"مين اللي مايحبش فاطمة"
• السيدة "دوروثي بروك" سيدة إنجليزية كانت بتحب الخيل جداً.. يمكن جزء من ده كان سببه إنها نشأت فى أسرة إنجليزية أرستقراطية، وبيهتموا بالفروسية.. اتجوزت "دوروثي" سنة 1926 من الظابط "جيفري فرانسيس" اللي كان بيشتغل في سلاح الفرسان البريطاني.. في سنة 1930 سافر "جيفري" لـ مصر عشان يشتغل قائد سلاح الفرسان البريطاني في القاهرة، وطبعاً أخد معاه زوجته "دوروثي".. في نفس التوقيت كانت الحرب العالمية الأولي انتهت.. الجيش البريطاني كان استعان بمجموعة ضخمة من الخيول في حملاته خلال الحرب العالمية الأولي، وبعد نهايتها كان صعب يرجعوها تاني لإنجلترا فرجعوها مصر وتم بيعها لـ تجار مصريين بالذات إن الخيول كانت يا إما مصابة يا إما مرهقة من المشاركة في الحرب.. الفكرة بقي إن "دوروثي" لاحظت إن الخيول دى بتعاني من سوء الإهمال الصحي وسوء التغذية نتيجة برضه عدم معرفة المصريين وقتها التعامل الصحيح معاها.. فقررت تبدأ عملية شراء لكل الخيول والأحصنة الضعيفة وتبدأ تعالجها بنفسها!.. كانت فكرة مجنونة وغريبة خصوصاً إن "دوروثي" ماكانتش ثرية أوي يعني عشان تقدر تشتري كمية الخيول دى بس كلمت كل أصدقائها عشان يتشاركوا معاها.. الفكرة إن المجتمع المصري وقتها كان عند كتير من أطيافه حتة النفور من كل ما هو إنجليزي.. اللي هو أنا عارف إنك محتل وجاي فارض نفسك على بلدي وخيرها عشان أنت قوي وأنا مفيش في إيدي حاجة أعملها معاك عشان أخلّى الكابوس ده ينزاح فهكون في حالي وأرجو إن أنت كمان تكون في حالك لا تتعامل معايا ولا اتعامل معاك.. رغم إن "دوروثي" كانت بالفعل لمت تحويشة عمرها وحطت عليهم مساهمات أصدقائها لكن ماكانتش عارفة تتعامل مع المصريين أصحاب الخيول اللي كانوا واخدين منها جنب وبمجرد ما بتروح تتكلم مع حد منهم بيسيبها ويمشي!.. رغم برضه إنه ممكن يكون محتاج الفلوس اللي هتشتري بيها الحصان بتاعه بس القفلة اللي كان المصري مقفولها من الخواجات عموماً كانت سايبة أثرها.. الغلس في الموضوع برضه إن "دوروثي" كانت إنسانة طيبة بالفعل، وقلبها أبيض، ومش في دماغها خالص أى مشاعر ضغينة أو عدائية تجاه المصريين بس الوضع كان عامل زي "الحسنة تخص والسيئة تعم" اللي كانت سائدة في الفصول بتاعتنا يمكن لحد دلوقتي؛ فهي اللي حاسبت على الليلة!.. بدأت "دوروثي" تسمع من أصدقاءها كلام من نفس سكة: " فكك بقى"، و"طز فيهم"، "إن شالله ما وافقوا يبيعوا خيولهم ده إنتى كتّر خيرك إنك عايزة تعملي خير"، "هما نسيوا نفسهم ولا إيه"، وكده!.. بس طيبة "دوروثي" ماخلّتهاش تستجيب لدعوات أصحابها دي، وقررت إن يكون ليها هدف تاني خالص.. الناس دول مش بيحبونا وجايز عندهم حق بس أنا إنسانة كويسة وعايزة أبين لهم ده.. سيبك من حوار الخيول أنا مش هشتري حاجة منهم بس أنا عايزة أثبت لهم إنى بحبهم، ولا أستحق الحكم المسبق عليا زي ما هما عاملين معايا!.. بدأت تقرب منهم!.. مش بـ خبث لكن بـ حب.. شهر ورا التاني بدأت تعمل حصر لأهالي المناطق الشعبية اللي ساكن فيها الناس البسيطة أصحاب الخيول وأسماءهم.. كل الأهالي مش بس أصحاب الخيول.. وبعدها بدأت تتعرف من