إلي أقصاها لدرجة أن البرلمان بتعليمات رئيسه تفرغ خلال مدته التي قضاها، وهي 6 أشهر تقريبا تفرغ محاولا إسقاط تلك الحكومة، ترك وظائفه الرئيسية، بل الأخطر أن رئيس المجلس شارك وربما أعطى أوامر لمحاصرة تلك الجماعة للبرلمان.
وإذا انتقلنا لواقع البرلمان المنتهى، وشكل الصورة الذهنية المدركة عنه لدى المواطنين، وإن كانت المقارنة غير محقة وغير واجبة مع برلمان الإخوان، خاصة أن هذا البرلمان الذي مثل الفصل التشريعي الأول لدستور 2014 المعدل، كان نقلة كبير في الحياة التشريعية المصرية بالمقارنة ببرلمان الإخوان- فإنها تميزت بالسلبية عند عامة الناس في كثير من الأوقات، خاصة عن أداء رئيسه وبعض نوابه نتيجة بعض اللقطات التي روجتها مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الفضائيات المعادية للدولة المصرية ومؤسساتها، وإن كان لدى كثير من المتخصصين رأي آخر في هذه الصورة، من منطلق حجم الأعباء التي ألقيت على البرلمان وتعرض رئيسه لضغط الوقت، وضرورة تمريره ونوابه لقرارات بقوانين أقرت في غيابه، فكان لا بد أن يمررها حفاظا على استقرار مؤسسات الدولة بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية في ذلك الوقت.
أيا كانت الصورة الذهنية لدى المواطنين عن برلمانات ما بعد ثورتي يناير ويونيو، وأيا كان رأيهم والمتخصصين منهم في شكل تركيبة البرلمان الحالي، فإنه وجب التأكيد على أنه منذ اللحظة الأولى لعرض السيد المستشار سيرته الذاتية، وهو يعلن ترشحه على رئاسة المجلس، حدث تغير سريع في ملامح الصورة المدركة عن مستقبل أداء هذا المجلس، خاصة وأن طريقة عرض المستشار لكلماته الأولى ومخرجاته للغة العربية أدت إلى عدم استعجال في الحكم على أداء المنصة، ومقارنتها بما قبلها.
دون التطرق لتركيبة المجلس والحسابات غير الدقيقة علميا بأن تنوعها يؤدى إلى إثراء الأداء البرلماني -أى أنه ليس بالضرورة حدوث تغير في الشريحة العمرية، وتمثيل الفئات الستة يؤدى إلى أداء تشريعي ورقابي متطور- فإنه برلمانات ما بعد 2011 في مصر كانت الأضعف في الأداء الرقابي بالمقارنة بما قبلها، خاصة أنها غلبت من الدور التشريعي على حساب الدور الرقابي.
لقد تحقق هذا التنوع والتعدد في برلمان 2015، ومثل 19 حزبا بدلا 13 في البرلمان الحالي، لكن ربما يكون الفارق في الصورة الذهنية عند الناس عن برلمانات ما بعد الثورات يتمثل في طريقة إدارة البرلمان والحرص الدقيق من قبل من يدير الجلسات العامة الرئيس أو أحد الوكيلين في حالة غياب الأول والثاني، على ضبط المخرجات، خاصة أن هناك مواقع وصفحات تواصل اجتماعي وفضائيات معادية لمؤسسات الدولة تتصيد مثل هذا الأخطاء. ونتيجة كل ما سبق أكون متفائل باختيار السيد المستشار الجليل حنفى جبالي رئيسًا لمجلس النواب، خاصة أن "الجواب بيبان من عنوانه".