بعيد لبعيد على ظروفهم.. ناس طيبين وغلابة.. اللي عايز يجوز بنته.. واللي نفسه يتعالج بس مش عارف.. واللي جوزها مات بس مش عارفة تصرف على نفسها ولا ولادهم.. واللي واللي واللي.. بدأت "دوروثي" تحل مشاكل الناس دي باللي تقدر عليه.. بقت تستغل علاقاتها بالناس الإنجليز التقيلة في المجتمع، وتخرج كل يوم بالليل عشان تحقق أمنية أو طلب حد من الغلابة في مصر وهى متخفية!.. تسيب فلوس مع رسالة على باب بيت راجل كان محتاج علاج.. تتنكر وتغطي وشها وتروح معاها عربية كارو متحملة عفش بسيط عشان الست فلانة اللي ماعندهاش عفش.. تقابل مسؤول إنجليزي وتطلب منه إنه يدّخل الأطفال فلان وفلان وفلان ولاد الغلابة فلان وفلان وفلان؛ المدرسة على نفقة الحكومة وتشوف لهم واسطة ولما يسألها تعرفيهم منين تقول له بيشتغلوا عندنا في البيت فالراجل يوافق ويبعت حد يبلغ الناس بقبول ولادهم في المدرسة!.. طبعاً أخدت تريقة للصبح من كل اللى حواليها، وإنها بتعمل مجهود على الفاضي ومالوش قيمة وأساساً مش مضطرة له ومهما عملت هيفضل اللي في القلب في القلب منهم ليها بس هى كملت، وكانت دايماً تقول: "إنها مسألة وقت فقط وسيبصر الناس حقيقة قلبي".. مواقف كتير عملتها "دوروثي" في السر على مدار سنة ونص عشان تقرب من الناس وبدون ما تكون مهتمة إن ده يتعرف أو إنها تاخد حاجة قصاده.. بس ولإن المصريين ولاد لذينا ودماغهم توزن بلد إتكشفت أعمال الخير بتاعت "دوروثي" وعرفوا إن هي اللى وراها!.. والحقيقة إن ده خلّى فيه إمتنان عظيم منهم تجاهها!.. إمتنان وحب وغلاوة لإنسانة ماشافوش منها غير كل خير.. توطدت العلاقة بين "دوروثي" ومش هنبالغ لو قولنا بين العشرات ويمكن المئات من سكان المناطق الشعبية.. بقى الكل يتحاكي بيها، وبقى طبيعي إن أى حد يقابل حد يقول له شوفت الست "دوسي" عملت إيه مع فلان؟.. -("دوسي" ده اللي هو الدلع اللي أطلقوه عليها بدل "دوروثي" اللي كانت تقيلة على اللسان المصري")-.. فيرد عليه الثاني ويقول له: طبعاً شوفت ست بتاعت ربنا وربنا يكرمها وعشان كده بنحبها.. فيرد الأولاني ويقول: وهو مين بس مايحبش "دوسي"!.. بعدها بشهور بسيطة فيه واحدة من صديقاتها قالتلها ما تجددي العرض بتاعك عليهم؟.. "دوروثي" ترددت بس بعد كده وافقت.. راحت تتكلم مع الأهالي أصحاب الخيول إنها عايزة تشتري منهم الخيول اللي عندهم عشان تعالجهم وتراعيهم.. فوجئت بموافقة فورية.. بالعكس دي كمان فوجئت إن كتير منهم مارضوش ياخدوا فلوس حباً فيها!.. بس هي صممت!.. في خلال 4 سنين تقريباً قدرت "دوروثي" إنها تشتري أكتر من 5000 آلاف حصان، وعملت مستشفي سمتها "المستشفى التذكارية لأحصنة الحرب العالمية" في القاهرة، واتحول اسمها بعد كده لـ "مستشفى بروك الخيري لعلاج الحيوان"، وآوت فيها الحيوانات بعد ما أخدوا الرعاية البيطرية اللازمة.. شغل المستشفي ماكنش مقتصر بس على خيول الجيش البريطاني لكن "دوروثي" صممت إنها تقدم خدماتها بشكل مجاني تماماً لكل الخيول سواء من رعاية صحية أو تغذية.. بعد كده سافرت "دوروثي" لـ الهند عشان ظروف شغل جوزها كـ لواء سلاح الفرسان هناك بس استمرت المستشفي الخيري في عملها، وكانت بتيجي تزور مصر كل سنة، وجت بشكل نهائي سنة 1946 عشان تستقر هنا لحد وفاتها في سنة 1955، وتم دفنها فى مصر!.. "دوروثي بروك" عملت مستشفى خيري هو الأول من نوعه يمكن فى العالم كله، وكانت بدايته من مصر، وفضلت المستشفي مستمرة حتى بعد وفاة "دوروثي" ولغاية النهاردة كمان!.. بقي فيه فروع في كذا محافظة زي أسوان وإسكندرية والأقصر ومدينة المنصورة وغيرها!.. وبقي ليها فروع برضه في الهند وأفغانستان ونيبال وباكستان، وغيرهم، وبتقدم كل خدماتها بشكل مجاني تماماً وإعتمادها على المساعدات.. "دوروثي" كانت إنسانة عظيمة، وبسيطة ومحبة للخير، وربنا جعلها سبب في إنقاذ حياة آلاف الحيوانات، وفى عمل إنساني مهم لسه أثره مكمل لحد اللحظة دي.. ولحد النهاردة ولو روحت زورت قبرها في مصر واتكلمت مع الحارس أو حتى مع حد من اللي أهاليهم زمان عاشروها وعرفوها هيقول لك عنها إن الست دي كل اللي عرفها ندم إنها ماعرفهاش من بدري.. أو هيقول لك بإختصار "مين اللي مايحبش "دوسي"!.
* الإنبوكس:
- أنا "معتز الخطيب".. شاب مصري عندي 26 سنة.. عايش مع والدي ووالدتي وأخويا وأختي.. والدي راجل كبير في السن على المعاش وخلفنا وهو كبير.. للأسف جاتله أزمة صحية من 8 سنين وبسببها وهو قعيد مش بيتحرك وطبعاً ساب شغله بس المعاش بتاعه شغال.. والدتي ست بيت.. أخويا وأختي بيدرسوا لسه في كليات.. الحقيقة ورغم حالتنا كأسرة متوسطة لكن عمر والدي ما قصر معانا في حاجة.. كان بيحاول على قد ما يقدر مايحرمناش من شيء مادام في إيده إنه يجيبه أو على الأقل يجيب لنا البديل أو يأجله لحد ما أموره تتحسن.. ده خلاّني مصمم بمجرد ما أخلص دراسة في كلية هندسة إني أقف معاه في ضهره عشان أشيل من عليه عبء أخواتي والبيت.. اتخرجت من الكلية، وفي آخر سنتين اتعرفت على "فاطمة".. بنت حلال وإنسانة طيبة.. يمكن ماكانتش أجمل واحدة في الكلية بس طيبة قلبها وأدبها وأخلاقها كانوا قادرين يشدوا أى حد.. زود من قربنا من بعض إنها من نفس المنطقة عندنا في شبرا وبقينا نتقابل تقريباً كل يوم ونروح الكلية مع بعض ونرجع مع بعض.. مافاتش وقت كتير عشان أكون متاكد إني عايز أكمل مع البنت دي.. شبهنا، جدعة، محترمة، وعلى قد إيدينا.. بس هتقدم إزاي وأنا على الحميد المجيد وأبيض على الحديدة!.. اتكلمت مع والدي وقال لى توكل على الله ومادام نيتك خير ربنا هييسر.. حصل فعلاً ورحت قعدت مع والدها ووالدتها ورحبوا بيا.. حطيت قدامهم ظروفي بمنتهى الأمانة إني هتخرج جديد لسه وظروفي كذا كذا كذا.. الناس رحبوا بيا واحترموا فيا صراحتي معاهم.. اتخطبنا بدون تحديد مواعيد لأى حاجة مستقبلية وقولنا إن كل اللي جاي هيبقى مرهون بتحسن الأوضاع.. اشتغلت في مكتب هندسي بس مرتبه كان بسيط.. أخواتي بيكبروا وبتكتر مصاريفهم ومعاش والدي مابقاش مكفي بالتالي مرتبي اللي هو أساساً قليل بقى عنصر أساسي في إن البيت يفضل واقف على رجليه.. ماكنتش عارف أحوش.. حاولت أدور على شغل تاني بس للأسف باءت محاولاتي بالفشل لإن الشغلانة الأولانية أساساً كانت واكلة معظم يومي ومجهودي.. الحق يتقال إن "فاطمة" كانت دايماً بتشجعني وواقفة جنبي وعمرها ما اتخلت عني ولا اشتكت.. كلامها كان هو بنزين الأيام الصعبة.. واحدة واحدة وبمرور الأيام كنت بتأكد إن الحل الوحيد اللي ممكن يشقلب الظروف هو السفر بره.. متأكد يا معتز؟.. سألتني "فاطمة".. رديت: "مفيش حل غيره، سنة ولا إتنين لحد ما أقدر أقف على رجلي وبعدها كلنا وضعنا هيتغير إن شاء الله".. قالت: "مادمت مرتاح لكده يبقى يالا وأنا هفضل موجودة في ضهرك".. استلفت من كذا صديق ليا، وضغطت نفسي في كذا شغلانة صغيرة هدوا حيلي لحد ما قدرت أجمع فلوس السفر.. آه على فكرة أنا سافرت هجرة غير شرعية.. بس محدش في بيتي كان يعرف المعلومة دي ولا حتى "فاطمة".. انا مدرك إن خوفهم وقلقهم عليا كان هيخلّيهم يمنعوني بس كان لازم أكذب عشان يوافقوا.. سافرت وربنا سترها ووصلت بالسلامة الحمدلله.. إيطاليا.. بلد تانية ودماغ تانية وناس تانية.. من كرم ربنا عليا إني اتعرفت على واحد مصري هناك سهّل عليا حاجات كتير جداً سواء في السكن أو في الشغل لحد ما أقدر أوفق أوضاعي قانونياً.. مع الوقت بقيت اتأقلم على الوضع والحياة هناك.. حسيت كإني كان لازم أبقى مولود هنا مش في مصر.. على الناحية التانية وفي نفس التوقيت كانت "فاطمة" واخدة بالها من بيتنا ووالدي ووالدتي وأخواتي يمكن أكتر من لو كنت موجود.. كنت بدأت أبعت لهم فلوس من شغلي.. صحيح مش كتير جداً بس أكيد كانت أكتر من مرتبي في مصر مع الوضع في الاعتبار طبعاً إني كنت لسه جديد في الغربة وطبيعة الشغل مش هتوفرلي من أول مرة دخل ضخم بس كان أفضل من زمان.. تدريجياً ارتباطي بالبلد والناس زاد.. وللأسف تدريجياً برضه بدأت اتخلى عن واجبي تجاه أهلي في مصر.. وتجاه "فاطمة".. مكالماتي معاهم بدل مرة كل يوم بقت مرة كل يومين تلاتة ثم مرة لكل أسبوع، وأكتر.. الفلوس اللي كنت ببعتها ليهم بدأت أحوش منها على جنب وأقلل من اللي ببعته عشان ماكررش غلطة زمان إن مايبقاش معايا قرش وأهو كله في النهاية هيبقى لينا كلنا أنا وهما فالموضوع محتاج شوية حكمة واقتصاد وتحويش.. شوية بشوية اكتشفت إن مشاعري ناحيتهم اتغيرت!.. ناحية والدي ووالدتي وأخواتي وفاطمة؟!.. أيوا بالظبط هو ده اللي حصل.. على الناحية التانية واللي عرفته بعد كده إن "فاطمة" كانت بتدافع عني قدامهم وبتبررلي بدون ما أطلب سبب غيابي.. ربنا يكون في عونه.. تلاقيه مضغوط في الشغل.. هو كلمني وقال لى إن الأمور مش مظبوطة معاه والمدير بتاعه راجل رخم -(وأنا ماكونش كلمتها أساساً ولا طلبت منها تقول كده بس هي بتحاول تحسن صورتي قدامهم)-.. بقى يمر بالأسابيع مانتكلمش.. الأسابيع بقت شهور.. غصب عني ضعفت وأنا في الغربة وحبيت واحدة إيطالية.. "روز".. جميلة، مثقفة، وحسيت إن فيها منى كتير.. كل حاجة حصلت بسرعة.. اتجوزنا.. أوضاعي كانت بتتحسن سواء من ناحية الشغل أو القانونية ووضعي في البلد.. كل فين وفين لما اتصل أسمع صوت والدي أو أطمن عليه.. "فاطمة" كنت بتحاشي إنى أكلمها عشان ماجرحهاش أصل لو اتكلمنا هتعرف تقراني وهتفهم إني مخبي حاجة.. محدش كان عارف موضوع جوازي في مصر، ولا كان ينفع أقول طبعاً.. حتى لما كنت بكلم أخويا أو والدي كنت بطلب منه يسلملي عليها أو أتحجج إن الموبايل هيفصل رصيد أو شحن أو إنى لازم أرجع الشغل فوراً.. محدش حس بحاجة.. أو كان متهيألي كده.. في مرة حسمت الموضوع بيني وبين نفسي.. أنا لازم أكلم "فاطمة" وأقول لها على جوازي.. في النهاية أنا مش عامل عملة.. صحيح أخدت حوالي أسبوع بفكر في صياغة الكلام هتبقى إزاي بس في النهاية قررت.. كلمتها.. كانت مبسوطة وفرحتها باينة في صوتها.. "فاطمة أنا اتجوزت".. قولتها بصوت حاولت إنه يكون حاسم.. افتكرتني بهزر فضحكت.. شافت إني ساكت فسألت: "أنت بتتكلم بجد يا معتز؟".. رديت: "أيوا، ولولا إنى عارف إنك هتفهميني صح ماكنتش هقول لك بس أنا واثق في عقلك".. سابتني أتكلم زي ما أنا عايز وأقول كل اللي في نفسي.. فضلت أتكلم لمدة ربع ساعة كاملة وهي ساكتة خالص!.. لما خلصت قولتلها إن اللي جوايا ناحيتها هيفضل زي ما هو، وإنها لو توافق لما أنزل مصر هتجوزها هي كمان وتبقى مراتي زي ما كنا متفقين.. رفضت بأدب، وقالتلي مالكش دعوة بيا أنا يا معتز.. مش أنت مبسوط، ومرتاح في اللي عملته؟.. ماردتش.. قالت لي ربنا يوفقك ويسعدك مادمت مرتاح.. انتهت المكالمة، وللمرة الأولى ماكونش عارف إيه اللي حصل على الناحية التانية.. كان نفسي أعتذرلها وآخدها في حضني وأقول لها إنى عارف إنها ماتستحقش كده بس غصب عني.. الطبيعي إنها هتاخد جنب وتبعد عن أهلي، وأنا كنت فاهم كده كويس أصل إيه اللي هيخليها تكمل في ود ومحبة ومساعدة وخدمة أسرة إبنهم طلع ندل.. حاولت أكثف من سؤالي على أهلي مرة في اليوم زي زمان، وزودت الفلوس اللي ببعتها.. بس برضه غصب عني تلاهي الدنيا أخدتني والمكالمات بقت مدتها متباعدة مرة كل يومين تلاتة ثم مرة كل أسبوع ثم مرة كل ما ييجي في البال!.. حتى الفلوس اللي كنت ببعتها كنت ببعتها عادي بس كنت بطوّل عشان أبعت بسبب نفس التلاهي.. مر على مكالمتنا 9 شهور تقريباً.. خلالهم علاقتي بـ "روز" اتدهورت بسبب المشاكل اللي أساسها الفلوس، واختلاف الطباع.. النتيجة؟.. أنا هرجع مصر.. بعد سنتين غربة لميت كل اللي قدرت ألمه من فلوسي ورجعت.. بيتنا زي ما هو مفيش حاجة فيه اتغيرت.. أخدت والدي ووالدتي في حضني اللي كنت عطشانهم وكان هاين عليا أخليهم يلزقوا في ضلوعي من كُتر ما أنا مفتقدهم.. أختي "منار" كانت بره بتزور واحدة صاحبتها.. جه "كريم" أخويا من بره.. حضنته، وحسيت إني بحضن إبني مش أخويا بالذات لما حسيت إنه كبر كتير في السنتين دول!.. دخلنا الأوضة عشان نتكلم أنا وهو زي ما كنّا متعودين.. وبدأت المفاجأت تنزل على دماغي.. "فاطمة" كانت متكفلة بجزء من مصاريف البيت بتاعنا!.. المبلغ اللي أنا ببعته شهرياً كان بيتراوح بين 8000 لـ 12000 كل شهر.. بس "فاطمة" كانت بتساعد بفلوس إضافية من جيبها حوالي 3000!.. تروح أول كل شهر وتديهم لـ "كريم" وتقول له إني أنا اللي باعتهم ليها على إسمها عشان مصاريفه هو و"منار"!.. وأنا مابكونش باعت حاجة!.. والدي تعب جداً واحتاج عملية في ركبته.. "فاطمة" جابت الفلوس وقالت إنها كانت محوشاهم وإنها هتاخدهم مني.. وطبعاً لا أخدت حاجة ولا حد قال لي من أساسه!.. والدتي احتاجت عملية ميه على عينيها، و"فاطمة" كررت نفس اللي حصل مع والدي وجابت الفلوس!.. الغريب بقي إني بمراجعة توقيتات الحاجات دي لقيت إنها حصلت بعد المكالمة بتاعتي معاها اللي هي عرفت فيها إني اتجوزت!.. يعني خيانتي ليها مامنعتهاش تكمل جدعنة.. وأنا بسمع كانت الدنيا بتلف تحت رجليا من الصدمة اللي المفروض ماتكونش صدمة أساساً ما أنا عارف مين الشخصية اللي كنت عايز اتجوزها بس السمع غير التخمين!.. وإحنا بنتكلم دخلت علينا "منار"!.. سلمت عليها بس حسيت إنها متغيرة من ناحيتي.. قعدنا على جنب أنا وهي.. قالتلي إنها كانت مع "فاطمة" في مشوار عشان يشتروا فستان الفرح بتاع "فاطمة" وهي اللي طلبت منها تكون معاها!.. إيه ده!.. "فاطمة" هتتجوز؟.. في اللحظة دي أنا ماكونتش فاهم هي "فاطمة" حكت لـ "منار" ولا لأ.. بس عرفت إنها حكت لها، و"منار" مسكتني وسلختني بالكلام.. أنت ليك عين تنطق إسمها؟.. دي أرجل وأحسن منك مليون مرة.. سيبها تشوف حياتها كفاية إنها عمرها ما اتخلت عننا.. كلام كتير كان زي السكاكين في قلبي، وغصب عني دموعي نزلت وأنا بصرخ في وش "منار": كفاية اسكتي.. نزلت اتمشي في الشارع زي المجنون.. اتمشيت 4 أو 5 ساعات مش فاكر.. ولما رجعت رجعت في نفس الاتجاه اللي كنا متعودين نرجع منه زمان أنا وهي من الكلية.. مريت عند بيتها.. قعدت على الكافتيريا اللي قصاد البيت تحت وفي مواجهة بلكونة أوضتها.. كان نفسي تطلع ولو دقيقة بس أبص عليها.. بس ماحصلش.. فيه إتنين شباب جُم قعدوا على الترابيزة اللي جنبي.. ماكُنتش مركز في ملامحهم أو كلامهم.. واحد فيهم قال للتاني: "يعني كده حجزتوا خلاص؟".. رد عليه: "آه الحمدلله لسه جاي من القاعة دلوقتي، يوم الأحد إن شاء الله، أنت أول واحد يعرف".. الأول سأل: "لا يا شيخ!، يعني بذمتك "فاطمة" ماعرفتش لسه؟".. الإسم خطف وداني وركزت معاهم في باقي كلامهم.. الثاني رد عليه وقال وهو بيضحك: "بصراحة قولتلها في التليفون طبعاً بس لسه أهلها، هطلع أقول لهم دلوقتي".. الأول قال وهو بيضحك برضه: "أوُمال إيه أنت أول واحد تعرف وبتاع!".. الثاني قال: "أيوا أول واحد تعرف في أصحابنا يا عم لكن "فاطمة" غير".. الأول قال: (ربنا يسعدكم يا "أحمد" هى بنت حلال، والشهادة لله حتى خالتي لما شافتها قالت إن حظك من السما لو البنت دي بقت من نصيبك، مش أمك دي خالتي، بس أنا أول مرة أشوفها بتحب حد كده).. الثاني قال وهو بيبص على البلكونة بتاعتها بحب وكإنه بيكلمها هي مش بيكلم قريبه، وقال: (طبعاً يا ابني، وهو مين اللي مايحبش "فاطمة").
- الشاعر "العرجي" قال: (أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا).. الجدعان، ولاد الأصول، الأوفياء، الطيبين؛ ناس حبهم بيبقى فرض على أى حد عاقل، وعدم إدراكك لقيمتهم بيبقى لغشاوة فوق عينيك أنت مش لتقصير منهم هما.. أصل مين اللي مايحبش اللي يتمناله الرضا يرضى؟.. مين اللي مايحبش حد نفسه يجيب له حتة من السما لغاية عنده؟.. مين اللي مايحبش قلب باع الدنيا عشان يشتريه رغم إنه في المقابل للأسف كان متشاف مش رخيص حتى.. لأ.. ببلاش!.. مش كل الكنوز فلوس، فيه ناس بتبقى قيمتهم أغلى ومش ذنبهم إن اللي قدامهم مش شايف لمعتهم أو ضيعهم من إيديه.